عبد الله مسار يكتب: الخلط بين الحكومة والوطن

20يناير2022

كتب الكاتب البريطاني روبرت فيسك، مقالاً سمّاه مفهوم الحكومة والوطن في العالم العربي، يقول روبرت فيسك، أتعلمون لماذا بيوت العرب (السودانيين) في غاية النظافة، بينما شوارعهم على النقيض من ذلك؟ السبب أنّهم يشعرون بأنّهم يملكون بيوتهم، ولكنهم لا يشعرون أنّهم يملكون أوطانهم!!

وهل فعلاً شوارعنا وسخة وعفنة، لأّننا نشعر أننا لا نملك أوطاننا؟!

إذن، لماذا؟ هذا يرجع إلى سببين:

الأول، إننا نخلط بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة فنعتبرهما واحداً وهذه مصيبة في حد ذاتها.. الحكومة هي إدارة سياسية لفترة قصيرة من عُمر الوطن ولا حكومة تبقى إلى الأبد، بينما الوطن هو التاريخ والجغرافيا والأرض والتراب الذي ضم عظام الأجداد، والشجر الذي شرب عرقهم، وهو الفكر والكتب والعادات والتقاليد.

لهذا من حق أي إنسان أن يكره الحكومة، ولكن ليس من حقه أن يكره الوطن.

والمصيبة الأكبر من الخلط بين الحكومة والوطن، هو أن نعتقد أننا ننتقم من الحكومة إذا أتلفنا الوطن وكأنّ الوطن للحكومة وليس لنا!!

ما علاقة الحكومة بالشارع الذي نمشي فيه أنا وأنت، وبالمدرسة أو الجامعة التي يتعلّم فيها ابني وابنك، وبالمستشفيات التي تتعالج فيها أختي وأختك وأخي وأخوك وزوجتي وزوجتك.. الأشياء ليست مِلْك مَن يُديرها، وإنما مِلْك مَن يستخدمها.

نحن في الحقيقة ننتقم من الوطن وليس من الحكومة، والحكومات تتعاقب بطرق أخرى، ومعلومٌ أنّ الحكومات الديمقراطية تسقط بسحب الثقة منها.

الثاني، إنّ ثقافة الملكية العامة معدومة عندنا حتى يبدو أنّنا نُعاني انفصاماً ما، فالذي يُحافظ على نظافة مرحاض بيته هو نفسه الذي “يوسخ” المرحاض العام، ويُحافظ على سيراميك منزله هو نفسه الذي يُخرِّب الشارع ويكسر الانترلوك واعمدة الكهرباء ولمبات الإضاءة!!!

وكذلك الأب الذي يُريد من ابنه المحافظة على النظام في البيت، نفسه الذي يرفض أن يقف في الطابور بانتظار دوره.. والأم التي ترفض أن تتأخّر ابنتها على محاضرة واحدة، هي نفسها التي تغيب عن العمل وتهرب من الدوام!!!

إذن الحكومة ليست الوطن شئنا أم أبينا.. مشاكلنا مع الحكومة لا يحلها تخريب الوطن.

إن الشعب الذي ينتقم من وطنه لأن حكومته سيئة، لا يستحق حكومة أفضل، رُقِّينا لا يُقاس بنظافة حديقة بيتنا، وإنّما بنظافة الحديقة العامة بعد جلوسنا فيها.

لو تأمّلنا حالنا لوجدنا أننا أعداء أنفسنا ولا أحدٌ يسيئ لأوطاننا بقدر ما نفعل نحن!!!

وصدق القائل:

الإنسان لا يحتاج إلى شوارع نظيفة ليكون مُحترماً، ولكن الشوارع تحتاج إلى أناس مُحترمين لتكون نظيفة.

إذن، أيُّها الإخوة والأبناء المتظاهرون، كرهكم للحكومة لا يجعلكم تخربون وطنكم، لأن ّالحكومة ذاهبةٌ والوطن باقٍ.

حافظوا على أوطانكم لأنّها هي الباقية لكم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى