عضوية البرلمان الانتقالي.. شيطان التفاصيل

تقرير: النذير دفع الله

عانت  الدولة السودانية كثيرًا، لعدم وجود دستور دائم لها يقيها شر التلاعب والتشرذم،  وهو ما فتح الباب أمام العديد من الحركات والكيانات والأحزاب أن تنتهك تلك الدساتير المؤقتة، إما بانقلابات عسكرية أو ثورات شعبية، جميعها تتحجج بأنها من أجل الشعب، ولكن سرعان ما تتكشف الخفايا ويظهر شيطان التفاصيل ماردًا يدق الأرض وينتهك القوانين وانتقاماً وإقصاء، وهو ما يجعل من كل فترة ديمقراطية عاشتها الدولة السودانية (فرحة لم تكتمل)، وحلم ظللنا نتمناه منذ أن خرج المستعمر،  بينما أكدت كل البرلمانات والمجلس التشريعية  في السودان على مر الزمان  ألا علاقة لها بالدستور والتشريع، وإنما هي عضوية تعمل على  تمرير أجندة حزبية ضيقة،  أو ما يسمى بالأغلبية الميكانيكية التي أودت بالبلاد إلى مصاف الهالكين، وما اقترحته قوى إعلان الحرية والتغيير حول عددية عضوية المجلس التشريعي بثلاثمائة عضو، ما هي ‘لا واحدة من أداوت السيطرة على الأجسام التشريعية دون وجه حق..

ثورة الترهل الوظيفي

القانوني والبرلماني السابق بروفيسور إسماعيل الحاج موسى أكد (للصيحة)، أن هنالك سؤالاً مهماً تجب الإجابة عليه من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير، هل ما زالوا يعملون بالدستور الانتقالي للعام 2005؟ لأن رئيس المجلس الانتقالي المستقيل الفريق أول عوض ابن عوف أول ما جاء به هو إلغاء العمل بالدستور الانتقالي للعام 2005 وإعلان حالة الطوارئ، والتي تم إلغاؤها بعد تعيين البرهان خلفاً لابن عوف، مضيفاً أن الدستور الانتقالي به تحديد لعضوية المجلسين الوطني ومجلس الولايات، منبهاً أنه بعد مخرجات الحوار الوطني سابقاً والتي أوصت بزيادة عددية العضوية في البرلمان والولايات،  والمجالس التشريعية الولائية، حيث تم بموجب ذلك تعديل الدستور حتى يشمل هذه الزيادات.

 وأشار الحاج موسى، إذا كان المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية يعملان بالدستور الانتقالي، فإن ذات الدستور قد حدد عددية العضوية البرلمانية، موضحاً أن واحدة من أهم النقاط التي جلبت سخط الجماهير هي الترهل الذي أصاب دولاب الدولة والمؤسسات خاصة التشريعية والتنفيذية، عليه فإن ما خرج الناس من أجله للشارع سيحدث مرة أخرى مما يؤثر على الميزانية، سيما وأن المجلس الوطني السابق كان يضم في جوفه عضوية كبيرة أرهقت الميزانية العامة.

 وأقر الحاج موسى بأن وظيفة وزير الدولة تمت تسميتها في عهد مايو، بل انتقل الأمر إلى كل الحكومة بوجود ثلاثة أو أربعة وكلاء وزارة، الأمر الذي بموجبه لا يحتم وجود وزير دولة، وشدد الحاج، إذا لم يعمل المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير بالدستور الانتقالي للعام 2005 ، فعليهم اتباع المعقولية في تحديد عضوية البرلمان لتتناسب مع المرحلة المقبلة حتى لا يؤدي ذلك لسخط الناس لأنه بالطريقة الحالية، فإن ثلثي البرلمان ستكون قد ذهبت لقوى الحرية والتغيير وهو أمر غير منصف، لأنه تمت استشارتهم حتى في الثلث الأخير، وهو ما يعطيهم نسبة أقرب لـ100% ، كاشفاً أن المؤتمر الوطني سابقاً كانت معه قوى يتم ترشيحها وفازت بجزء من المقاعد ولم يكن له ثلث أو ثلثان.

أغلبية ميكانيكية

وأوضح الحاج أن مهمة التشريع مهمة أساسية، لأنه يقوم بمراقبة الجهاز التنفيذي الذي يسير دولاب الحياة، عليه فإن أردنا جهازاً تنفيذياً فاعلاً، علينا بأغلبية قليلة، وليست ضعيفة نسبة للأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها البلد خاصة أن الثورة التي قامت كانت لأسباب معيشية ولكنها الآن أصبحت بعيدة من نظرات المهتمين، وقال الحاج: يجب عدم إغفال ذلك الأمر، ورفد البرلمان بعددية لا فائدة منها وترهل تزداد معه عمليات الصرف، مطالباً بالحرص على وجود شخصيات لديها تجارب سابقة مثل وكلاء الوزارات السابقين، لأنهم أهم كوادر التنفيذ، منادياً بتمثيل تشريعي لكل الجهات التي لعبت دوراً في الثورة والتغيير بين الشعب والجيش بدون تطرف حتى يكون الجهاز التشريعي قوياً وليس الأغلبية الميكانيكية التي كان يعمل بها المؤتمر الوطني، مشدداً بأن قوى إعلان الحرية والتغيير، إذا لم تلتزم بذلك ستكون منذ الآن أعطت الناس ثغرة لعدم الاعتراف والاحترام لتشريعاتها وقوانينها بالأغلبية الميكانيكية، لأنها أوكلت لجهة واحدة فقط.

الربكة السياسية

القيادي بحزب المؤتمر الشعبي، أبوبكر عبد الرازق، قال (للصيحة)، إن العضوية الضخمة في البرلمان ستهزم التشريع في الأساس،  كاشفاً أن مقترح إعلان قوى الحرية والتغيير كان المقترح الحد الأدنى منه 120 والأعلى 150 والذي تم تقديمه من خلال الوثيقة، مبينًا أن مقترح بقية الأحزاب كان 150 عضواً، وبعد أن راجعت قوى إعلان الحرية والتغيير موقفها وجدت أن مكوناتها تضم عددية أكبر  منها 93 مكوناً، عليه فإن المجلس أو البرلمان إذا تم تكوينه بالمقترح الذي قدموه، فإنه لن يضم كل المكونات التي تضم أحزاباً وحركات مسلحة، أما البقية فهي عبارة عن واجهات لأحزاب سياسية، كالحزب الشيوعي السوداني، لذلك هو الأمر الذي أملى زيادة العددية وهو ما أوجد الشيطان داخل التفاصيل، وتقول الأحزاب الكبيرة دعونا من الواجهات، ولكن دعونا نجلس كأحزاب وحركات، وأكد أبوبكر أن أولئك عندما يجلسون سيتحدثون عن الأوزان، وبالتالي سيكون نصيب الشيوعيين محدوداً أو أقرب للا شيء والبعثيين والناصريين محدوداً بينما يكون النصيب الأكبر لأحزاب الاتحاديين والأمة، وبالتالي هذا يخيف اليسار من أن تكون هناك سيطرة على المجلس التشريعي.

شيطان التفاصيل

وأضاف أبوبكر، أن الدستور الانتقالي سيحدد صلاحيات واختصاصات المجلس التشريعي فيما يتعلق بالقوانين  في فترة الانتقال، وهذا ما يسد الباب أمام كثير من تطلعات قوى الحرية والتغيير لتحقيق أهدافهم فيما يسمى إزالة الدولة العميقة أو إعادة هيكلة الدولة السودانية، وأمام أي قوانين انتقامية يمكن لها أن توتّر الساحة السياسية السودانية، وهنا سيبرز شيطان التفاصيل، مشيراً أن نسبة الـ33% للأحزاب الأخرى قد يحددها الدستور، هل هي ثلث ضامن أم لا ؟  وأضاف أبوبكر أن التشريع سيكون بمبادرة المجلس التشريعي، واعتماد المجلس السيادي، أو العسكري الانتقالي، وهو ما يجعل أي قوانين يمكن أن تؤدي إلى فتنة في البلاد، فإن المجلس العسكري لن يعتمدها.

 وشدد أبوبكر أن ما نقوله لهؤلاء نهاراً جهاراً لن نسمح لأي أغلبية بأن تقصي أحداً ولن يستطيع أحد أن يدخل المجلس الوطني ليجيز تشريعاً ظالماً، وأي محاولة لتشريعٍ ظالم سنملأ الأرض خيلاً ورجلاً، وسنحتل المجلس الوطني ونخرج في مظاهرات  للشوارع،  وما بدأه تيار نصرة الشريعة، فإن بداية الغيث قطرة، كاشفا أن المؤتمر الشعبي لم يدخل إلى التفاصيل والمؤتمر الوطني والإصلاح الآن، وكثير من الأحزاب الإسلامية الأخرى وحينها ستمتلئ الشوارع بالملايين وليس بالعدد القليل الموجود في القيادة.

وأي برلمان ظالم لن يستطيع أن يمارس مهامه، وهم يريدون أن يمارسوا أسوأ من المؤتمر الوطني، ولكنهم حتى اللحظة مختلفون حول هذا الاتفاق، سيما وأن الحزب الشيوعي رفض الموافقة على الاتفاق الذي أبرمه حلفاؤه لأنه يعتقد أن مجلس السيادة لم يؤول للمدنيين، ولأنهم يعلمون أن المجلس العسكري يستطيع أن يكون المجلس المدني، وأن يقيله أيضاً وأن يكون مجلس الوزراء وإقالته أيضاً، منبهاً أنهم إذا لم يسيطروا على مجلس السيادة وإبعاد المجلس العسكري تماماً من السلطة لن يستطيعوا أن يتحكموا في مآلات  وأمر البلاد.

 وقال أبوبكر، أن رئيس المجلس العسكري أتت به اللجنة الأمنية العليا التي كان يرأسها الرئيس المخلوع عمر البشير، وابن عوف، وبالتالي هو من ذات الطينة ويمارسون مع قوى إعلان الحرية والتغيير بالمثل القائل (وديهو البحر وجيبو عطشان)، واتضح أن المجلس الآن يمارس السياسة بأعلى مستوى خاصة، وأن بيان رئيس المجلس البرهان كان بياناً موفقاً، حيث استطاع أن يضع النقاط على الحروف،  وأن يمهل الساحة السياسية وقتاً كافياً، وأكد أبوبكر وجود ربكة ستلازم قوى إعلان الحرية والتغيير لقلة خبرتهم السياسية وكثافة الأحلام والأوهام  التي يعيشون عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى