مشروع الجزيرة.. كيف دمّرت الإنقاذ (شيخ المشاريع) (1)

تحقيق: أم بلة النور

أظهر تقرير صادم صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء خلال شهر فبراير الماضي، ولاية الجزيرة في المرتبة الثالثة من حيث الإنتاج الزراعي، رغم أن مشروع الجزيرة الذي به حوالي مليون فدان صالحة للزراعة،  والذي انتهي خلال السنوات العشر الأخيرة نتيجة للسياسات الخاطئة التي ظلت تمارسها حكومة الإنقاذ، إلى جانب زراعة السياسة التي ظل ينشدها المسؤولون طيلة السنوات الماضية.

 وبعد أن كانت الأنظار تتجه نحو السودان والتي تعتبره سلة غذاء العالم ليصبح بلداً يعتمد على الهبات والمعونات.

أصول:

كانت أصول مشروع الجزيرة، والتي تمتلكها الدولة ممثلةً في وزارة المالية، وتتمثل في الأراضي التي تملكها الحكومة، والتي تبلغ مساحتها حوالي 1,3 مليون فدان هناك حوالي 900 ألف فدان المتبقية، هي أراضي ملك حر، مراكز الخدمات، أو مراكز التكلفة، والتي تشمل 14محلجاً، 7 منها في مارنجان، 6 في الحصاحيصا، ومحلج واحد في الباقير بجانب الورش الهندسية وعددها 18 بالإضافة إلى سكك حديد الجزيرة، وتغطي حوالي 1300 كيلو متر إضافة لشبكة الاتصالات أسطول من السيارات والآليات (تراكتورات وحاصدات بجانب  حوالي 444 مخزناً سعتها التخزينية تُقدر بحوالي 2,5 مليون طن إضافة لمبانٍ سكنية (حوالي 6155 منزلاً متوسط الحجم، و76 سرايا، وعمارتين ببورتسودان وحوالي 200 مكتب و78 مرافق عامة، مدارس ومراكز صحية وخدمة حوالي 53 مصفاة لتنقية المياه وشبكة للطرق،  بجانب هيئة البحوث الزراعية، والتي كانت فيما سبق تعرف بـ “محطة أبحاث الزراعة” ، بالإضافة إلى  شبكة الرّي.

تراجع

رئيس رابطة مزارعي مكتب الصحوة القسم الشمالي ترعة (أم فطير) بمشروع الجزيرة عبد العزيز إدريس كشف في حديثه للصيحة عن انتهاء كافة تلك الخدمات والبنى التحتية بالمشروع، وقال عن تدهور مشروع الجزيرة إنه بدأ  منذ أن تم إصدار قرار 2005م والذي  قلب الأمور رأساً على عقب، وتم إلغاء المفتشين والخفراء وتدهور الإنتاج بسبب ذلك القرار، ووصل إلى مرحلة الصفر بحسب حديثه، مشيراً أن محصوله من القطن لهذا العام لا يتجاوز الخمسة (قفف)، وليست هناك إمكانية  لزراعة أي محصول آخر مثل الفول والذرة والعدسية،  وأرجع ذلك أيضاً إلى انعدام المياه،  مشيراً الى انتشار أشجار المسكيت التي كانت ولا تزال تهدد المشروع موضحاً أن تلك المشكلة لا زالت عالقة منذ خمس سنوات،  موضحاً أنهم قاموا بتبليغ الإدارة إلا أنها ظلت لا تستجيب لتلك الشكاوى،  وقال إنهم قاموا بشراء الوقود من مالهم الخاص للآليات التي يفترض أن تعمل على إزالة المسكيت الذي يحتل كافة المساحات الزراعية، وهو مكلف جداً في عملية إزالته، وقد تصل التكلفة إلى 500 ألف جنيه “للحواشه” الواحدة، بالإضافة إلى أنه يصبح ملاذاً للطيور،  إلا أنها لم تقم بدورها، وتم إرسالها إلى منطقة أخري، مشيراً إلي انعدام المياه في كافة الدورات الزراعية،  مع عدم وجود أي جهة تتحمل هذه الخسائر طيلة السنوات الماضية، وكانت هناك شكاوى من جميع المكاتب لكافة المسؤولين بالمشروع دون استجابة.

سوء إدارة

وقال إدريس: الآن لا توجد إدارة لمشروع الجزيرة،  حيث أصبحت المكاتب خاوية على عروشها من الموظفين سواء كانوا مفتشين أو مخزنجية أو موظفي الخزنة والخفراء مما تسبب في فقدان العديد من المعدات الخاصة بالمزارعين.

  واعتبر إدريس أن الإنقاذ تسببت في تدمير المشروع حيث كان المزارع يحصد أكثر من 70 جوالاً، والآن لا يحصد (كيلة) بحسب حديثه، ويرى أن الاتحاد العام للمزارعين يعمل لمصلحته فقط، لأنه لا ينصفهم، ولا ينظر لقضاياهم.

  مضيفاً أن قضايا المشروع تختلف من مكتب إلى آخر ويرى أن هناك قصدا لمكتب الصحوة. وأضاف عبد العزيز الذي قام بمقابلة محافظ مشروع الجزيرة المهندس سمساعة، والذي وجه بتطهير الترع وإزالة المسكيت،  إلا أن الوضع ظل كما هو الآن،  والموسم الزراعي على الأبواب .

سوء إدارة

فيما اتفق معه المزارع الحاج ود أحيمر، في الحديث، وقال إن مشكلة مشروع الجزيرة سوء إدارة خاصة إدارة الري، والتي أصبحت مشكلة متواصلة بصورة سنوية. مضيفاً أنه يعمل مزارعاً من  قبل عهد الإنقاذ ولم يواجههم أي نوع من المشاكل والتي بدأت منذ العام 2005م. وأوضح أن الشريف ود بدر السبب الأساسي في  تدهور المشروع،  مضيفاً أن المشروع يحتاج إلى آليات.

وقال المزارع عبد الله بابكر إن تجاهل إدارة الري لعمليات النظافة وتطهير الترع من الطمي وأشجار المسكيت  أدى إلى توقف النشاط الزراعي والرعوي الأمر الذي يتطلب تصحيحاً من قبل إدارة المشروع لإرجاع الحياة الزراعية لسكان الجزيرة.

تعدٍّ:

واتفق معهم في الحديث، رئيس جمعية ترعة “دبيسة” بمكتب الفراجين،  محمد حمزة على أن قانون 2005م انعكس بصورة سالبة على مشروع الجزيرة، وقال للصيحة إن مشكلة الري من أكثر التحديات التي واجهت المزارعين خلال السنوات الماضية، مضيفاً ان هناك عدم اهتمام من قبل الإدارة لأراضي المشروع، وهناك تعدٍّ عليها وتحويلها إلى أرض سكنية،  وأضاف محمد أنهم اتجهوا إلى محافظ المشروع والذي وعدهم بعمل نيابة خاصة، ولم تُنشأ حتى الآن رغم مرور أكثر من عشر سنوات على التعدي

مسمار نعش

فيما يرى الخبير الزراعي، ومدير الإدارة الفنية لتكثير التقاوي بمشروع الجزيرة لأكثر من 20 عاماً أنس سر الختم،  أن  مشكلة مشروع الجزير إدارية ـ فنية بحتة وبدأت المؤامرة ضده  منذ العام  1993م بتقليل نسب مجلس الإدارة إلى 50% من المزارعين مخالفين بذلك المثلث الذي يقوم به المشروع وهو الإدارة والري والمزارعين،  إلى أن جاءت حكومة الإنقاذ بسياسة التحرير التي أخرجت البلاد من الزراعة والإنتاج،  وأضاف سر الختم أن قانون العام 2005م لمشروع الجزيرة، كان بمثابة  مسمار نعش للمشروع، حيث انتهي من مجلس الإدارة، بالإضافة إلى الحرية التي أتيحت للمزارع في أن يزرع ما يشاء وقت ما يشاء، الأمر الذي ضربت به العروة الدورة الرباعية والتي كانت المنظمة لعملية الري بالمشروع، حيث تعمل الإدارة على ري 50% من المساحة المزروعة، ونفى أن تكون مشكلة مشروع الجزيرة في الري، كاشفاً عن أن المياه تذهب إلى النيل الأبيض من خلال الترع والمصارف الغربية، أرجع ذلك إلى عدم وجود عملية تنظيم ما بين المزارع والإدارة بسبب ذلك القانون، الذي أضاع اسم المشروع وعدد من المشاريع القومية الأخري للمصالح الخاصة،  كاشفاً عن عدم مناقشة القانون بالمجلس الوطني، وتمت إجازته مباشرة،  ويطلق عليه قانون على (كيفك)، ثم بدأت محاربة زراعة القطن بالمشروع بتقليل المساحات وتدمير البنى التحيتية التي يعتمد عليها القطن من السكك الحديد والمحالج، بالإضافة إلى تفكيك الورش بالحصاحيصا ومارنجان، والتي كانت تتم فيها عمليات الصيانة، وتوفير الإسبيرات للمحالج، مضيفاً أن الحلقة الأخيرة في تدمير المشروع دخول زراعة القطن المحور وراثياً والذي كان وراءه وزير الزراعة آنذاك عبد الحليم المتعافين والذي كان مصراً عليه رغم المحاذير التي قدمها الخبراء الزراعيون، مبيناً أن وزارة الزراعة ظلت محل ترضيات لذلك انتكست الزراعة في السودان.

 وأخيراً وفي العام 2008م وكان في عهد الشريف ود بدر والذي سرح العمال والموظفين والبالغ عددهم أكثر من (3) آلاف موظف ليعلن انتهاء المشروع .

وكشف أن المساحة المزروعة الآن بالمشروع لا تتجاوز 65 ألف فدان وليست هناك إمكانيات لزراعتها نسبة إلى اتجاه الدولة إلى زراعة السياسة وليس سياسة الزراعة.

محاصيل بديلة

وشدد أنس سر الختم على ضرورة إلغاء قانون 2005م والرجوع إلى قانون 1984م، والذي يضم كافة الهياكل التنظيمية للمشروع وإرجاعه لشكله الثلاثي السابق.

 ويرى الختم أن العودة إلى زراعة القطن مستحيلة نسبة لانتهاء البنى التحتية بالمشروع،  وأشار إلي إمكانية رجوع المشروع بالعديد من المحاصيل الاستراتيجية والاستفادة من مساحة القطن والمقدرة بـ 450 ألف فدان في زيادة مساحات الفول السوداني وزهرة الشمس بالإضافة إلى زراعة الأرز والذي يعتبر محصولاً ناحجاً بالمشروع،  ويمكن أن يتم الاستغناء عن القمح خلال ثلاث سنوات فقط.

نيابة خاصة

فيما طالب تحالف مزارعي الجزيرة بإلغاء قانون 2005م والمعدل في العام 2019م، والذي حول ضمان التمويل للمزارعين من المحصول إلى ضمان الأراضي، والعمل بقانون 1984م، لحين وضع قانون يلبي طموحات المزارعين والعاملين بمشروع الجزيرة، كما أعلن مقرر سكرتارية التحالف عبد الرؤوف محمد أحمد عبر بيان صحفي عن تسليمهم مذكرة إلى والي الولاية المكلف مطالبين بتكوين نيابة تتولى ملفات الفساد والتي تشتمل على الأصول وملف البنيات التحتية، وملف فصل وتشريد العاملين، والتصرف في أصول المشروع والسكة حديد والهندسية والمدنية، والمنازل والآليات، فضلاً عن ملف المؤسسات التعاونية للمزارعين ومصنع قوز كبرو، ونسيج الملكية إلى جانب دكاكين وصيدليات وأسهم في البنوك والشركات .

نظام متهالك

فيما أقر مدير إدارة الري بمشروع الجزيرة من تهالك نظام الري بالمشروع وانتهاء عمره  الافتراضي، وقال لـ(الصيحة) إنه يحتاج إلى تأهيل، وهناك خطط وبرامج للصيانة تقدر بمبلغ (500) مليون جنيه، تم تلسيمها إلى إدارة الاقتصاد بالمشروع، مضيفاً إدارته لم تكن السبب الأساسي في تدهور المشروع، وإنما نظام (الغيط) المتبع من قبل المزارعين الذين لا يلتزمون بالعروات المحددة كاشفاً عن حاجة المشروع إلى ضبط ذلك النظام الذي يحتاج إلى مفتشين،  الذين ينعدمون بالمشروع في حالته الراهنة، كما نبه إلى عدم وجود المراقبة الليلية مما أدى الى وجود سرقات في الآليات والحديد لعدم وجود غرف خاصة بالمراقبين داخل القناطر،  وأضاف أن نظام الشراكات أبرز التحديات التي تواجه المشروع نسبة لعزوف المزارعين عن الزراعة بصفة شخصية، وإدخال وسطاء في العملية الزراعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى