أبو تبيان يكتب : في دارفور لحساب مَن يتم التلاعُب بالأوضاع الأمنية؟

12يناير2022م 

منذ اندلاع الحرب الأهلية بدارفور وتطوُّراتها التي قادت إلى ظهور حركات الكفاح المُسلّح مطلع العام ٢٠٠٣م، لم يشهد الإقليم أي استقرار أمني ولا سياسي ولا اجتماعي، فالظروف التي مرت بها دارفور، ظروف بالغة الخطورة والتعقيد، ضربت شتى مناحي الحياة، وأثّرت على إنسان الإقليم بصورة مُخيفة لم تنفع معها جميع محاولات الترقيع والرتق التي تبنتها الحكومه البائدة.

عدد من الاتفاقيات الداخلية والخارجية تمت مع رفقاء الكفاح المسلح بدارفور، منذ أبوجا مروراً باتفاقية الدوحة والتي أفرزت سلطات صورية (السلطة الانتقالية أركو مناوي –  السلطة الإقليمية التجاني سيسي) ، لم تتمكن تلك السلطات من إرجاع العافية لسكان الإقليم في معسكرات النازحين واللاجئين والذين بالمدن والقرى والفرقان والدمر، والأمر ببساطة اتّفق عليه المحليون والمراقبون السياسيون والأكاديميون بالسودان بعدم وجود رغبة سياسية في إنهاء الصراع الدائر بإقليم دارفور إلى أن جاءت ثورة التغيير السودانية والتي ذهبت بنظام الإنقاذ بثورة شعبية رفعت شعار (حرية.. سلام وعدالة).

تفاعل أهل دارفور مع حركة الشارع الثوري، وهبُّوا جماعات وافراداً لدعم التغيير السلمي، حتى كللت مشاركتهم بنجاح التغيير الذي كانوا يحسبونه يحل جميع تعقيدات المشهد السياسي القديم ويجعلهم مواطنين حقيقيين بالدولة السودانية الحديثة، إلا أن تلك الآمال والطموحات والأشواق ذهبت بأسرع ما يكون من أذهان الشباب الثوري، وخاصة قيادات حركات الكفاح المسلح التي تعتبر نفسها هي صانعة التغيير الذي تم بالخارطة السياسية السودانية في الحادي عشر من أبريل العام ٢٠١٨م وبحكم أنهم جزء أصيل من نداء السودان المحرك الفاعل للشارع آنذاك.

تطورات المشهد السياسي الثوري والإفرازات التي جاءت بعد الحوار بين المكون العسكري والمكون المدني، جعلت الأمور تعود إلى مربعها الأول وذلك من خلال الإقصاء المتعمد الذي قامت به قِوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية لحكومة الفترة الانتقالية التي ولدت عن طريق الوثيقة الدستورية التي رفضت مُشاركة قوات الكفاح المسلح في السلطة برغم وجود ممثلين لحركات الكفاح المسلح شاركوا في الحوار السياسي الذي شكّل صياغة الوثيقة الدستورية بالخرطوم وكان الوعد القاطع من قوى الحرية والتغيير لقيادات الكفاح المسلح هو المشاركة في السلطة الانتقالية، ولكن لم يتم الإيفاء بالوعد، الأمر الذي جعل قيادات الكفاح المسلح الخروج من البلاد مكروهين ومطرودين بعدما تم حبسهم بالسجون.

غياب الروح الوطنية وحالة الضعف الكبير للأحزاب السياسية السودانية القديمة التي أكدت للشارع الثوري بأنها ليست لديها رؤية وبرنامج سياسي واحد يهدف إلى تحقيق شعار الثورة، هو من أهم الأسباب التي قادت إلى تأزيم المشهد السياسي بالسودان منذ ميلاد الثورة السودانية وحتى يومنا هذا، فالبناء الثوري شابته أنواع من الانزلاقات التي أدت إلى الفوضى الحالية،  فجاءت حكومة الفترة الانتقالية في أضعف صورة لم يشاهد المواطن السوداني أي تغيير في الحياة المعيشية العامة، ولم ير شعاراً واحداً يتحقق، وأصبحت آمال وطموحات المواطنين السودانيين يعتريها اليأس والبؤس والشقاء، وتبدّلت الهتافات الجميلة التي يُنادي بها ثوار الأمس، تبدّلت لأشياء رجعية، مهّدت الطريق إلى ظهور خطابات الكراهية والعنصرية، واندلعت من جديد الحروب الأهلية بالسودان والكل أصبح يتكالب على السلطة مُتكئاً على المصالح الشخصية والحزبية بعيداً عن مصلحة الوطن.

تسارعت خطى نشطاء السياسة نحو المجهول، واصبحت الكنكشة في الحكم سمة بارزة في جميع مستويات الحكم الانتقالي (الأعرج)، وظهرت قيادات مدنية مُوغلة في كيل الاتهامات تجاه (قُوتنا الوطنية) التي يشهد لها تاريخها البعيد بأنها ظلّت حاميةً لتراب الوطن، وتلك الاتّهامات مدفوعة الأجر كي تخدم مصالح المخابرات الأجنبية التي ظلت منذ اليوم الأول للثورة السودانية تتدخل في الشأن السوداني، وتعبث بعقول نشطائنا السياسيين الذين ينتظرون بأن تأتيهم الحلول من الأجنبي، وجاءت بعثة يونيتامس للسودان على هذا الأساس والبقية تأتي تباعاً.

 

أكثر المتفائلين لا يرى ضوءاً يزيل هذه العتمة الكبيرة التي تُمارس على الشعب السوداني، فالأوضاع ماضيةٌ إلى تحكيم السلاح وعندها سيتم فرز الكيمان بقوة السلاح وتنتهي عقلية الأحزاب السياسية البراغماتية وتأتي جغرافيا جديدة تصنعها المناطقية والجهوية والعنصرية وتولد على أنقاضها دولة مفككة ومجزأة يصعب توحيدها ولم شملها من جديد، صدِّقوني الراهن السياسي الآن ماضٍ على هكذا أحداث إن لم يتم تغليب مصلحة الوطن وتناسي مرارات الماضي، وأن نتوجه كلياً نحو الحوار والتوافق الوطني،  وهو المخرج الوحيد لحالة الانسداد السياسي الماثلة اليوم، وبالإرادة القوية وحدها نستطيع أن نعبر بعيداً عن الحزبية والمناطقية، وعلينا أن نُحاول جاهدين هزيمة شيطان الارتماء على أحضان الأجنبي ونبعد أنفسنا من المُتاجرة بالحروب وتصديرها لمجتمعات بعينها وجعلهم ضحايا حروب وضحايا للسلام، الذي وقّعت عليه حركات الكفاح المسلح بجوبا ودعونا جميعاً لنؤسس لوطن حدادي مدادي يضمّنا بكل اتّجاهاتنا وسُحناتنا.

 

فتناكو بعافيتكو

 

دعوة للالتفات للوطن

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى