التوجُّس من القادم.. استقالة حمدوك شر أريد بأهل السودان أم خير؟!

 

الخرطوم: الطيب محمد خير    4يناير2022م 

وضع د. عبد الله حمدوك، الأزمة في السودان على مفترق طرق باستقالته من منصبه التي اصبحت حقيقة واقعة بعد تسريبات وتكهنات باستقالته، لم تنقطع منذ عودته لمنصبه قبل ما يقارب الشهرين بعد توقيعه للاتفاق السياسي مع القائد العام الفريق البرهان في (21 نوفمبر) ، فشلت كل محاولاته في انجاز تكليفه بتشكيل الحكومة الذي أكدت الاستقالة استحالة إنجاز هذه المهمة وسط استفحال الخلاف بين أطراف المشهد السياسي.

بدأت الساحة السياسية منقسمة حيال الهزات الارتدادية للاستقالة المدوية التي دفع بها حمدوك بين التفاؤل والتوجس خفية، اذ ترى الفئة المتخوفة، ربما تؤدي الاستقالة  التي حملها حمدوك رسائل تحذيرية من انزلاق السودان إلى صراع ربما لا تعرف مآلاته بسبب تمترس المكونات السياسية التي فشلت كل محاولات حمدوك لإقناعها لتقديم تنازلات، فيما يرى الشق الآخر خاصة مجموعة المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير التي قلبت ظهرها لحمدوك بعد عودته باتفاق (21 نوفمبر) ان الاستقالة لا تخلو من ايجابيات في مقدمتها انها اغلقت الطريق امام عودة الشراكة بين العسكريين والمدنيين التي كان يبني عليها حمدوك مساعيه الوفاقية كاساس لحكومة المرحلة الانتقالية طوال العامين السابقين ويجزمون بأن تنحي حمدوك سيضيف زخماً لحراك الشارع المتصاعد بغية الوصول لحكومة مدنية خالصة وانهاء مشاركة العسكريين في الحكم.

 

تفرد المجموعة العسكرية

ترى مجموعة ثالثة من ضمنها المجمتع الدولي أن خروج حمدوك من المشهد سيدفع إلى تفرد المجموعة العسكرية  بالسلطة وفرض الأمر الواقع، ما يؤدي لتزايد الاحتقان في الشارع السوداني، وعلى ضوء ذلك كانت جاءت أول رد فعل من الادارة الامريكية عقب استقالة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك التي طالبت القادة السودانيين تنحية الخلافات جانبا، والتوصل إلى توافق، وضمان استمرار الحكم المدني مشترطاً أن يتم تعيين رئيس الوزراء والحكومة السودانية المقبلة وفقاً للإعلان الدستوري لتحقيق أهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة.

 

احتقان الشارع

أقوى مشاهد الاحتقان والتمترس، تمسك الشارع بلاءاته لا شراكة ولا حوار واصدار قيادته التي لا تزال طي الكتمان جداول  للتظاهر، الذي قابله أمر الطوارئ الذي اصدره الفريق البرهان وأعطى بموجبه صلاحيات واسعة للقوات النظامية وأعاد صلاحية جهاز الامن والمخابرات في الاعتقال والتفتيش والحجز والرقابة على الأفراد والممتلكات، في وقت يبدو فيه الشارع أيضاً ماضياً في احتجاجه في ظل هذا التصعيد والتحدي وعقب استقالة حمدوك التي شكلت منعطفًا مفصليًا للأزمة المتصاعدة، قفزت التساؤلات عن السيناريوهات السياسية التي يقبل عليها السودان، في وقت يجمع المحللون فيه على أن المشهد يبدو قاتماً للغاية ويعتبرون الفترة الماضية التي فيها فشلت جميع المبادرات الهادفة لردم الهوة بين الفرقاء التي كانت مجرد محاولة لتأجيل انكشاف حقيقة الانسداد السياسي، الذي يعني إعطاء الشرعية لفوضى التصعيد ، وهنا يبقى السؤال مشروعا ما الطريق الذي سيمضي فيه السودان الذي اصبح وجهاً لوجه مع نفق غياب العقلانية بين القوى السياسية بانسداد الافق بعد حمدوك الذي كان بمثابة ملطف بين الأطراف؟

 

تجارب السودان

رغم نبرة التشاؤم والمخاوف، غير ان المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر بده خلال حديثه لـ(الصيحة) مطمئناً استناداً على التجارب التي مر بها السودان في الفترات الانتقالية الماضية ما بعد الاستقلال، قائلاً ان السودان لديه ذخيرة من التجارب السياسية والاجتماعية التي اكتسبها منذ الاستقلال خلال مروره بالمنحيات التي فيها صعوبة ودائماً تنتهي بنتائج ايجابية كما حدث إبان الاستقلال، اذ كانت البلاد ماضية في طريق الانقسام حول السؤال المطروح وقتها حول تبعية السودان للادارة  المصرية ام يستقل كدولة لها كينونتها، لكن عبقرية الشعب السوداني بإجماع كافة المواطنين العاديين فرضوا رأيا موحدا جعل الاستقلال من داخل البرلمان برؤية موحدة دون استفتاء كما كان مقررا، لكن حكمة اهل السودان جعلت الاستقلال بإجماع حزبي شعبي وذات المشهد تكرر في اكتوبر عندما هدد وزير الداخلية وقتها بعدم التسليم لجبهة الهيئات التي كانت تقود الحراك، في ظل هذا التصعيد، برزت حكمت الفريق عبود وجبهة الهيئات اجمعت على اخراج البلد بانتقال تدريجي بان أصبح عبود رأسا للدولة لوقت مؤقت وبعدها انتقل الامر للشق المدني بكامله.

 

الخروج بصورة توافقية

واضاف خاطر انه لا يتوقع اي انزلاق للسودان لانه دائماً يخرج من المنحيات بصورة توافقية والآن بعد استقالة د. حمدوك ارى ذات الحكمة موجودة ومتاحة ولا سيما ان جميع الأطراف السودانية مؤمنة بالسلام وان الخط الرئيسي الذي ستمضي فيه هو السلام الاجتماعي وحفظ وحدة السودان وتنميته، وأشار الى أن غياب حمدوك رغم انه شكل خسارة للتجربة لكنه لا يعني بأي حال من الأحوال انهيارها وانما خطوة اتخذها بعد وضع مؤشرات لطريق الحل الذي حدده عبر طرحه للنقاش والتداول في مائدة مستديرة، والآن هناك الكثير من المبادرات مطروحة الآن، ويرى انها ستنتهي بانتهاء مركزية الدولة على ان يتحمل كل اهل السودان مسؤوليتهم وسيجد السودان قدرته في تحمل المسؤولية بدلاً من البحث عن الامتيازات في المساعدات الدولية ويبني دولته الفدرالية الحديثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى