منى أبوزيد  تكتب : في روح القطيع..!

3فبراير2022م

“لا تتخلَّ أبداً عن المبادرة”.. شاردل ديجول..!

اللورد البريطاني ساندويتش – الذي عاش في القرن الثامن عشر – حقق لبلاده الكثير من الاكتشافات البحرية والنجاحات المهنية، لكنها لم تخلد ذكراه بقدر ما فعل اختراعه العفوي المسمى بالشطيرة أو “الساندويتش”، أشهر صيغ وجبات الطعام السريع رواجاً في العالم..!

على ذمة التاريخ كان الخواجة ساندويتش مولعاً بلعب القمار حد الإدمان، وعندما كان خادمه يخبره بجاهزية وجبة طعامه لم تكن نفسه تطاوعه على ترك المقامرة ولو لدقائق معدودات. فكان يطلب من الخادم أن يأتيه بقطعة من اللحم محشوة بين قطعتين من الخبز يسهل التهامها في أثناء اللعب..!

بطبيعة الحال لم يكن في نية الرجل – قط – أن يهدي البشرية طريقة جديدة في تناول وجبة طعام بشكل يتناسب مع ضيق الوقت أو ضيق المعدة أو ضيق المقام، لكنه فعل لدواعٍ شخصية، ثم قلَّده الناس، وهكذا دوماً يفعلون..!

ولو لم يكن التقليد هو فطرة الإنسان لما انتقل الساندويتش من موائد النبلاء الإنجليز إلى سكان القرى في العالم الثالث، وظلّ الوجبة الشعبية الأشهر منذ القرن الثامن عشر حتى يومنا هذا، ولما انتقلت البيتزا “التي كانت عشاء فقراء إيطاليا، المصنوع من بقايا غدائهم” إلى موائد محدودي الدخل والأثرياء – على حد سواء –  في شتى بقاع العالم..!

التقليد إذن نزعة إنسانية وظاهرة عالمية، لكنه – عندنا – في السودان طبيعة شعبية ذات صبغة رسمية. تأمّل مثلاً في ذلك الهروع الجمعي الكبير نحو استثمار رؤوس الأموال الصغيرة في قوالب محدودة ومتشابهة.. فكل من يمتلك بعض المدخرات في السودان – ثم يمنِّي النفس باستثمارها في مشروع صغير يدر عليه دخلاً ثابتاً – يقوم بتقليد مشروع جاره أو قريبه أو صديقه أو بصرف النظر عن اختلاف الظروف التي يتوقّف عليها تكرار النجاح..!

أرجو أن تلاحظ معي أيضاً ذلك الخلل في توازن العلاقة بين طلب المواطن وعرض المستثمر المحلي في السودان، الكافتيريات والمقاهي أكثر من “الكلام الدقاق”، وخيارات مطاعم الوجبات السريعة أكبر من شهية المواطن، والركشات وعربات الأمجاد أغلى من ميزانية المشاوير. بينما يتبرّم ذات المُستهلك – المحاصر بكم العروض الفائضة عن حاجته – من عدم كفاية العرض لطلبه على جُملة من السلع والخدمات المهمة والضرورية..!

والنتيجة توسُّع رقعة الدين على حساب دائرة الربح. مشكلة المحاكاة والتقليد في المشاريع الصغيرة  – في السودان – هي أنها دوماً إلى زوال، لأن التجارة الناجحة هي لعبة عرض ذكية على أوتار الطلب وليس المحاكاة..!

مواكبة السلعة الذكية يُقاس بثبات معدل الطلب عليها، وتطور المجتمعات يُقاس بانتشار السلع التي تلائم حاجات شعوبها قبل أمزجة أفرادها. ذوق المستهلك السوداني في ارتقاء وانفتاح وتطور ملحوظ.. بقي أن يستيقظ حدس المواطن “المُستثمر”..!

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى