منى أبوزيد يكتب :شَاشاتٌ مجّانيةٌ..!

2فبراير2022م 

“الإنسان خادم الطبيعة ومفسرها”.. فرانسيس بيكون..!

(1)

لا شيء يعدل تلك المتعة العظيمة التي يجدها الرجال في مشاهدة مباريات كرة القدم سوى استمتاع النساء بمشاهدة انعكاسات أحداث تلك المباريات على وجوههم. وجه الرجل في أثناء مشاهدة مباراة كرة قدم شاشة مجانية تعرض فيلم “آكشن” بدرجة عالية من الإثارة والتشويق – والتسلية أيضاً – لمعشر الزوجات المتذمرات من سيطرة القوَّامين على أجهزة الريموت كنترول، وانشغالهم عن ثرثرتهن بملاحقة حركات وسكنات اثنتين وعشرين زوجاً من الأقدام. يا لها من لقطات طريفة تلك التي يعود الرجل فيها طفلاً أخرق بلا أقنعة أو رتوش، يضحك برعونة، يصفق بسذاجة، يصرخ بشراسة، يطوح بقناع وقاره التاريخي جانباً، يغيب عن الوعي “بكامل وعيه” في عالم تحكمه – بأمر الله – كرة من المطاط..!

(2)

مشاهد توديع الأزواج المغتربين – حديثي العهد بالزواج – لزوجاتهم اللائي قابلوهن على عجل، وتزوجوهن على عجل ـ وعاشوا معهن أياماً قليلة قبل أن تنقضي الإجازة أيضاً على عجل ـ  صور مُدهشة ومُحفِّزة للتأمُّل. فهي وعلى الرغم من طابع الحُزن الذي يكتنف تفاصيلها تستثير فيك ذلك الفضول الشرير الكامن في نفوس البشر، تغريك بالتأمُّل في مشروع “زوجة المغترب” الذي تمثل انطلاقته في تلك اللحظات – أمام ناظريك – عروس منقوشة اليدين والقدمين بحناء حالكة السواد، بملابس زاهية براقة ووجه ملئ بالأصباغ والدموع. العروس دوماً هي التي تبكي في الغالب، بينما تتراوح مواقف الأزواج بين انفلات بعض مظاهر الحزن والتظاهر بالصلابة أمام الأقرباء. لكنك إذا تأمّلت وجوه بعض “الأزواج” النمطيين تقرأ في ملامحها أحياناً، دهشة – أو حيرة طفيفة – في مواجهة “نحيب” العروس، ولسان حال الواحد منهم “عِرْفَة متين”..؟!

(3)

“مناظر” النساء المتأنقات المتزينات وهن يتجاذبن أطراف الحديث، أو ينهمكن في مناقشات حادة أو يتمادين في الضحك والقهقهة – قبل أو بعد أداء واجب العزاء – في “بيوت البكاء” لوحة سوريالية زاخرة بألوان الانفعالات الإنسانية المتناقضة المتلاحقة. يكفي أن تقارن بين مشهد وصف إحداهن لحالها بالسجم والرماد بعد المرحوم – وهي تئن وتنتحب حتى يكثر من حولها النهي والزجر أن يا فلانة أرجعي – وبين ضحكاتها المسترسلة، بعد وقت قصير من ذلك، وهي تجلس وسط صويحباتها اللاتي حذون حذوها – في الغالب – قبل أن “يرجعن” إلى أرض الواقع..!

(4)

هذه شاشات مجانية تحفز الخيال وتشبع الفضول وتبدد الضجر وتطرد السأم وتحسن المزاج. وهي إلى جانب ذلك كله دروس مجانية في علل ومزالق ومهالك سلوك البشر الخطاءين. إذا تأمّلت فيها بالقدر اللازم من الحياد والموضوعية جنيت منها حِكماً وأمثالاً عظيمة، لن تجد مثلها أبداً على الشاشات الأخرى “سِت الاسم”..!

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى