صلاح  الدين عووضة يكتب : تروللي!!

16يناير2022م 

هكذا سميته..

فلم أجد شبيهاً له – وأنا في العمر ذاك – سوى تروللي الدريسة اليدوي..

وهو المخصص لصيانة خطوط سكة الحديد..

وكان هو أكثر من رفيق طفولة بما جمع بيننا من صلة رحم… ولا أزيد..

وذات ليلة رأيت فيما يرى النائم شيئاً غريباً..

كان شيئاً أشبه بكابوس (شارع إيلم)… فقد كنا نلهو كعادتنا فوق الرمل..

والرملُ هذا خلف آخر منزلٍ في (المربوع)..

وليس بعده سوى محطة (شل) للوقود… تقف وحيدةً هناك في العراء..

وأقبل نحونا – على حين فجأة – تروللي..

وكان بشعاً جداً… ولكنه يشابه تروللي الدريسة… ويقوده رجلٌ أشد بشاعةً..

وبسرعة البرق خطف رفيقي هذا..

انتزعه من جانبي… وألقى به وراءه داخل التروللي… ثم انطلق بعيداً..

وفي لمح البصر اختفى التروللي عن ناظري..

اختفى في الخلاء الكائن وراء محطة الوقود تلك… ثم لفه ضبابٌ مُخيفٌ..

وحاولت أن أصرخ… فلم يسعفني صوتي..

وظل ذلكم الكابوس يُؤرق مضجعي سنين عددا… إلى أن بلغت مبلغ الرجال..

ثم تناسيته – ولا أقول نسيته – رويداً… رويدا..

ولم أدرك معناه – ومغزاه – إلا مؤخراً جداً… بعد أن ظننته محض حلم..

وذلك بعد أن تقطعت كل صلةٍ لي بذاك الرفيق..

وقبلها كنت اجتهدت – عبثاً – في عقد كل ما انقطع من حبل الوصل هذا..

بل وذكَّرته – مرة تلو الأخرى – بذاك المنام..

وما أكثر أشباهٌ للترولي المخيف هذا في حياتي خطفت مني ما – ومن – أحبه..

وإن كان الفرق أنه خطفٌ لم يسبقه كابوس..

فترولي البشير – مثلاً – خطف مني حريةً أحببتها منذ أيام الطفولة تلك..

وذكرت كيف أنني كرهت (مايو) حين نما وعيي..

وعيي السياسي وأنا لما أزل صغيراً بعد… وأشرت إلى ذلك في كلمةٍ لي..

وكانت بعنوان (سياحة)..

وذلك حين هربت من مسيرة مدرستنا لاستقبال نميري بمحطة القطار..

أما آخر تروللي خطف مني حبيباً ففي زماننا هذا..

تروللي يقوده من لا يقلون بشاعة عن قائد تروللي كابوس طفولتي ذاك..

والبشاعة ليس بالضرورة أن تكون في المظهر..

وإنما تكمن – هنا – في الفعل… بعد أن خطف مني خاطفو الثورة ما أحب..

وما أحب هو الحرية… والتحول الديمقراطي..

ولكن من لطف الأقدار بنا – وبي – أن الترولي تصدى له من أعاده ثانيةً..

أعاده بسائقيه… وما نهبوه..

تصدى له من وراء محطة وقود ليس بعدها سوى خلاءٌ… فضياع..

ولم يضع في ذاك الخلاء كتروللي كابوسي..

ومن الناس من يظنون – مخطئين – أن تلكم الإعادة للتروللي هي ردة..

وما دروا أن الردة إنما في الذي فعله سائقوه..

فقد كنا موعودين بشمولية كتلك التي يطبقها سارق ثورة تونس الآن..

يطبقها قيس السعيد بحجة الحرص على الديمقراطية..

وما درى – أو لعله يدري – أن الديمقراطية تصحح أخطاءها بنفسها..

وليس بالانقلاب عليها..

وعقب ثورة أبريل أوفى عبود بوعده… وسلم السلطة للشعب… فكانت الانتخابات..

وفعل الشيء ذاته سوار الذهب من بعده..

ففور انقضاء الفترة الانتقالية جرى الاحتكام إلى صناديق التصويت..

والآن سيفي بوعده البرهان..

ومن يتشككون في الوعد هذا هم الذين يرتجفون رعباً من كلمة انتخابات..

وعسى أن يكون هذا آخر كابوسٍ في حياتي..

وآخر تروللي!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى