مازالت تنشط ببعض مناطق السُّودان .. البطان.. ظاهرة مُوغلة في الألم!!

(1)

ثمة عادات سودانية ظلّت راسخة على مَدَى الأعوام، منها ما هو في مُنتهى الإيجابية، ومنها ما يُوصف بمُنتهى السلبية.. ولكن تظل عادة (البطان) التي مازالت تنشط في بعض مناطق السودان مثار شد وجذب وتباينت حولها الآراء ولكن هنالك شبه اتفاق على أنها عادة ضارة ومؤذية، حيث يصفها الصحفي السوداني جمال عبد القادر البدوي: (موروث الجلد بالسوط “الكرباج”)، في المجتمعات المحلية لقبيلة الجعليين طريقة لاستعراض الرجولة والصبر وقُوة التحمُّل والشجاعة من الفقرات الرئيسية التي لا تكتمل من دُونها حفلات الزفاف ومُناسبات أخرى مُختلفة تجمع الأهل والأصدقاء وبعض الضيوف، لكنّه انتشر في مُدن السودان كلها من خلال انتشار قبيلة الجعليين وتحرُّكها في أنحاء السودان بحكم عملها في التجارة ومن خلال مناسباتها الاجتماعية وحفلات الزواج خُصُوصاً.

(2)

الواقع الراهن والتطور الكبير في كل مناحي الحياة من حيث المفاهيم والتكنولوجيا ربما كان لها تأثيرٌ بالغٌ في طرد بعض العادات الضارة التي تُوصف بأنها ضارة.. حيث أثّر التطوُّر العلمي بشكل كبير في الارتقاء ببعض المفاهيم .. ومنها مفهوم (البطان) ذات نفسه، حيث تفاوتت نسب ترك العادة من مكان لآخر .. وتابع الباحث والصحفي جمال البدوي (على الرغم من اعتقاد البعض أن موروث “البطان” كظاهرة مُوغلة في القدم سيندثر مع الأيام، إلا أنه ظل صامداً حتى اليوم وانتقل إلى المدن بما فيها العاصمة الخرطوم بعد ان كان منحصراً في المجتمعات الريفية المحلية، بل اقتحم أسوار الجامعات ليأخذ وضعه ضمن فقرات حفلات التخرُّج مُتعايشاً مع ثقافة هذا الجيل الجديد متحدياً كل مظاهر الحداثة.

(3)

قال عضو المحكمة الأهلية وأحد أعيان قبيلة الجعليين في مدينة المتمة بولاية نهر النيل، الشيخ مختار سالم، “يمثل البطان حضارة وتراث أهل هذه المنطقة المعروفة تاريخياً ببسالة رجالها وشجاعتهم، الذين تسببوا في مقتل غردون باشا حاكم عام السودان في العهد الاستعماري”.. ويضيف “البطان أو الجلد يعني عندنا الصبر والرجولة، أما لماذا اختير السوط وسيلة لذلك، لأنه أكثر إيلاماً وأماناً في الوقت نفسه وليس مثل العصا مثلاً، التي قد تتسبب بالموت أو الأذى الجسيم، أما بالنسبة لمواصفات سوط البطان فهو من نوع (الكرباج) مصنوع من الجلد المشرَّب بالقطران ما يكسبه المرونة الفائقة واللسعة المؤلمة وله طول محدد يجب أن لا يتجاوزه، حتى لا يتشقق أثناء الجلد.

(4)

في زاويته المختلفة (للبطان) يسترسل الصحفي جمال البدوي “كان الجلد في الزمن الماضي أشد قسوةً وإيلاماً، ولم يكن مقصوراً على الكتف والظهر كما هي عليه الحال هذه الأيام، وكانت هناك أنواع عدة منه، كالجلد التشريفي بغرض مجاملة العريس في الأفراح، والجلد التخويفي المتبادل بين اثنين حتى ينهار أحدهما ويستسلم، وهناك جلد (السداد)، وهو بين من له دَيْنٌ بالجلد على آخر، وثم جلد التنافس وهو من أجل السعي إلى التميز وكسب الإعجاب، وهذا هو الذي يتم في الأفراح للفت نظر الفتيات”.

(5)

أما على صعيد جيل اليوم، وما يُثيره تقليد الجلد من جدل وتباين في الرؤى، فيرى الطالب الجامعي الشاب حسام فاروق، أن “البُطَان” من العادات والتقاليد التي تتسم بالتخلف لاعتمادها إثبات الذات والرجولة على القوة وقدرة تحمُّل البدن فقط، إذ لم تعد العضلات هي مصدرها الوحيد، وليست هي التي تقود الشاب إلى تكوين شخصيته وصورتها الذهنية لدى المجتمع، كما أن الجلد بالسوط أصبح مرفوضاً حتى كعقوبة جنائية بواسطة المحاكم، وقد تتصادم كتقليد موروث مع بعض مبادئ حقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى