من الآباء إلى الأبناء إلى الأحفاد.. الطائفية السياسية.. هل ما تزال جذورها مٌخضرة؟

ظهور نماذج أخرى للطائفية في فترة النظام البائد

سياسي:  فصل العمل الحزبي.. عن الفكر العقدي، لا يتم بالأماني

 النخب سعت  للابقاء على الطوائف لإعادة إنتاج سلطتهم

 

 

الخرطوم: نجدة بشارة     1فبراير2022م 

 

عقب رحيل الزعيم الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي وهو من أكبر الآحزاب السياسية ثقلا جماهيريا  في السودان،  انشغل معظم الأنصار في البحث عن إجابة لسؤال ظل يدور في أذهانهم ويطرح خلف الصالونات المغلقة سنوات طويلة حتى من قبل  رحيله وهو مَن يخلف الإمام ؟  من بين أبنائه على رئاسة حزب الأمة القومي وإمامة “كيان الأنصار”، إذ أن الأعراف والموروثات لدى الانصار هي أن الزعامة لا تغادر (حوش) آل المهدي.

ورغم أن الراحل كان قد أعلن  في أكثر من مُناسبةٍ عامةٍ عن تخليه لقيادة الحزب واعتزاله العمل التنفيذي واستمراره في العمل العام الوطني، لكن  أنصار حزبه هتفوا مقاطعين حديثه وطالبوه بالاستمرار، بيد أن حزب الأمة الذي يتبع لطائفة “الأنصار” لا يتزعمه إلا من آل البيت المهدوي، وهذا الحال منذ فترة ما بعد استقلال السودان في خمسينيات القرن الماضي  وامتد منذ  مبايعة أنصار الله الإمام المهدي بيعة المهدية 1946م وحتى انتخب الصادق المهدي رئيسا لحزب الأمة  وقيادة الأنصار الفعلية عام 1964م. ومثل حزب الامة هناك طائفة الختمية التي يتكئ عليها الحزب الاتحادي الديمقراطي منذ نشاته وحتي اليوم.

 ديمقراطية الحيشان

والشاهد أن الطائفة  في السودان لم تقتصر على حزب الأمة فحسب، حيث يرى مراقبون بأن هنالك عددا من الأحزاب تمسك العقيدة بيد، وتتكئ على عصا السياسة، بينما ترتدي جلباب الطائفية العقائدية والتي تختلط فيها بين الولاء للحزب والولاء لـ(حوش) أو (آل البيت) مثل الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يتبع لطائفة “الختمية” ومتوارث من عائلة “المراغنة” لا تؤول  قيادتها من خارج البيت الميرغني.

وفي الاتجاه، أشار المراقبون الى نماذج أخرى للطائفية ظهرت على السطح في فترة نظام الانقاذ البائد  وتجسّدت في اعتناق  بعض الطرق الصوفية لعقيدة السياسة جنبا الى جنب مع العقيدة والدين.

وشرح محللون بان هذه الممارسة اقترنت بالنظام السياسي الإسلاموي  وهي أسلوب ابتكره الرئيس  المعزول  لزيادة رصيده السياسي عبر استمالة الكوادر الدينية التي تجد التأييد وسط شريحة كبيرة للشعب السوداني، وعموماً فإن القوالب المجتمعية التي تداخلت مع السياسة وشكّلت نمطاً من الممارسة الحزبية أثرت على مسيرة الديمقراطية، من حيث ان  قيادات هذه الاحزاب العقائدية  تمارس دورها دون أية “مؤسسية”، بل تعتمد على “ولاء طائفي” وان ذلك يحسب على جدوى الممارسة السياسية التي تستند على الديمقراطية الحرة.

 

فك ارتباط ولكن؟

وكان  وزير الشؤون الدينية والأوقاف المعزول نصر الدين مفرح ، حظر تسجيل  أحزاب دينية على أسس دينية، موضحا  أن الوثيقة الدستورية ووثيقة سلام جوبا كانتا واضحتين جداً في مبادئهما، بأنه يحظر قيام حزب سياسي على أسس دينية.

في المقابل، يرى القيادي بقوى الحرية والتغيير التجاني مصطفى في حديثه لـ(الصيحة)،  أن غالبية الأحزاب السياسيّة في السودان ذات جذور دينية عقائدية خاصة الأحزاب ذات الثقل الجماهيري، وأردف: وفقاً لذلك يحتاج التغيير إلى فترة طويلة لإقناع المجموعات الطائفية ذات العمل السياسي أن تنفصل بالسياسة كمنهج عن الفكر العقدي، وقال: هذه مسائل شائكة لا تتم بالأماني وقد تحتاج إلى فترة طويلة من التغيير، وأوضح: لكن هذا لا ينفي أننا نتطلّع إلى تخفيف حدة الأثر الديني فيما يتعلق بالاختيار السياسي نسبة لأن هذا يُعد عائقاً في التطور السياسي من ناحية استدرار عواطف الناس لكسب تأييد سياسي وينبغي وضع التصورات لعدم استغلال الدين في المسألة السياسية، وهذا يحتاج إلى وقت، لا أظن أن مرحلة الانتخابات القادمة كافية لإحداث تغيير ديمقراطي يفصل بين السياسة والعقيدة، لا سيما وان هنالك اتجاها لعلمنة الدولة.

 

بين التصوف والطائفية

وفسر خبراء، مفهوم الطائفية بانه انتماء مجموعة  لطائفة معينة دينية أو اجتماعية، ولكن ليست عرقية فمن الممكن أن يجتمع عدد من القوميات في طائفة واحدة بخلاف أوطانهم أو لغاتهم، ولعل لفظ الطائفة انتقل الى الممارسة السياسية من وسط الطوائف الدينية، والمصطلح يفسر في المفهوم الغربي فرقة دينية تُدين بالولاء لزعيم حي أو تعاليم جديدة أو ممارسة غير عادية، ويتراوح عدد أفراد الطائفة ما بين عدد قليل من الأنصار يدينون بالولاء لزعيم ما، وتنظيمات على نطاق العالم تُديرها سلسلة مُعقّدة من القيادات وقلّما تطلق مثل هذه المجموعات الدينية على نفسها اسم طائفة دينية وهي ترفض عادةً هذه التسمية ويستخدم معظم مؤرخي الأديان التسمية الأكثر حيادًا وهي الحركات الدينية الحديثة.

 

لفظ الطائفية

وفي السياق، رفض القطب الاتحادي ياسين عمر حمزة في حديثه  لـ(الصيحة) ، إطلاق لفظ الطائفية السياسية على الأحزاب ذات الصبغة الدينية، موضحا بأنّ اللفظ المناسب هو (الطرق الصوفية) أو الأحزاب المتصوفة مثل الطريقة (الختمية) التي تشكل منها الحزب الاتحادي، أو الأنصار، القادرية وغيرها من المجموعات الصوفية، بينما يرى أن لفظ الطائفية اشتهرت بها المجموعات في دول عربية مثل لبنان والعراق التي تضم طوائف متعددة مثل (المارونية)، السنة، الشيعة، الأكراد، حزب الله وغيرها.

وبالعودة للحزب الاتحادي الديمقراطي، دافع حمزة عن شكل الحزب وقال:  رغم إنه  تشكل في  غالبيته من (المراغنة)، لكن في ذات الوقت، ضم ألواناً عقائدية وسياسية من مختلف الإثنيات وألوان الطيف السياسي، وأضاف حتى أن هنالك مجموعات من (المسيحيين) داخل الحزب، وأردف في برلمان النظام السابق كانت تمثل الحزب بالبرلمان سيدة (مسيحية).

 

ظاهرة طبيعية

وبالحديث عن توارث الأبناء للآباء في زعامة هذه اللونية من الأحزاب، قال إن ظاهرة التوارث تعتبر طبيعية  وعادية تحدث حتى في الدول العظمى مثل أمريكا والهند، وفي السودان، قال ان الختمية تتبع للطرق الصوفية، وزاد المجتمع السوداني أبويٌّ، وبالتالي فإن الولاءات تكون لزعيم الحزب وليس لامتداد أسري معين، وشرح مثلاً الزعيم الازهري كان زعيم الاتحاديين ولكنه ليس من (المراغنة)، وان الميرغني لم يرث الزعامة من الأزهري، وقال أرى أن صفة توارث الزعامة في الحزب الاتحادي لا تنطبق عليه، وقال ان الكوادر من الختمية تمثل أقل من 10% فقط من الكوادر السياسية الفاعلة  في الحزب.

 

التركيبة السياسية

وختم محللون سياسيون بان الحكومات المتعاقبة في السودان حافظت على التركيبة السياسية والاجتماعية  والطائفية دون المساس بها أو تحديثها وفقاً لمتطلبات الواقع السياسي المتغيّر وربما سعوا إلى الإبقاء على عناصر هذه التركيبة وامتنعوا عن عصرنة المجتمع من أجل إعادة إنتاج سلطتهم من خلال تماهي الشعب مع الأحزاب العقائدية التي تلبس جلباب الدين وتستجدي التعاطف والتأييد السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى