قال في السودان من الصعب أن تصبح شاعراً محترفاً: الشاعر عثمان جمعة: الشعر الغنائي في السودان يمر بظرف خطير!!

مدينة كوستي مازال رحمها ولودا وهي تقدم في كل فترة مبدعاً جديداً صاحب عطاء إبداعي مختلف ورصين .. ولعل الشاعر الشاب (عثمان جمعة) هو من تلك الإشراقات الجمالية التي أبهرتنا بها كوستي مؤخراً .. وهو يمثل حالياً في كوستي صوتا شعريا مختلفا وجديدا من حيث المعاني والأخيلة واللغة الكتابية الخاصة .. ولعله واحدٌ من الشعراء الذين سوف يكون لهم شأن كبير، ليس في المُحيط المناطقي فحسب، بل سيمتد الى كل جغرافيا السودان بكل تنوعاتها الثقافية والإبداعية، (الحوش الوسيع) استنطقت الشاعر عثمان جمعة وخرجت منه بعديد الإفادات الثرة والملهمة.

حوار: سراج الدين مصطفى              1فبراير2022م 

إذا نظرنا للموضوع من زوايا فلسفية ونظرية، هل يمكن أن نقول إنّ الشاعر يولد بصرخة ذات جرس وإيقاع موزون ومنتظم؟

من زاوية الفلسفة والنظرية، من الساهل والصعب ان تقول ان الشاعر يولد بصرخة ذات جرس وايقاع مدوزن ومنتظم. القول بنعم يصدقه تجربة كثير ممن ولدوا بهذا الجرس والانتظام. والقول بلا تصدقه تجارب شعراء آخرين كالنابغة الذبياني الذي لم يقل شعراً إلا في سن الأربعين. ولكن من المؤكد أن الشاعر يولد مُختلفاً عن أقرانه، مُختلفاً في نظرته الأشياء والمواقف والتعبير عنها ولو بالصمت المُوحي.

بيئة البيت والمكان، كيف كان تأثيرها في تكوينك الإبداعي.. وهذه سانحة للتعرف عليك من خلال ملامح وتفاصيل مُجتمع مدينة كوستي؟

للبيت والمكان تأثيرهما الكبير في تكويني الابداعي هذا إذا جاز انني مبدعٌ، حيث إنني نشأت في بيت يضج بالحركة.. فكثيراً ما كنت اسمع الوالد عليه الرحمة يدندن بأغنيات وإن لم أفهم معناها حينها، إلا انها لفتت اذني لهذا الترديد.. اما الوالدة مريم يعقوب نجم الدين فهي باحثة ومؤرخة لفن التم تم، سمعته من خالاتها في الحي، فقد كن جزءاً من جوقة التومات، وقد أجرى تلفزيون السودان قبل فترة لقاءً معها، ذكرت فيه معلومات وإفادات لن تجدها إلا عند الوالدة متّعها الله بالصحة والعافية.

وفي تفاصيل عموم مُجتمع مدينة كوستي فهو مجتمع فنان يكفيه شهادة أن غناء التم تم نبع من هنا. وأي فنان أجازه مجتمع كوستي فهو فنااان.

في السعي لخلق بصمة خاصة، لا بد من المرور بالعديد من المدارس الشعرية والتأثر بها، بمن تأثّرت، ومن هم الذين شكّلوا وجدانك الشعري؟

البصمة الخاصة هي المميزة لكل شاعر متميز، وعن شخصي فقد مررت بكل المدارس الشعرية بدءاً من الحقيبة والى يومنا هذا.

في مدرسة الحقيبة، هناك شعراء لا بد من التوقف والتأمل لمنتوجهم الإبداعي، فبرغم تميزهم جميعاً إلا أن صالح عبد السيد (أبو صلاح) وعلي المساح (مساح دمع البكي) يستوقفانك كثيراً. أما ما بعدهما فعبد الرحمن الريح وعتيق حالات خاصة.. فهؤلاء وغيرهم تأثرت بهم كثيراً. وفاتني أن أذكر وقوفي على الشعر الجاهلي، وهناك محطة مهمة ألا وهي محطة أبو الطيب احمد ابن الحسين (المتنبي)، فهو شاعرية ليس لها مثيل.

هل اختارك الشعر أم اخترته، وهل يحق للإنسان أن يختار الشعر كصفة مميزة لشخصيته؟

أنا لم اختر الشعر ولكنه اختارني وقبلت بذلك، فهو الوحيد المعبر عن خلجات النفس وكوامن الشعور.

إذا أراد الإنسان أن صفة مميزة لشخصيته هذا معناه الاحتراف.. وفي السودان من  الصعب أن تصبح شاعراً محترفاً.

الشعر الغنائي في السودان، يصفه البعض بأنّه أصبح بلا قـيمة حقيقية وأقرب للابتذال ولم يعد كما كان في السابق؟

اتفق مع من يقول إن الشعر الغنائي في السودان وفي الفترة الأخيرة اصبح بلا قيمة حقيقية ولم يعد كما كان في السابق، وانه اقترب كثيرا من الابتذال والركاكة والضعف. اللهم إلا بعض الإشراقات التي تجدها هنا وهناك.

التمرد على الغناء والشعر الكلاسيكي من حيث المبنى والمعنى كيف يكون؟

الكلاسيكي ليس عيباً وقد أثبت مع مر الأيام انه الأجود والأبقى. اقصد الشعر الكلاسيكي، فمن حيث المبنى فهو الأوقع أثراً. اما من حيث المعنى فهذا يعتمد  على من يكتبه. اما المتمردون عليه فمُعظمهم استعصت عليهم الكتابة التقليدية، وان برع بعضهم.

الأغنية السودانية فقدت هويتها الشعرية وفيها الكثير من الابتذال ولم تعد كالسابق، كيف تنظر لهذا الاتهام الذي يخص جيلكم؟

صحيح، الأغنية السودانية في الآونة الأخيرة تتعرّض لطمس هويتها الشعرية واستشرت فيها الركاكة، والابتذال والاتّهام في محله وهذا راجع لغياب الأجسام المعنية بحفظ الهوية وصيانة الذوق العام. وعن نفسي أنا لست مِمّن يخوضون في وحل الابتذال والركاكة.

برأيك لماذا ظلت حتى الآن مدرسة الحقيبة الكتابية تلقي بظلالها على الراهن الشعري الغنائي؟

ظلت مدرسة الحقيبة تلقي بظلالها على الراهن الشعري لعدة أسباب، منها الصدق الفني والتناول الجيد وعجز اللاحقين في أن يأتوا بمثل ما أتى به الأوائل.

بمثل الأغنية الشبابية، هل هناك أشعار شبابية وهل هذا المصطلح عموماً يتسق مع الإبداع؟

مصطلح اغنية شبابية، أظنهم يقصدون به الأغنيات التي يكتبها شعراء شباب ويتغنى بها شباب أيضاً، إلا أن المصطلح في تقديري ليس دقيقً، الأغنية هي الأغنية، اما أن تكون جيدة واما ان تكون غير ذلك، بغض النظر عن عُمر  شاعرها أو مغنيها.

الشعر الغنائي في السودان كيف هو حاله الآن وكيف تقيم مُستوياته؟

الشعر الغنائي في السودان يمر بظرفٍ خطيرٍ وحاله يُغني عن سؤاله، فقد تراجع مستواه كثيراً، فمنذ فترة لم نسمع أغنية رصينة ومُعبِّرة.

لماذا لا يوجد اتحاد للشعراء الشباب في كوستي ليجمعهم في مكان واحد لتدارس همومهم وأفكارهم؟

في كوستي لا يوجد اتحاد شعراء من الأصل.. شباب أو غير شباب.. ولكن لدينا تحرُّكات هذه الأيام لقيام اتحاد يجمع كافة الشعراء للتعبير عن أنفسهم ومُناقشة   هُمومهم وأفكارهم. وهذه دعوة لهم من خلال منبرك هذا.

*هل هناك تواصل إبداعي واجتماعي بينكم والأجيال التي سبقتكم في مجال كتابة الشعر؟

على المستوى الشخصي لديّ تواصل مع من سبقوني بالتجربة، أمثال ابراهيم البخيت (ود البخيت) وقريب الله محمد  وغيرهما.

*كيف تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي في توصيل أشعارك للمتلقي السوداني؟

من حينٍ لآخر، اعمل على نشر أعمالي في وسائل التواصُل الاجتماعي، وغالباً ما يكون ذلك بعد التصنيف خوف السرقات الأدبية والمُغالطات.

وأخيراً، جزيل شكري وتقديري لك ولصفحتك المتميزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى