عبد الله مسار يكتب : الثورة التصحيحية

11يناير2022م 

قام الفريق أول البرهان رئيس مجلس السيادة، القائد العام للقوات المسلحة في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١م بثورة تصحيحية، سمّتها “أربعة طويلة” ومن لفّ لفها انقلاباً، وسمّاها الشعب السوداني الوطني ثورة تصحيحية. لأن “أربعة طويلة” عاثت في البلاد فساداً منقطع النظير طيلة السنوات الثلاث المنصرمة، حيث أنها مكّنت كوادرها في الوظيفة العامة ومؤسسات الدولة القيادية والمُهمّة، وبذلك اقامت تمكيناً مكان تمكين، وسيطرت سيطرة تامة على كل مناحي الحياة ومفاصل الدولة والسودانية، بل سجنت وفصلت ورفدت جموعاً من الموظفين في الدولة بحجة أنهم فلول، ولكن الحقيقة هي أرادت أن تسكن منسوبيها في هذه الوظائف وخاصة من حزبي البعث (السنهوري) والشيوعي  وقليل من حزب الأمة القومي، بل سعت للاستيلاء على الشرطة أفراداً وضباطاً. وأقامت مؤسسات مُوازية ككتائب حنين التي تتبع لحزب البعث، وكانت ساعية لإلغاء جهاز الأمن والمخابرات والاستعاضة عنه بكتائب حنين لجهاز الأمن الداخلي، وظهرت هذه الكتائب في المظاهرات والمسيرات كمسيرة الزحف الأخضر التي تصدّت لها هذه الكتائب، حيث كانت ترتدي الزي المدني و”تركب” على البكاسي، وكذلك قيل إنها تحولت لقوى أمنية تستعين بها لجنة التمكين السابقة قبل حلِّها من قبل الفريق أول البرهان.

بل سيطرت “أربعة طويلة” على كل مناحي الحياة حتى وصلت الولايات. والتقديرات تشير أن أحزاب “أربعة طويلة” سكنت منسوبيها في كل الوظائف القيادية بالدولة، خدمة مدنية ومؤسسات اقتصادية واجتماعية وصناديق وشركات حكومية وبنوك ما بين سبعة الى اثني عشر ألف موقع ووظيفة، وسيطرت على لجان الخدمات في كل السودان وكان القدح المعلى لهذه اللجان من حزب البعث والحزب الشيوعي وبالتعيين ليس بالانتخاب من الأحياء، وكذلك سيطرت على لجان تسيير النقابات ومجالس إدارات الشركات، بل حوّلت كثيرا من موارد هذه المؤسسات لصالح عضويتها وأحزابها، حتى العربات التي صادرتها لجنة التمكين من بعض المؤسسات والشخصيات، والتي فاق عددها الألف عربة وُزِّعت لمنسوبيها!!!

إذن فترة الثلاث سنوات التي حكم فيها حمدوك البلاد في مجلس الوزراء وعبر حاضنته الحرية والتغيير المجلس المركزي، قد حدث فيها من التمكين وتسييس الوظيفة العامة لم يحدث منذ استقلال السودان في عام ١٩٥٦م، وحصلت استباحة تامة للدولة السودانية، حُوِّلت كل ممتلكات موارد الدولة والأشخاص الى بعض الأحزاب الحاكمة،  بل الى بعضها التي هي حاكمة وتدّعي أنها مُعارضة!!!

ولم يقف الأمر عند ذلك، ولكن تعدى الى القوانين وتغيير التركيبة الاجتماعية، وأفسدت الأخلاق، وغيّرت القوانين الضابطة للمجتمع، وألغت وشرّعت قوانين مُخالفة للفطرة والسلوك والقيم السودانية، حتى المثليين طالبوا بحقوقهم، وشرعت كل المُوبقات، وانتشر الفساد والإفساد، وأدخلت كل الوسائل التي تفسد الشباب والأسر والمجتمع  حتى ذهب الشارع حل شعره.

إذن هذه الثلاث سنوات كانت وبالاً على السودان، وقام حمدوك بواجبه كاملاً تجاه الخارج وما أُوكل إليه من مهام نظير تعيينه من قبل المجتمع الدولي رئيساً للوزراء، بل نفّذ  أغلب الخطوات لقيام الدولة السودانية العلمانية الليبرالية بالحرف حتى وصل الأمر للمناهج في التعليم، ناهيك عن الشارع العام!!!

إذن، مطلوبٌ من السيد الفريق أول البرهان، الاستمرار في الثورة التصحيحية لتشمل الوظيفة العامة والمؤسسات المالية والاجتماعية والشركات والبنوك والنقابات، وإلغاء التمكين والإتيان بخدام للشعب السوداني خارج أحزاب “أربعة طويلة”، بل تطهير الوظيفة العامة من التمكين الحزبي وجعلها مهنية خارج الألوان الحزبية،  وحل لجان الخدمات وتكوينها بالانتخاب من الأحياء والقرى، وجعل الدولة  قائمة على القانون  وليس على تمكين حزبي.

نطلب من السيد البرهان، تكوين لجنة قومية مُحايدة ونزيهة لتراجع كل ما تم في فترة الثلاث سنوات المنصرمة، وإحقاق الحقوق وإعادة المفصولين من غير الحزبيين لأعمالهم، وتوفيق أوضاع الآخرين.

أخي الرئيس البرهان، لن يستقيم أمر الدولة، ولن يقف الشارع إلا إذا راجعت الوظيفة العامة، وأزلت التمكين الحزبي منها، وأوقفت المحسوبية الموجودة الآن في دواوين الدولة!!!

“أربعة طويلة” خرجت بالباب ولكنها موجودة في كل مفاصل الدولة، ولن تستقر الأوضاع في السودان إلا إذا تم الآتي:

١/ إزالة كل التمكين الحزبي في الدولة.

٢/ إعادة النظر في كل القوانين التي تُعارض الفطرة والطبيعة البشرية والقيم والدين والخلق التي شرعت في الفترة السابقة.

٣/ إقامة العدل بين الناس  وإطلاق سراح كل معتقل لا جريمة له.

٤/ إعادة الحقوق التي سُلبت من اهلها في الفترة السابقة بدون وجه حق ولا قانون.

٥/ تحرير القرار الوطني من قبضة الخارج وتكمين السيادة الوطنية  وطرد كل أجنبي يتدخّل في القرار الوطني.

٦/ تقوية المؤسسات العدلية الأمنية وخاصة جهاز الأمن والمخابرات وخاصة أنه مربوط بالتخابر الخارجي والمراقب للنشاط الخارجي الهدام.

٧/ عدم عمل أي حاضنة سياسية للحكومة طالما انها حكومة كفاءات وطنية غير حزبية (تكنوقراط) حقيقية  مع ذهاب كل الأحزاب لتجهيز نفسها للانتخابات.

٨/ شريحة الشباب مهمة، يجب تشغيلها واستيعابها في مؤسسات الدولة وخاصة غير الحزبيين وهم وقود ومفجرو الثورة وهي سُرقت منهم، وهم الآن في الرصيف أو يتظاهرون في الشارع ينشدون مستقبلا أحسن ويودون ان يخرجوا من دولة النخب إلى دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية والحق المتساوي.

٩/ تفعيل قانون النظام العام لينضبط الشارع.

١٠/ تفعيل قانون الخدمة الوطنية والتجنيد الإجباري وفتح المعسكرات  لتدريب وتأهيل الشباب للخدمة الوطنية.

أخي الرئيس البرهان، ما قمت به كبيرٌ، ولكن ينتظرك الأكبر والأعظم، نَظِّف الدولة من التمكين والظلم والوظيفة العامة الحزبية، وأسِّس لدولة القانون، لتستقر دولة السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى