ضوابط الصادرات.. تصحيح المسار

 

 الخرطوم: رشا التوم   11يناير2022م 

انتهجت الحكومات خلال الفترة الماضية، الكثير من السياسات والإجراءات للسيطرة على أهم روافد الخزينة العامة والاقتصاد الوطني وهي حصائل الصادرات، وبدوره سعى بنك السودان المركزي إلى تحديث سياساته ومنشوراته المتعلقة بالصادر في مُحاولة لإحكام السيطرة وتشديد الرقابة بمزيد من الضوابط التي تسمح بالصادر وفقاً لنظم محددة.

وفي المقابل، ينتهج  المهربون الكثير من اساليب التخفي والتمويه في سبيل استمرار التهرب من توريد عائدات الصادر إلى الجهاز المصرفي الرسمي،  والنأي بها بعيداً عن الخزينة العامة للدولة، مما يدعو إلى إعادة النظر في السياسات المتبعة في التعامل مع الصادرات وإحكام السيطرة على المنافذ الجوية والبحرية والبرية من أجل ضمان عدم تسربها للخارج.

وكانت الحكومة دوماً ما تُعلن عن سياسات في مُحاولة مُستميتة للسيطرة على الحصائل، وفي الغالب فشلت الى حد ما في تطبيق الوصفة الصحيحة لمنع التهريب.

وتزايدت مؤخراً، الشكاوى من تمدد نشاط الأجانب في قطاع الأعمال وممارستهم للصادر والوارد دون أن يكونوا من المستثمرين، ورغم تجاوب الجهات ذات الصلة مع تلك الشكاوى وإصدارها قراراً بمنع الأجانب من ممارسة العمل التجاري بالبلاد، ومنعهم من التصدير والاستيراد، إلّا أنّ التنفيذ لا يزال بطيئاً.

وتم تجديد العزم من قبل بنك السودان المركزي على ضبط إجراءات الصادر  للعام 2022م.

ووصف الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية أشرف صلاح، السياسات  التي صدرت من بنك السودان المركزي 2022م فيما يتعلق بالصَّادر بأنها سياسات جيدة للغاية وهي مُحاولة لإحكام ولاية بنك السودان على حصائل الصادر، وقال إن المنشور في جوهره يحارب ظاهرة الوراقة في الصادر والتي يترتب عليها ضياع العائد من الحصائل للدولة وفي نفس الوقت تعيق المصدرين الجادين مما يؤدي الى إعاقة  الصادر، وقال ان المنشور محاولة جيدة لإحكام الضوابط والرقابة وضمان دخول حصائل الصادر الى الجهاز المصرفي، وجزم بأن العبرة في التطبيق من قبل الإدارات المُختصة في بنك السودان أو المصارف التجارية عموماً، وشدد على اهمية الرقابة والمتابعة لتفاصيل المنشور من ناحية عملية، لأنه في الغالب تصدر سياسات تصحيحية ولكن يهزمها التراخي في التطبيق، منوهاً الى نقطتين في المنشور قد تُشكِّلان عائقاً لعملية الصادر والمتمثلتين في أن استلام حصائل الصادر لابد أن يكون من البلدان المصدر لها، وكما هو معلوم الآن هنالك شركات كبيرة متعددة الجنسيات لديها مقر على سبيل المثال في إنجلترا أو جدة أو مصر وتُصدّر الى العديد من البلدان وتطلب أن تصدر شحنات ثروة حيوانية أو زراعية جزء منها لأوروبا او الخليج وآسيا وتكون المعاملة من المكتب الرئيسي، والمهم في الأمر عودة الحصيلة وليس من أي بلد أتت الحصيلة، والنقطة الثانية هي فترة مكوث حصيلة الصادر في حساب المصدر خمسة أيام فقط، إما تباع لبنك السودان عن طريق البنك التجاري، وإما يستخدمها المُصدِّر في الاستيراد، وكما هو معلومٌ فإنّ كثيراً من المُصدِّرين هم مُستوردون، واعتقد بأن الحكمة في ماذا يستورد بهذه الحصيلة؟

واقترح أشرف بأن يكون الاستيراد للسلع الضرورية المطلوبة ومدخلات الإنتاج الصناعي والزراعي وليست استيرادا لسلع هامشية، وقال ان فترة السماح لخمسة ايام قليلة لتكملة إجراءات الاستيراد، ويجب أن تظل الحصيلة في حساب المُصدِّر لأسبوعين لتدبير أمره واستيراد المناسب من السلع الضرورية، ورأي بأن المنشور مُحاولة لإحكام السيطرة على حصائل الصادر وهو شيء مطلوب لمصلحة الاقتصاد الوطني.

ومن ناحيته، أضاف عضو شُعبة مُصدِّري الأقطان صلاح محمد خير في حديثه لـ(الصيحة) بأن السياسات التي اصدرها بنك السودان المركزي تصب في مصلحة الصادر والمصدرين، ولفت الى وضع ضوابط صارمة في مجال صادرات الأقطان، وشكا من وجود فوضى عارمة في الصادر، واعلن ان هناك قطنا بقيمة مليار دولار معد للصادر ولكن دون ضوابط، مما يهدد بفشل دخول الحصائل الى الجهاز المصرفي، وانتقد تواجد الأجانب بكافة جنسياتهم والعمل في الصادر دون ضوابط ويقومون بشراء القطن في مناطق الإنتاج دون علم أو معرفة وتصديره للخارج بعيداً عن رقابة البنك المركزي،  وأشار الى أن بعض الأجانب متواجدون في وزارة التجارة يعملون في بيع سجلات الصادر، وأردف بأن الضوابط الجديدة امّنت على تصدير القطن وفقاً لضوابط محددة سواء براً أو بحراً وبخطابات اعتماد من الخارج وإكمال كافة اجراءات الصادر وإلغاء ظاهرة الدفع مؤخراً مقابل المُستندات، وشنّ هجوما لاذعا على اصحاب النفوس الضعيفة الذين يساهمون في خرق اجراءات الصادر، مضيفا بان المشكلة في التنفيذ وليس السياسات، ولفت الى ان عددا من الجهات لها علاقة بالصادر، منها بنك السودان المركزي والجمارك والمواصفات والبنوك، والتي قال انها أضعف حلقات الصادر، وأقر بأنّ هناك انحرافات في الصادر تتم من قبل البعض (لم يسمهم)، وجزم بعدم دخول عوائد القطن للخزينة العامة.

ومن جانبه، اكد الخبير الاقتصادي د. محمد الناير أن الضوابط الخاصة بالصادرات والواردات إيجابية وفي الوقت نفسه تتضمّن تعقيدات يمكن أن تؤدي الى إشكالية في المرحلة المقبلة، وأردف أن أحد الإجراءات الإيجابية المتعلقة بمعرفة العميل والتعامل مع مؤسسات وليس أفرادا، بالإضافة إلى أن أي شخص من المؤسسية تم حظره يُمنع تماماً من القيام بعمليات الصادر وهو أمرٌ جيدٌ، واشار الى أن الأمر يحتاج لمراجعة شاملة باعتبار ان هناك تحايلاً كان يتم، ومؤسسات تصدر دون إرجاع حصيلة الصادر ويُعاد تسجيل مؤسسات اخرى يمتلكها نفس الاشخاص الذين يمتلكون المؤسسة السابقة، وبذا تكون حصيلة الصادر قد ضاعت على البلاد، ونبّه إلى أن الفترة الماضية كانت هناك تجارة للعملة وفرق بين السعرين الرسمي والموازي وعدم توريد حصيلة الصادر أدت الى ثراء أشخاص بعينهم على حساب الدولة والمواطن البسيط، وزاد قائلاً:  ليس من الضروري مراجعة اسم الشخص المحظور فقط، ولكن على الجهات المختصة مراجعة السجلات بالكامل  والتدقيق  والتعامل  بشبكة إلكترونية موحدة مربوطة ببنك السودان والمصارف، وهذا الامر يتم بالتنسيق مع مسجل الشركات للتأكد من الملكية وغيرها من الأشياء.

وبالنسبة للضوابط الخاصة بالتصدير، يرى الناير انه لا مشكلة في الإجراءات أو التعقيدات، ومن المعروف أن التصدير وصلاحياته معلومة، فضلاً عن ان الفرق بين السعرين الرسمي والموازي في العُملة تكاد تكون قليلة، ولكن حال اتّسعت الفجوة  في سعر الصرف ربما تتأثر كل الصادرات وعلى وجه الخصوص الذهب، وأعرب عن أمله في المحافظة على استقرار سعر الصرف منعاً للإشكالات التي قد تعيق هذه الضوابط، وطالب بمزيد من المرونة في الصادرات والواردات ومنح المصدرين الثقة من جهة، ومن جهة اخرى اعمال الحسم لاسترداد حصائل الصادر في الوقت المناسب، ودعا الى تأمين الصادرات، علماً بأن الاقتصاد السوداني لحقت به خسائر فادحة، بجانب القطاع الخاص، ولفت الى الخسائر في صادرات الثروة الحيوانية وإرجاع البواخر، واعتبر أن قضية التأمين في الوكالة مهمة جداً  تحفظ للمُصدِّرين حقوقهم كاملة في المرحلة القادمة، وأضاف بأن المنشور حمل ضوابط تُصب في مصلحة الاقتصاد السوداني، ولم يستبعد حدوث تعقيدات في المشهد استناداً على الفترة الزمنية القصيرة التي حدّدتها الضوابط بواقع “5” أيام، مما يصعب سهولة التصرف في حصيلة صادر الذهب، ولذلك لا بد من الجلوس مع غرفة المصدرين والمستوردين ومناقشة كل التعديلات التي جاءت في المنشور قبل  إصداره،  وقال ان غياب المشورة قد ينعكس  سلباً وقد يأتي  القطاع الخاص ممثلاً في غرفة، والمصدرون والمستوردون في الاعتراض على كثير من البنود التي تضمّنها المنشور، وبدلاً من حدوث تشاكُس بين الدولة والقطاع الخاص والهدف واحد وهو تصحيح مسار الاقتصاد السوداني، يجب ان يكون  هناك توافقٌ وتشاورٌ للتراضي التام بين كل الأطراف، مما يسهل عملية التطبيق والتنفيذ بالنسبة لبنك السودان المركزي مع البنوك العاملة ووزارة التجارة الخارجية والجمارك.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى