اختراق الأجواء عسكرياً.. محاولة جر السودان للمواجهة!

 

تقرير: صلاح مختار

في العُرف العسكري، يعتبر اختراق الأجواء من قبل الطيران العسكري لأي دولة أمراً غير مسموح به، ويعد عملا تصعيدياً مع سبق الإصرار, خاصة في ظل وجود توتر بين دولتين وحشود بين جيشين, ويعد اختراق الحدود للطيران العسكري عملاً مُجرّماً في حالات التوتر بين الدول، وكثير من الطائرات العسكرية في حالات التدريب تخترق الحدود الدولية, وتلجأ الحكومات إلى الاحتجاج الدبلوماسي، بحيث تقوم الدول التي تتبع لها تلك الطائرات بالاعتذار السياسي وتتعهد بعدم تكرار مثل هذه الطلعات. من جانبها، تقوم قيادة تلك القوات بضبط طلعاتها العسكرية في نطاق المسموح به دولياً لأن الأمر يتعلق التدريب.

وإذا أسقطنا ذلك المفهوم على قيام الطيران العسكري الأثيوبي مؤخراً باختراق الأجواء السودانية، نجد أنه  جاء في ظل توتر متصاعد على الحدود بين البلدين، حيث أكدت الحكومة أن طائرتين عسكريتين إثيوبيتين اخترقتاً الأجواء السودانية، ووصفت وزارة الخارجية الخطوة بـ(التصعيد الخطير وغير المبرر)، حينما قالت إن الخطوة ستكون لها عواقب خطيرة وستزيد التوتر في المنطقة الحدودية..  فكيف تغدو مآلات الأوضاع في ذلك الشريط الحدودي متصاعد الأحداث هذه الأيام؟

أعمال عدائية

وضعت الخرطوم طلعات الطيران العسكري الأثيوبي في خانة (الأعمال العدائية) قد لا ترقى لمستوى إعلان حرب، ولكن في نفس الوقت لا تريد الخرطوم أن تنجر وراء التصعيد والرد بمثله، وأعربت عن أملها ألا تتكرر مرة أخرى، نظراً لانعكاساتها الخطيرة على علاقات البلدين وعلى الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، ولأن التصعيد العسكري تقوم به كل التشكيلات العسكرية للجيش الإثيوبي، فإن المتحدثة باسم الخارجية، دينا مفتي، قالت إن التوغل أدى إلى تأجيج الصراع الحدودي على الرغم من المحادثات الجارية حالياً لتسوية القضية سلمياً، وحتى لا تتطور تلك الخروقات، طالبت وزارة الخارجية السودانية المجتمع الدولي بالتدخل وإدانة الهجمات التي تشنها جماعات مسلحة تقول الوزارة إنها من منطقة الأمهرة الإثيوبية.

غير مسموح

وسواء أكان بالطيران العسكري أو المدني، تعتبر عملية الاختراق دون إذن عملًا مُجرَّماً بالقانون الدولي الذي يصف ذلك بالانتهاك.

بالتالي فإن المحلل العسكري الفريق ركن طيار عبد الله صافي النور، يعتبر من وجهة نظره أن أي أختراق للأجواء أمر غير مسموح به بالتأكيد من غير إذن خاصة في ظل التطورات التي فيها نوع من عدم الهدوء الأمني عقب اعتداء، وأكد لـ(الصيحة)، أن تلك الطلعات تعتبر خطوة تصعيدية لتحقيق جوانب وأهداف عديدة، منها استطلاعية وتحديد مواقع العدو، وهو في كلا الأمرين أمر غير مقبول، وبالتالي تستوجب تلك الخطوة نوعاً من الاعتذار للطرف الآخر، وقالظ: أي نوع من الاختراق على الحدود، فإن من واجب القوات المسلحة السودانية حماية الحدود والرد عليه باعتبار أن مثل هذا النوع من الأعمال غير مسموح به، وأن الدولة لها الحق في التصرف بأي نوع من التصرف لحماية حدودها.

الاعتذار واجب

واستبعد صافي النور أن تكون خطوة اختراق الطيران العسكري الأثيوبي تهدف لجر السودان للمواجهة العسكرية معها، وقال: لا أظن أن الخطوة ترقى لهذا المستوى  رغم أنه عمل غير مسموح به وعمل مباشر لطيران اعتراضي،  ولذلك في كل الحالات هي مهمة عسكرية وغير مقبولة. وأكد أن الإجراءات القانونية تعتمد على مدى تصاعد الموقف بين الدولتين. غير أن الموقف الآن يتجه نحو التهدئة،  ولكن لا يعني ذلك أن يتنازل السودان عن حقوقه وحماية أرضه وحدوده، خاصة وأن الجانب الإثيوبي يتحمل كل تلك الأفعال، وقال: الإجراءات التي قد تتم يمكن أن تُحَل عبر القنوات الدبلوماسية بالاعتذار من الجانب الأثيوبي للسودان عما بدر من الطيران العسكري، وأكد أن تلك الخروقات لا يمكن إنكارها لأنها أشياء مرصودة ويسهل إثباتها وتوثيقها.

دلالة خطيرة

ويرى الناطق الرسمي السابق للقوات المسلحة العميد ركن معاش الصوارمي خالد سعد، أن اختراق الأجواء السودانية من قبل الطيران العسكري الأثيوبي فيه دلالة خطيرة ويحمل مجموعة من المضامين منها أن الاختراق يعتبر انتهاكاً للسيادة الوطنية للدولة من جارة معروفة استخدمت فيه الطيران العسكري، الأمر الآخر أن الاختراق يصب في ناحية تأزيم الموقف بين الدولتين، ولا يعبر بهما نحو الحل السلمي، إضافة إلى ذلك، فإن اختراق الأجواء السودانية بطيران عسكري فيه إشارة عسكرية واضحة بأن الأمور تتجه نحو اتخاذ منحى عسكري.

عمل خطير

ويقول الصوارمي لـ(الصيحة)، إن العمل الاستطلاعي من الأعمال العسكرية الخطيرة، خاصة إذا استُخدم فيه الطيران العسكري في إمكانية الوصول إلى أهداف داخل الدولة الأخرى، وبالتالي لا يكون الاستطلاع إلا للقيام أو تنفيذ عمل عسكري، وبالتالي السودان لديه الحق القانوني الكامل في حماية حدوده وأجوائه من أي طيران سواء كانت مدنية أو عسكرية تعتبر دون إذن، وأكد إمكانية الدولة السودانية سلك طريق القانون الدولي في مقاضاة إثيوبيا باعتبار أن أثيوبيا انتهكت الأجواء السودانية دون إذن وبطائرات عسكرية، مبيناً أن القانون الدولي ينظم حركة الطيران سواء كانت مدنية أو عسكرية وتُجرّم كل انتهاك للعرف الدولي في هذا المجال.

عملية عسكرية

ونظر الصوارمي إلى تلك الأعمال من وجهة نظر المؤسسة العسكرية التي ترى في حالة وجود استطلاع من أي جهة عسكرية في أراضي الغير عملية أو بداية لعملية عسكرية، لأن العمل تسبقه أعمال عسكرية استفزازية مثلما حدث في قتل الجنود السودانيين في الفشقة إضافة إلى اختراق الأجواء السودانية من قبل الطيران الأثيوبي العسكري، ومقتل خمسة نساء وطفل بسبب قصف مدفعي للجيش الإثيوبي داخل الأراضي السودانية. بالتالي تمثل تلك الأفعال مجموعة انتهاكات داخل أراضٍ سودانية، وهي ضمن الأعمال الاستفزازية وتدخل في مضمار محاولة جر السودان للمواجهة العسكرية، وقال: حتى وإن لن لم ترد الحرب، فإن الأعمال الاستفزازية تقود إلى الحرب لأنها غير مقبولة، وكالعادة لا تمر بسلام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى