منى أبوزيد تكتب : في ثقوب التدوين..!

28ديسمبر2021م

“من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر يبقى في العمى والضلال”.. أبو حامد الغزالي..!

الكاتب السعودي فهد الأحمدي أثار عبر مساحته بصحيفة الرياض – قبل سنواتٍ – سؤالاً كبيراً حول خطب رسولنا الكريم – أكثر من خمسمائة خطبة، إما مفقودة أم لم تصلنا كاملة – باستثناء خطبة الوداع الشهيرة والثابتة بنصها الدقيق المتواتر في أمهات كتب الحديث..!

 

يقول كاتب المقال “إن معظم الروايات تتّفق على أن الرسول مكث عشر سنوات في المدينة المنورة، قبل أن يتوفاه الله في سن الثالثة والستين، وعشر سنوات في المدينة المنورة تعني 510 خطب جمعة، ألقاها الرسول أمام جموع المؤمنين لا نعرف عنها شيئاً”..!

وحينما قام كاتب المقال بهذا السؤال على أكثر من عالم فقيه, لاحظ خلالها حالة تأمُّل وصمت قصيرة تعتري المسؤول الذي يبدو أنه ليس بأعلم من السائل. وحتى الكتب التي تتحدّث عن خطب الرسول لا تتضمّن سرداً لها كاملة، إنما فقط تجميعاً للأحاديث التي ترتبط بها مع تخريج الأحاديث وشرح المعاني..!

 

ويخلص الأحمدي إلى أننا “نحتاج الى مؤرخ  أكثر من فقيه ليجيبنا على هذا السؤال الصعب، فحكم الجمعة معروف، وإلقاؤها من قبل الرسول في المدينة أمرٌ ثابتٌ لا خلاف فيه، وبالتالي يبقى السؤال عن الظروف التي تسبّبت بعدم تدوينها أو اختفائها بعد وفاته صلى الله عليه وسلم..!

وهذا هو بالضبط مربط الفرس في كل ما يتعلق بالبحث والتحقيق في التاريخ الإسلامي، فكلما ثار سؤال عن حقبة مُهملة أو رواية مُندثرة في التاريخ الإسلامي – صدر الإسلام على وجه الخُصُوص – انبرى معظم علماء الدين وليس التاريخ لسد الذرائع خوفاً على تلك المسلمات من غارات الأسئلة. وهو نهج استباقي شائعٌ في كل مجتمعاتنا المسلمة..!

حينما وصف الإمام الصادق المهدي – رحمه الله – الحديث “النساء ناقصات عقل ودين” بحديث الفقه الذكوري، وشكك في الروايات الكثيرة القائلة بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة وعمرها تسعة أعوام فقط، مؤكداً أن عمر السيدة عائشة عندما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم كان سبعة عشر عاماً، أنكر عليه فقهاء وعلماء كثر الخوض في تلك المسلمات التاريخية، رغم إجماع أغلبهم على امتلاكه كل الأدوات اللازمة لسبر غور السيرة والتحقيق في بعض رواياتها..!

على أن الملاحظ في منهج معظم الفقهاء وعلماء الدين هو إنكار الخوض في بعض التفاصيل دون أن يُحاول أحدهم تقديم دراسة تاريخية يجتهد في تدبيجها لنفي أو تأكيد بعض الإجابات على هذا النوع من الأسئلة..!

في قضية سن السيدة عائشة عند زواجها برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم, قدم صحفي مصري دراسة تاريخية مدهشة، رجع إلى كتب السيرة ونقد الرواية تاريخياً بحساب عمر السيدة عائشة مقارنة بعمر أختها أسماء التي كانت تكبرها بعشر سنين. أن الرسول عندما وهذا يعني بعد حسبة مطولة أن الرسول تزوجها وهي في الرابعة عشرة من عمرها، وهو أمر يبدو أكثر توافقاً مع تفقهها في الدين وروايتها للحديث، وامتلاكها لنصف العلم والدين بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم..!

والأهم – من ذلك كله – أنه افتراضا لا يثبت مظلمة أو يقدح في عدالة. فلماذا الحجر على حق المسلم في بعض السؤال..؟!

 

 

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى