“تقرير حديث”: السودانيون سيتقاتلون على موارد مُتناقصة

 

الخرطوم: فرح أمبدة   3فبراير2022م 

رسم تقرير عن “حالة السودان البيئية”، صورة قاتمة لمستقبل الحفاظ على الموارد الطبيعية ومواجهة التحديات البيئية، تحت ظل عدم الاستقرار السياسي الحاصل، وتراجع دور المؤسسات، وحذّر التقرير الذي أعدته بعثة مشتركة بين السودان وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، من أن الزيادة السكانية المتوقعة ستكون بنسبة٣٠% بحلول عام ٢٠٣٠، وستؤدي إلى ارتفاع كبير في عدد الأشخاص الذين يهاجرون من المناطق الريفية إلى المُدن بحثاً عن الغذاء والماء والسكن والخدمات الأخرى، ما يُمكن أن يضيف المزيد من الضغوط على الموارد الطبيعية وأن يتسبّب في عواقب بيئية كبيرة.

وتناول التقرير الذي اطلعت عليه “الصيحة”، التحديات البيئية التي تواجه السودان، بدءاً من إزالة الغابات وتدهُور الأراضي، وصولاً إلى إدارة النفايات والأمن الغذائي، ويقدم التقرير حقائق وأرقاماً مفصلة تم جمعها من مجموعة واسعة من المؤسسات والمسؤولين والخبراء وأصحاب المصلحة، قبل أن يخلص إلى “أن المستقبل المنظور للسودان، تكون سمته التنافُس المحموم على موارد طبيعية متناقصة، بالنظر الى التوقعات ببلوغ سكانه الى 57.3 مليون بحلول عام 2030” .

قضايا مزمنة

ومعلومٌ أن السودان عانى من عدة مشاكل بيئية على مدى سنوات طويلة، فقد بلغت نسبة الأراضي المتصحرة 72 في المائة من المساحة الكلية للبلاد، وباتت مُبيدات الآفات القديمة والمحظورة تشكل تهديداً للصحة العامة، فضلا عن مشاكل النفايات الصلبة، والرعي الجائر المتزامن مع زيادة أعداد الماشية بشكل يفوق بكثير قدرة البلاد على التحمُّل، وقد أظهرت الدراسات أن الرعي الجائر كان مسؤولاً عن الأضرار التي لحقت بـ 74 في المائة من الأراضي المتدهورة في السودان.

مبيدات قاتلة

وظلت المبيدات القديمة والثابتة تُمثِّل تحدياً كبيراً، حسبما يقول معدو التقرير، “مثل ما كان للمبيدات تأثير إيجابي في زيادة إنتاجية المحاصيل، أصبحت فيما بعد مشكلة بسبب عمرها الطويل وميل بعضها إلى التراكم الحيوي في السلسلة الغذائية” وتشمل مبيدات الآفات طويلة العُمر المستخدمة في السودان مادة دي. دي. تي (ثنائي كلورو ثنائي الفينيل ثلاثي كلورو الإيثان)، التي استخدمت لأول مرة في البلاد عام 1945 وحُظرت عام 1981؛ أما الألدرين، والديلدرين، وسباعي الكلور والكلوردان، فإنها تستخدم بشكل رئيسي في مزارع قصب السكر لمكافحة النمل الأبيض، وتعد الملوثات العضوية الثابتة من مسببات السرطان وتعمل على تعطيل الغدد الصماء وأنظمة المناعة، فقد أدى تخزينها السيئ وتعرُّضها لأحوال مناخية مختلفة، إلى انتشار واسع النطاق للتلوث.

وحسب ما تضمن التقرير فإنه قد تم العثور على مبيدات الآفات الكلورية العضوية في دماء السكان الذين يعيشون حتى في مناطق ذات استخدام محدود للمبيدات في مناطق الشمال، وذكر بأن مخازن المشاريع الزراعية تحتوي على حوالي 600 طن من المبيدات، منها 90 طناً من الملوثات العضوية الثابتة.

نفايات سامة

ومن بين التحديات البيئية التي ركز عليها التقرير، المخاطر الناجمة عن تراكم النفايات الصلبة، وقال ان السودان يواجه مشكلة النفايات الصلبة، وخاصة النفايات المحلية، ففي عام 2016، كانت الخرطوم تنتج حوالي 6600 طن من النفايات يومياً، على الرغم من أنّ قُدرتها الفعلية لا تتعدى جمع 4200 طن يومياً، بجانب ذلك تواجه الخرطوم تحدياً آخر متمثلاً في طرق التعامل مع النفايات السّامّة التي يتم إلقاؤها في مكبات النفايات وينتهي بها الأمر أن تتحلّل في المياه الجوفية، وهناك أيضاً مخاوف متزايدة في البلاد بشأن التصرُّف في النفايات البلاستيكية والنفايات الصناعية والنفايات الطبية ومياه الصرف الصحي.

قضايا مُستجدّة

كما تطرق التقرير الى المخاطر الناجمة عن تعدين الذهب، وقال في الخصوص: يواجه السودان تحديات بيئية جديدة لا يتوفر عنها سوى القليل من المعرفة والبيانات المحلية، من بينها تعدين الذهب العشوائي الذي يتنامى كوسيلة لجلب العملات الأجنبية، لكن هذا يأتي على حساب حياة الإنسان والبيئة من خلال زيادة استخدام الزئبق.

فقد انتشر التعدين العشوائي للذهب – حسب ما ورد في التقرير – على نطاق واسع بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، ويرجع ذلك جزئيًا إلى انخفاض عائدات العملات الأجنبية بسبب انخفاض صادرات النفط، وفي عام 2012، تضاعفت تراخيص تعدين الذهب من 318 إلى 700 ، وزاد عدد مصانع المعالجة ستة أضعاف من 714 إلى 4464. وفي عام 2014 ، أنتج التعدين العشوائي 60 طناً من الذهب، أي ما يقرب من ستة أضعاف ما أنتج من التعدين التجاري “الشركات”، وقد شجّعت الأرباح السريعة المُزارعين على التحوُّل من الزراعة إلى التعدين.

تدمير ممنهج

ومعلومٌ ان لاستخدام الزئبق في استخراج الذهب آثارا سلبية على البيئة وصحة الإنسان، مسبباً مجموعة واسعة من الأعراض المرضية، واسترشد التقرير بإحدى الدراسات التي توصلت الى الحاجة لاستخراج طن واحد من الذهب تصل الى ما بين 2 و3 أطنان من الزئبق، في إشارة الى كميات الزئبق المستخدم لاستخراج معدن الذهب، فضلاً عن ذلك يتحدث التقرير عن أن مساحات شاسعة من الأراضي التي كان من الممكن استخدامها للزراعة، صارت تستخدم بدلاً من ذلك، للتعدين ما أدى الى تدميرها، بتدهور تربتها.

النفايات الإلكترونية:

ومن الإشكالات الجديدة التي تناولها التقرير، النفايات الإلكترونية، وذكر بأن

التقديرات تشير إلى أن السودان ينتج 3 أطنان سنوياً من النفايات الإلكترونية، فضلاً عن ما يفوقها من النفايات التي يتم استيرادها من خارج البلاد، وبما أن السودان يمر بفترة انخفاض في التوليد الكهربائي، فإن استخدام المولدات التي تعمل بالديزل والبنزين يتزايد بشكل أكبر لتزويد الصناعة والمنازل بالطاقة، ويصدر من المولدات كميات كبيرة من التلوث بسبب الاحتراق غير الكامل وينتج عنها أيضًا الكثير من الضوضاء.

 

زيوت ممزوجة

بجانب ذلك الطلب المتزايد على المواصلات منخفضة التكلفة، شجع على استخدام “الركشات” والمولدات الكهربائية التي تعمل بالديزل “البنزين”، وكلاهما يسبب مستويات عالية من الضوضاء وتلوث للهواء، فقد تضاعف استخدام الركشات عشرات المرات خلال العشر سنوات الماضية، ففي عام 2013، كان هناك 69,000 ركشة مُسجّلة في الخرطوم، وتستخدم الركشات زيت البنزين الممزوج، وغالباً ما يلجأ المشترون لأرخص أنواع الزيوت

التي تسبب تلوثاً كبيراً للهواء، وأن انبعاثاتها تقلّل من درجة الرؤية

وتسبب أضراراً للنباتات، فضلاً عن ذلك تتسبّب في أمراض الجهاز التنفسي

لدى الناس.

موارد مُتناقصة

ويخلص التقرير الى أن المستقبل المنظور للسودان، تكون سمته التنافُس المحموم على موارد طبيعية متناقصة، بالنظر الى التوقُّعات ببلوغ سكانه الى 57.3 مليون بحلول عام 2030، ويقول في الخصوص: تتشكّل توقعات السودان إلى حد كبير من خلال حجم سكانه، الذي يُقدر حالياً بـ44.4 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يبلغ 57.3 مليون بحلول عام 2030. وسيتمثّل التأثير الأكبر لهذا النمو السكاني في زيادة التنافُس على الموارد الطبيعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى