البرهان.. وضع النقاط على الحروف 

 

تقرير: عوضية سليمان    14فبراير2022م 

يعتبر اللقاء الذي أجراه تلفزيون السودان مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان, مهما جدا في توقيت هام. كأنما اراد الرجل وضع النقاط على الحروف, لبعض القضايا السياسية والسيادية الملحة. وبطبيعة العسكريين كان البرهان حازماً وحاسماً في بعض الإجابات, وكان دبلوماسياً في البعض الآخر, كلما اراد لقمان جر البرهان إلى الخطوط الحمراء خرج منها بإجابات مُقنعة, حتى وان عدّها البعض بأنها فضفاضة, او حمالة أوجه.

عموماً اللقاء أوضح الكثير من المواقف التي كانت غائبة عن الأذهان. ولعل ابرز ما جاء في خطاب البرهان تأكيده بأن فولكر وسيط لا يحق له تقديم مبادرات، وان قضية فض الاعتصام لم تعلق, مبيناً ان لجنة التحقيق تعمل بشفافية، وشدد بان المؤسسة العسكرية على قلب رجل واحد. وقال نسعى لقيام انتخابات في موعدها, ونوه الى ان الحوار مفتوحٌ مع الجميع, وان الشباب اصحاب حق في بناء الدولة, واكد خروج الجيش من الأطر السياسية حال تم توافق وطني. وشدد على منع استخدام السلاح ومطاردة المتظاهرين, وقال: الغربيون يرفضون التعاون معنا.

ضربة قاضية

البعض عدّ خطاب البرهان انه لم يخرج خاسراً من هذا النزال, بل اعلن عن رؤيته وتوجههه للفترة القادمة وبصورة واضحة.

واكد مصدر مسؤول لـ(الصيحة) فضّل عدم ذكر اسمه, ان حديث البرهان عن فولكر وعن عدم حياده حديث مهم, يجب ان يقف عنده النقاد والمراقبون للفعل السياسي, وهو حديث يؤكد على وطنيته, وتأكيد على قبوله ودعمه للمبادرات السودانية من اجل السيادة الوطنية. وحول دور المبعوث الامريكي كان انتقادا واضحا لدور فولكر ورفضا بائنا لتدخله في الشأن الداخلي, وهو بذلك ضرورة وضع إطار محدد لحركته.

وقال المصدر، أعتقد جازماً أن البرهان استطاع الفوز بالضربة بالقاضية في هذا الحوار على الحرية والتغيير, وقال بعد هذا اللقاء لم تعد هنالك حرية وتغيير, ولا مجتمع دولي فارض سيطرته على الشأن السوداني. وأكد أن البرهان الآن يتبوأ مركزاً متقدماً في قيادة الشعب الى بر الأمان, بالتالي البرهان استطاع من خلال حديثه إيصال رسائل قوية في كل الاتجاهات ،  وطرح نفسه بأنه مقبول على القوى الخارجية ، على رأسها اسرائيل التي يمكن ان تسهل او تفتح له كثيرا من الأبواب المُغلقة.

عورات داخلية

ويقول المحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريس ، ان الخطاب اوضح كثيرا من الحقائق واتى في زمن مهم جداً. في وقت هنالك حقائق غائبة (يلوكها) الرأي العام, واضاف في حديثه لـ(الصيحة)، هنالك صورة ذهنية كانت خاطئة عن الجيش خاصة بشأن تطلعات الجيش السالبة في السلطة والحكم, وقال في تقديري، الخطاب اكد ان الجيش ليس طامعاً في السلطة او الحكم, وانما هو شريكٌ أصيلٌ في السلطة, بالتالي هذه رسالة للداخل والخارج, واكد أن الخطاب حوى رسائل داخلية مهمة للرأي العام الداخلي, أثّرت على المسار السياسي, لذلك لا بد من المحتوى السياسي للحكومة في المشاركة خلال الفترة الانتقالية, والمساهمة في السلطة. وقال هذا مؤشرٌ مهمٌ جداً, واضاف ان البرهان في خطابه, كشف العورات الداخلية, والخلافات والتكتلات السياسية التي اضعفت العمل السياسي في الفترة ما قبل 25 أكتوبر, وقال من أهم المؤشرات التي جاءت في خطاب البرهان أن قرارات 25 اكتوبر تصحيحية, مع استعداده لتسليم الحكومة إذا تم توافق سياسي, ورأي أن هذه مسائل مهمة في خطاب البرهان. وقال ان الخطاب اوضح ان الازمة ليست بين العسكريين والمدنيين, وليست هنالك ازمة داخل الجيش. واكد انه مستعدٌ لتسليم السلطة للمدنيين, مما يعتبر ذلك مؤشراً هاماً, ولكن يبدو أن القوى السياسية غير قادرة على استلام السلطة, وغير متفقة على مشروع سياسي واحد.

مؤشرات مهمة

من أهم ما جاء في خطاب البرهان حق التظاهر مكفولٌ, ولكن السلطات حددت مناطق ممنوع التظاهر فيها.

ويقول أبو خريس، إن البرهان أشار في حديثه إلى أحداث القتل، وأكد أنها في طور التحقيق من الشرطة. ودعا الى عدم الانجراف في العنف. وقال أبو خريس إن حديث البرهان حول حق التظاهر مهم. ولكن لابد من الذي قتل المتظاهرين؟ بالتالي من خلال التشريح معرفة ذلك, وللتأكيد بأن الشهيد توفي بواسطة الشرطة ام من قِبل المتظاهرين, ولعل ذلك من المؤشرات المهمة التي اشار اليها, ومن الجانب السياسي ابان البرهان معارضته لمبادرة فولكر, وقطع بذلك الطريق أمامه, حيث اكد ان فولكر ليس هو صاحب حق, وان دوره تنسيقي فقط, واكد رفضه لأي تدخل منه في الشأن الداخلي, وقال ان السودانيين يرون ان الامم المتحدة تدخلت في الشأن الداخلي, وهذا ليس من حقه, لذلك رسالة البرهان كانت واضحة في هذا الشأن. وقال أبو خريس ان البرهان ارسل رسائل واضحة بأنّ القوات المسلحة متماسكة وتقف في صف واحد ولا توجد خلافات داخلها. وأبان أن عملية الدمج والتسريح تسير على قدم وساق, واعتبر إشارته عن قدرتهم على تكملة المشوار فيها إضاءة مهمة على مستقبل الفترة المقبلة.

بين مدرستين

ولأن الحوار بين البرهان ولقمان على تلفزيون السودان, كأنه ما بين مدرستي الواقعية السياسية والبراغماتية العسكرية, فإن الكثيرين يرون ان البون بينهما بعيد وان رسم صورة توافقية بين المدرستين تصبح شبه معدومة. ولكن تجسير الهوة قد تكون ممكنة في ظل الواقعية السياسية. ولكن البعض يرى ان البرهان قطع الطريق امام عودة الحرية والتغيير بشكلها القديم ووضع أمامها متاريس للوصول الى السلطة.

ويرى الإعلامي يوسف عبد المنان أن البرهان تجاهل عدة أسئلة ملحة في قضايا معاش الناس والضنك الذي يكابده عامة الشعب بسبب سياسات ومنهج اقتصادي رأس مالي جشع انهى ما يُعرف بدولة الرعاية الاجتماعية التقليدية، أفرز دولة تخلت عن المواطنين، وقال ان اللقاء لم يتطرق الى قضية اغلاق طريق الصادرات الى مصر. ومن قبله اغلاق الميناء مما ادى الى كساد في الاسواق وعزوف المصدرين عن تصدير المنتجات الزراعية والحيوانية واثر ذلك على الحياة العامة وادت الى زيادة الفجوة بين الإدارات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى