أزمة الدولة السُّودانية.. جدلية خُروج العسكريين من السياسة

 

الخرطوم- الطيب محمد خير          17يناير2022م 

قال المتحدث الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، وجدي صالح، إنه في حال قبول قوى الحرية والتغيير للمبادرة الأممية فلن نتفاوض على شراكة جديدة مع المكون العسكري، وأن يبعد عن العملية السياسية في البلاد، ويضطلع بمهامه في حفظ الأمن، وأشار الى أن الشراكة بين المدنيين والعسكريين في الفترة الماضية أملتها ظروف معينة.

ويأتي حديث وجدي الذي أورده موقع (العربية. نت)، في وقت ينتظر فيه أن تؤسس المبادرة الاممية لمصالحة وطنية تنهي معادلات الصراع ما بين المكونين المدني والعسكري الذي عقّد المرحلة الانتقالية بالجدل المحتدم حول وجود العسكريين في عملية الانتقال السياسي الحالية، بسيناريوهين مُتناقضين، جعل السلطة التنفيذية السابقة التي نَشأت بمُوجب الوثيقة الدستورية المُوقّعة بين العسكريين والمدنيين، تشهد تباينات في وجهات النظر في قضايا مفصلية، في مقدمتها الإجابة على تساؤلات تُشكِّل المحور الرئيسي للصراع الدائر الآن بين العسكريين والمدنيين وهو ما حدود علاقة الجيش بالسلطة المدنية وعلاقته بالسياسة؟ ما مهام الجيش في الدولة؟

ويرى الذين ينادون بإبعاد الجيش عن السياسة عبر الهيكلة التي ينادون بها للمنظومة العسكرية، والتي تهدف لإصلاح علاقة الجيش بمنظومة الحكم والسياسة، من خلال إبعاد وإضعاف مراكز النفوذ السياسية في الجيش، وتحويله إلى مؤسسة احترافية مُحايدة تخدم مصالح الدولة العليا فقط، ولا تنحاز لمصلحة أيِّ طرف سياسي أو اجتماعي، وذلك من خلال تجريده من الولاءات الفرعية، وهذا ما قصده وجدي الذي كان أحد الفاعلين الأساسيين في وضع الوثيقة الدستورية التي أسّست للشراكة التي يرفضها في حديثه لموقع (العربية. نت) بعدم العودة لما قبل 25 أكتوبر الماضي، بينما يرى المتمسكون بالطريقة التقليدية القائمة على تجارب الانتقال السياسي السابق في السودان، أن  الجيش ظل يلعب دور الضامن الوحيد للاستقرار والحفاظ على وحدة البلاد وحماية مصالحها العليا، في ظل حالة الانقسام والاستقطاب السياسي والاجتماعي الحاد بين بعض الأطراف.

ويرى مراقبون أن إصرار العسكريين على البقاء في المشهد السياسي وإدارة الفترة الانتقالية نابعٌ من القناعة الراسخة في ذهنية العسكريين على مَرّ الأجيال التي تَعاقبت منذ الاستقلال، إن البلاد تحت سيطرة حكومة الكيان المدني تكون عرضة للاضطرابات الاقتصادية وسُوء الإدارة، والمُراهقة السياسية نتيجة القصور الذي يشوب الأحزاب السياسية، والمؤسسات المدنية بسبب افتقارها للخبرة والحنكة والانضباط الذي تتمتّع به المؤسسة العسكرية، وبالتالي أصبحت مُطالبة الجيش بالسلطة وأحقيته في الحكم نابعٌ من اقتناع المؤسسة العسكرية من واقع التجارب السابقة التي أدخلت السودان فيما عُرف بالدائرة الخبيثة، بأن أية حكومة مدنية لن تكون جديرة بالثقة وغير مُؤهّلة لخوض غمار السياسة وسَتُعرِّض البلاد إلى اضطرابات اقتصادية نتيجة سُوء الإدارة، والمُراهقة السياسية، وبالتالي اتخذ العسكريون هذا ذريعة، فنصبوا أنفسهم حماةً للحمى، ورعاية مقدرات الوطن وحقوق المواطن بالحنكة والانضباط الذي تتمتّع به المؤسسة العسكرية.

ولتفصيل أكثر، قال المحلل السياسي والقانوني محمد عبد الله ود ابوك لـ(الصيحة)، إن الجيش في الدولة المدنية الديمقراطية مؤسسة سيادية كغيرها من المؤسسات السيادية المتعددة، التي نص عليها الدستور، كالبرلمان والقضاء ورئاسة الدولة.

وأشار ود أبوك إلى أن الجيش يمثل عنصراً من عناصر القوة السيادية التي تتكون منها أركان الدولة السيادية الثلاثة وأبرز المهام المقررة له ممارستها دستورياً، هي حفظ كيان الوطن وسيادة الدولة من الأخطار، وأضاف: بالتالي أقول باستحالة خروج المكون العسكري من المشهد السياسي في هذه المرحلة الصعبة التي تشكل نقطة تحوُّل وانتقال مفصلية للبلاد، وقال: المكون العسكري يمثل المؤسسة التي تتمتّع بالاستقلال والحياد التام تجاه النظام السياسي القائم (السُّلطة الحاكمة) ما يجعله الطرف الأكثر تأهيلاً ليكون ضامناً للانتقال نحو التحول الديمقراطي.

وحذّر ود أبوك من انسحاب المكون العسكري من المشهد السياسي وادارة الفترة الانتقالية الذي تروِّج له بعض القوى السياسية مع شركائها الغربيين في ثوب إصلاح القطاع الأمني، وقال إن انسحابها سيزيد الأمور تعقيداً، وتساءل قائلاً: من الذي سيكون البديل المفوض للحكم؟ بالتأكيد لن تكون الأحزاب السياسية التي بالضرورة  يتطلب وجودها في السلطة تفويضا انتخابيا وليس عبر محاصصة واقصاء وهيمنة كما حدث في المرحلة السابقة، واضاف : بالتالي من الافضل ان تبعد القوى السياسية في هذه المرحلة التي ليس من حقها أن تقترب فيها من السلطة، وتترك ادارة الجهاز التنفيذي برمته ليُدار عبر تكنوقراط وكفاءات مستقلة، وان تكون مهمة المكون العسكري إشرافية، وأن تتجه الأحزاب السياسية لتحضير نفسها لخوض الاستحقاق الانتخابي.

وقال نائب رئيس حزب الامة القومي الفريق صديق اسماعيل لـ(الصيحة) ان المبدأ الاساسي ان تنصرف القوات المسلحة للقيام بمهامها وواجباتها المهنية المنصوص عليها في الدستور والتي تنظم ممارستها لها القوانين التي تحكم بناء هذه المؤسسات.

واشار الفريق صديق الى ان كافة الدساتير في العالم تنص على ان الجيوش معنية بحماية الدستور وسيادة الشعب ووحدة البلاد ومواجهة الاعتداء الخارجي بكل انواع التضحيات اللازمة، وعلق قائلاً: وهنا تبرز مفردة (ان دعا ذلك للمجازفة بحياتي) في قسم الولاء الذي يؤديه العسكريون.

وأضاف الفريق صديق أن التطور السياسي في الحكم عامة وفي السودان بصفة خاصة، يجعل الشراكة بين المكون العسكري والمجتمع المدني ضرورة أمنية واجبة الخضوع لأحكام الدستور والوثائق التي تقوم مقامه، وبالتالي يصبح وجود المؤسسة العسكرية في ادارة الشأن الوطني ضرورة في ظل الوضع الأمني والسياسي الماثل الآن بسبب المتغيرات الجيوسياسة التي اعقبت ثورة ديسمبر ونظمتها الوثيقة الدستورية الموقعة بين المكونين العسكري والمدني واسّست للشراكة بينهما التي يفترض ان تنتهي بقيام الانتخابات نهاية الفترة الانتقالية، ليقول: لكن تعثرت خطى الشراكة بسبب تقاطع الاجندات والافكار في ادارة البلاد، وانتهى الامر بانقلاب (25) اكتوبر، لكن اتفاق 21 نوفمبر رتّب لعودة الشراكة، لكن عدم الثقة ادى لانهيارها كلياً باستقالة حمدوك.

واكد الفريق صديق ان هناك كثيرا من الموجهات والمطلوبات الوطنية، في مقدمتها مُمسكات الوحدة وتعزيز الامن القومي، فخروج المكون العسكري من المشهد في ظل الوضع الماثل الآن امرٌ يهدد الاستقرار ويقلل من ضمانات الأمن القومي السوداني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى