آمال عباس تكتب:وقفات مهمة صرير الأقلام.. ودوي المدافع (1)

 

13يناير2022م 

تتجه أنظارنا ومشاعرنا وآمالنا وتطلعاتنا هذه الأيام الى ذلك الذي في اصرار وبسالة يحاول أن يمحو عن جبين الانسان العربي, لطخة الهزيمة والذي تجمع ذلك ذلك مهما كانت النتائج بعد ذلك.. الى الجندي المصري والسوري والسوداني والعراقي والسعودي والجزائري والمغربي في أرض المعركة.. هناك في أرض سيناء.. ومرتفعات الجولان وفوق هذا الى الفدائي داخل اسرائيل, اليه وهو يعيد الى التضحية معناها الأصيل.. ويمثل أروع رمز للمقاومة والصمود العربي.. اليهم جميعاً تحياتنا وانحناءاتنا المقدسة لدورهم العظيم..

وفي هذه الأيام تنطلق مدافعنا ويصم الآذان أزيز طائراتنا ولكني في هذه الوقفة أردت أن أقول أن الذي نعايشه الآن عزة وكرامة, كان جهداً مضنياً.. وعلى جميع جبهات الحياة.. وجهداً بدأ بالثورات السياسية والفهم العميق لمعنى وجود كيان صهيوني في قلب العالم العربي.. أعطاه جمال عبدالناصر عمقه الثوري يوم أن بدأ في إعادة صياغة الجندي المصري من جديد عقب حرب 1967م.. وأصله الرئيس المصري السادات يوم أن أصر على التحرير والحرب واقامة السلام العادل في المنطقة..

عموماً كان جهد الانسان العربي الثائر يوم أن تفجرت ثورة الخامس والعشرين من مايو 1969م في السودان ويوم أن فجر الشعب الليبي ثورته في مطلع سبتمبر من نفس العام.. ويوم أن نشطت الحركة الدبلوماسية ويوم أن مال الميزان كلياً الى صالح القضية العربية في افريقيا..

وبعد موضوع وقفتنا هذه وهو الظاهرة الشامخة والكبيرة في دور المثقفين العرب في استنهاض الجبهة الفكرية والوجدان الوطني لدى الأمة العربية.. أصبح لدينا اتجاهاً جديداً في كل ميادين الابداع الفني.. وحديثي في هذا المقام ياتي انطلاقاً من جملة قالها نابليون وأخذت مكانها في أعماقي ايماناً بها وادراكاً لمعناها.. والجملة هي انني اخاف صرير الأقلام أكثر من دوي المدافع..!

وقد كان صرير أقلام خلق الأرضية الفكرية الثابتة والنفوس العامرة بالأمل والاصرار على النصر.. وقد لامس الفكر أطنان من الورق في هذه القضية بالذات قضية العرب ضد الصهيونية والاستعمار.. وعموم قوى الشر والعدوان.. عام 1965م قال توفيق زياد شاعر المقاومة:

أهون ألف مرة

أن تدخلوا الفيل بثقب إبرة

وأن تصيدوا السمك المشوي في الجرة

أهون ألف مرة

أن تطفئوا الشمس وأن تحبسوا الرياح

وأن تشربوا البحر وأن تنطقوا التمساح

أهون ألف مرة

من أن تميتوا باضطهادكم

وميض فكرة

وتجرفونا عن طريقنا الذي اخترناه

قيد شعرة

أردت أن تكون هذه بداية لوقفة قد تطول على المجهود الفني الذي خاطب الجوانب الخلاقة في الانسان الشاعر.. عن طريق القصة والرواية والمسرحية والقصيدة والتحليل والدراسة..

  • وجهة نظر

عيونكم يا اخوتي

ماذا أقول.. غير أن قلي يحصده الحزن, الوجع قاتل فالحزن كبير, استمراء الوجع يقتل في المرء الرغبة, في أن تكون الآها.. الرغبة شيئاً مهماً ونافعاً.. الوجع الخلاق في تصوري, الابداع الذي يمكن الفرد من خلق ابعاد جديدة.. أن تضيف بعداً رابعاً على البعد الثالث التقليدي.. يعني أن يكون للمثلث أكثر من ثلاث أضلاع, إحداث زلزال في قاعدة هندسية يغير كل الأشكال السابقة ويجعل الزاوية الحادة أقل حدة..

الوقت الظهيرة.. الزمن منسي.. العرق غزير غزير.. معاناة حادة على جدار الزمن لميلاد لحظة جديدة.. سيجارة تنفس الدخان وأصابع مرتعشة تحتضن اللفافة في شبق.. لو كنت هنا ماذا يمكن أن تقول.. أقسم انها ستضحك ضحكتها الطفولية ستشهد على يدي حتى لا تسقط من شدة الضحك.. أقسم انها ستعيد خلق الأشياء من جديد فسيكون هذا المكان الأجرد الكئيب أحلى بقعة في تاريخ البقاع..

-متى تعود؟

-عند انبثاق فجر لا نهاية لشروقه.

-أنت تعلم انك تؤلمني بهذا الرحيل.

-اخاف أن أصبح نصباً تذكارياً في هذه المدينة.

-الهجرة تعني أن نصادق الحيتان الكبيرتان ونركب البحر.. أن تكون مع الشمس.. أن تكون مع الشمس في مطلع كل شروق.. أن نمارس العشق مع فتيات الموانيء وننام على أرصفة الطرقات ونذكر الله في احلامنا.. السفر عندي معناه أن نعيش في تجارب الآخرين الحضارية.. أن نرى جهد الانسان خلال مسيرة الكرة الأرضية.. معناه أن نلتقي بشعوب الأرض في مقهى مزدحم.. ان نعانق كل الأشياء.. والأشخاص والأفكار.. معناه أن نعيش لحظة صدق خارج حدود الزمان والمكان.. أن نقف وسط ملهى ليلي بسوهو نصرخ في الآخرين على طريقة مصطفى سعيد.. جئتكم غازياً..

-وماذا عني أنا..؟!

-يا حلوتي سأحمل عينيك وأرحل بهما بعيداً عن عيون الآخرين.. ولكنني سأبقى هنا وحيدة..

-أنت لن تبقين هنا سأحملك في داخلي واطوف بك كل القارات.. سأرى بعينيك الزرقاويين كل الأشياء الوردية سأحن الى لمساتك وهمسك الحلو.. يا صغيرتي كل السفن تحن الى مرافئها.. والأمل في كوب ماء بارد لا ينقطع ولكنه يتبدد دائماً كابتسامة حلوة في لحظة حلم صباحية.. الماء سائل لا لون له, لا رائحة ولا طعم رغم ذلك نموت شوقاً اليه في لحظة صيف خاصمت فيها الأرض السماء..

-ستلومني لأنني لم أكتب لها, لن تتركني أفرقع أصابع يديها عندما أعود, اخرجت ورقة لأكتب عليها.. فجأة أحسست أن كل من بالباخرة التي تعانق الموج في وجوم يتآمر ضدي.. ضحكت في استياء ولكنني لم استطع أن أطرد هذا الشعور.. الضحكة  تشبه النحيب.. الأجساد ممدة على الآسرة داخل العنبر الطويل كخزانة كبيرة لجثث قتلى في حرب لا معنى لها.. الجميع مهزومين ومقهورين..

-أريد أن أعود..

-ولكنك لم ترحل عنا..

-الحنين لمرافيء عيونكم أحلى من كل الموانيء..

-مما أنت خائف يا عزيزي؟

-أخاف أن أفقد دفء أحضانكم.. لن أبيع ذرة من تراب وطني بكل ذهب العالم..!

-أتبحث عن مجد بطولي؟

-ياصغيرتي.. من جرب الكي لا ينسى مواجعه.

-ومن رأى السم لا يشقي كمن شربه..

العودة تعني تقوية الارتباط بالأرض والإلتصاق بها عن اقتناع.. تعني الاغتسال بدموع المحزونين.. ان تهرب من واقع محزن نرفضه ونعجز عن اضافة لمسة اليه هو جبن كبير..

أنا أعلم انها هي – المرأة – من أهم عوامل الربط في علاقة الانسان بالأرض.

(بابكر احمد عيسى)

مربع شعر:

قال الحاردلو مخاطباً شبل أسد وجده في السوق:

جابوك للسوق ساكت دردار وضيعة

وأمك في الحريم ماها المرة السميعة

نترة ناس أبوك للرجال لويعة

وأت أكان كبر جينا تقلب البيعة

مقطع شعر:

من ديوان الشاعر محمود حسن اسماعيل (صلاة ورفض) ومن قصيدته سأشدوا اليكم هذا المقطع:

سأشدوا

وشدوي أعاصير رفض ونار تدور

على كل صوت يجرحني يسلي فراغ الصدور

ويسرق من غضبة الثأر بركان حقد يفور

ويعرق كالآثم.. يحجب عن آذان المصير

يغري يدي عن رحيق الفداء

وشوق الدماء وعصف البنادق

وشريانها يسترد الكرامة من كل باغ

ومن كل سارق

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى