Site icon صحيفة الصيحة

مُوازنة 2022م.. تعزيزٌ أم تهديدٌ للاقتصاد الوطني؟

سلع

 

 الخرطوم: رشا التوم   24ديسمبر2021م 

أهم السِّمات

أثارت الملامح العامة لموازنة العام 2020م نوعاً من الجدل الكثيف في الأوساط الاقتصادية كافة والمجتمع السوداني على وجه الخصوص ما بين مؤيد ورافض, وجاءت تلك الملامح بحسب وزارة المالية, متضمنةً بند  أن الموازنة تعتمد على الموارد الذاتية  وتحمل بشريات للعاملين بالدولة  وتركز على معاش الناس وتوفير الخدمات والسلع الأساسية  للمواطنين  وتقوية مظلة الحماية الاجتماعية ودعم الصحة والتعليم والمياه وترشيد الإنفاق الحكومي وبرامج الاصلاح الاقتصادي وتنويع مصادر الإيرادات ورفع كفاءة استخدام الموارد وتمكين القطاع الخاص للمُساهمة في تحريك القطاعات الإنتاجية وإنعاش الاقتصاد الوطني.

ورغم مضي الوقت المحدد لإجازة الموازنة واقتراب بداية العام الجديد,  تظل الاختلافات  قائمة.

ويرى المختصون في الشأن الاقتصادي, بأن الموازنة اتت في مضمونها وشكلها لا تختلف عن سابقاتها من الموازنات عقب ثورة ديسمبر المجيدة, ولا تعبر بأي شكل من الأشكال عن  طموحات المواطن البسيط في توفير سُبُل العيش الكريم في ظل إرهاصات رفع الدعم الكلي عن الوقود والدقيق والكهرباء

**

وأكد عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير المهندس عادل خلف الله  أن موازنة العام2022م تبنّت سياسات اقتصادية غير مجمع حولها.

وأكّد في حديثه لـ(الصيحة), أنّ الحديث عن الشفافية وحشد الموارد في الموازنة يأتي كتعبير عن نفاق سياسي, وقال ان حديث وزير المالية عن حشد الموارد والاعتماد على الذات هو ليس بديلاً ولا يمكن اللجوء اليه وهي عقيدة وطنية في الدول التي حققت نهضة اقتصادية, ورهن تحقيق الموازنة لأهدافها والوفاء بالتزامات الدولة تجاه الشعب والعاملين، والالتزامات الخارجية باعتمادها على موارد حقيقية ومن مصادر متعددة.

وأوضح أنّ الحكومة فرضت سياسات اقتصادية غير مجمع حولها، وبدلاً من حشد الموارد الداخلية والقيام بإصلاحات اقتصادية وإدارية حقيقية تعبر عن ذلك، إضافة إلى تحميل القوى والأنشطة التي تنامت ثرواتها ومواردها بالدعم والحماية والتسهيلات الحكومية خلال الـ30 عاماً الماضية، وبالإصلاح الضريبي واعتماد الضريبة التصاعدية المعمول بها في كافة الدول الرأسمالية، وتوظيف وتنمية مستردات لجنة التمكين؛ راهن رئيس الوزراء على الخارج، وموقف تفاوضي لا ينسجم مع إرادة الشعب، سواء في الاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين، أو في مفاوضات إسقاط العقوبات وقائمة الإرهاب مع أمريكا. وزاد: داخلياً تهرّبت السياسات وخلال هذه المُوازنة أيضاً من توجه سيطرة الدولة على القطاعات الحيوية في قطاعات الثروات المعدنية، والاتّصالات، والتكتُّلات المالية والتجارية لنخب القطاع الأمني والعسكري، وعدم الجدية في مكافحة التهريب، وإنشاء البورصات، وشركات المُساهمة العامة, ونجم عن هذه السياسات التي تُشكِّل امتدادا لسياسات النظام المباد، اعتماد الموازنة على المنح والهبات، ووعود الدائنين، وتحميل الفقراء والكادحين والمُنتجين الصغار أعباء الإصلاح والإنفاق. ومن أجل ذلك  تم تحويل السلع الأساسية، عالية الطلب إلى مصادر لتمويل عجز الموازنة بالزيادات المستمرة لأسعار المحروقات والكهرباء والخبز، بعنوان رفع الدعم وبحجة عجز الموازنة, إضافةً الى التوسع في الاستدانة.

تضاعف المُعاناة

وأضاف عادل بأنّ الممارسة أكدت أن ما تم لن يحل عجز الموازنة، بل يُفاقم مُعاناة السواد الأعظم من الشعب والمنتجين والباحثين عن العمل، وتدهور خدمات الصحة والتعليم والإعداد المائي والكهربائي.

 سيناريوهات سيئة

وتوقع تراجع الإيرادات وتضخم الإنفاق جراء الفساد  والمحسوبية، وتهريب المعادن والنقد الأجنبي، والترهُّل الوظيفي، وتراجع إيرادات الضرائب والجمارك، وعدم الاستعداد لتحقيق مفهومي الاقتصاد الواحد، والخزانة الواحدة، وولاية وزارة المالية على الإيرادات العامة، ومكافحة الفساد القديم والجديد بالحوكمة والشمول المالي, وجزم بأنه لا مناص للموازنة من التوسع في الاستدانة (طبع النقود دون مقابل سلعي أو غطاء نقدي)، وزيادة أسعار السلع، والتي لن تتوقّف في حدود زيادة تعرفة الكهرباء والخبز, ولذلك من غير المنظور الحصول على دعم، وبمقدار عجز الموازنة التي تفتقر إلى المرجعيات وإلى مجلس وزراء لاعتمادها، ومؤسسة تشريعية لإجازتها كقانون مالي. وحذّر من خُطورة زيادة أسعار الكهرباء والخبز بنسبة أقلها  115% “أكثر من الضعف”. وأوضح أهمية وضع الخُطط والبرامج وتوظيف الموارد والعدالة في توزيعها, وانتقد عدم قيام بورصات الذهب والمحاصيل وإعادة تأهيل شركات المساهمة العامة والقطاع التعاوني وهي مرتكزات أساسية, بجانب عدم مقدرة الحكومة على أيلولة الشركات الأمنية والعسكرية والتي تُسيطر على قطاع التجارة الداخلية والخارجية, وأكثر من 70% من الذهب المنتج يُهرّب  الى الخارج ولا يسهم في تعزيز احتياطات البلاد من النقد الأجنبي, واضاف ان الموازنة حمّلت الفئات الأكثر نشاطاً وفوائض مالية  أعباء الإصلاح الاقتصادي ودعم الإيرادات العامة بقدر ما تحققه من مكاسب ومصالح.

اختلاف وجهات النظر

هناك فئة كبيرة من الخبراء في المجال الاقتصادي يعتقدون في رأيهم بأن الموازنة في شكلها النهائي لها تأثير مباشر على القطاعات الاقتصادية وهي موازنة لا تخدم الاقتصاد السوداني المنهار أصلاً في ظل الاتجاه نحو استكمال رفع الدعم عن المحروقات والقمح والكهرباء.

إيقاف الهدر

ويرى الخبير الاقتصادي  طارق عوض أن استكمال رفع الدعم عن المحروقات والقمح والوقود خطوة في الاتجاه الصحيح في الوقت الراهن للاقتصاد السوداني لأسباب كثيرة, منها إيقاف الهدر وإصلاح موازنة الدولة وتوجيه الدعم للفئات التي تستحقه بشكل سليم, بمعنى الوضع الحالي يجعل توفير الوقود في السودان شبه مجاني وخاصة للمقتدرين, وهذا الأمر لا يوجد في العالم وهي ممارسة غير سليمة وبالتأكيد مثل هذا النوع من الإجراء له سلبيات وإيجابيات, ومن السلبيات للفئة التي كانت تستفيد سوف تواجه نوعاً من الصعوبات لكي تتأقلم  على الإجراءات في ظل غياب الدعم الحكومي لهذه السلع, وعلى الدولة بدلاً من تقديم دعم نقدي أن تدعم المواصلات العامة والتعليم والصحة هو الأجدى, وبالتالي لا يتأثر معظم المواطنين خاصة الأقل دخلاً, أما قرار رفع الدعم عن المحروقات من ناحية إيجابيات تتمثل في إيقاف تهريب الوقود الى الخارج.

ثبات الأسعار

بعض التوقعات اشارت الى ان واردات السودان سوف تشهد تحولاً غير مسبوق, خَاصّةً في جوانب الوقود والسيارات وقطع الغيار وكافة الأشياء المتعلقة بالسيارات, الى جانب انخفاض اسعارها وخاصة التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود سوف تكون غير مرغوبة في الأسواق السودانية، وتلك الإجراءات  تؤدي الى سحب السيولة من الأسواق من المستفيدين وتثبيت سعر التضخم عند حد معقول, بالإضافة الى ثبات الاسعار بشكل عام, والقرار اقتصادياً سليم جداً, بل يمكن للحكومة في الفترة القادمة وضع ضريبة إضافية على البنزين وتوجيهه الى دعم الصادرات وخاصة بناء المسالخ وتهيئة البيئة العلاجية والمستشفيات.

عدم مقدرة الدولة

حملت بعض الآراء بأن الحديث عن استكمال رفع الدعم الحكومي لم يأت بجديد والذين يتحدثون عنه هم نفس الأشخاص والعقلية للنظام البائد, فالوقود عالمياً تتناقص أسعاره لكن في السودان في زيادة نتيجة خلل واحتكار في السوق وانعدام المنافسة الحقيقية وحسب توجه النظام الرأسمالى او التحرير الاقتصادي لضبط السوق وهذه سياسة الدولة في النظام السابق ولم تستطع التغلب عليه من أجل مصلحتها, أما الحديث عن تحسين الأجور وزيادة المرتبات وغيرها, هناك أموال كثيرة ظهرت أعلنت عنها لجنة إزالة التمكين انها تم استردادها الى الخزينة العامة, ولكن للأسف مصيرها غير معلوم!! وكان الأجدى أن يتم توظيفها نحو الإنتاج وتطوير الصادرات والنقد الإجنبي.

موازنة طموحة

هذا الرأي تبنّاه الخبراء الذين يرون أن الموازنة إيجابية تصب لصالح الفقراء ومحدودي الدخل, وفي المقابل حملت بشريات للعاملين بالدولة.

-مخاض عسير

تأتي الموازنة في ظروف استثنائية والبلاد تمر بمرحلة حكم انتقالية جديدة, وتُواجه بكثيرٍ من التحديات في سبيل تحقيق إصلاح سياسي واقتصادي شامل ومعالجة التشوهات التي أحدثها النظام السابق.

رفض الشارع

من الطبيعي بأن كل جديد يُواجه بالرفض وعدم القبول في أوساط المجتمعات والقرارات التي حوتها الموازنة, اجمع الشارع العام على رفضها كُلِيّةً, وذهب معهم في الاتّجاه عددٌ من الأحزاب الموالية للحكومة والمشاركة في قوى الحرية والتغيير أيضاً.

من الطبيعي, أي شعب او مواطن يرفض زيادة سلعة خاصة وإن كانت هذه السلعة مهمة، ولنكون على الحياد تلك السياسة  تتبعها بعض الدول النامية ولديها آثار إيجابية خاصة على المواطنين أصحاب الدخل المحدود، جهة أن يعمل على إعادة توزيع الدخول من الأغنياء للفقراء.

هُناك سؤالٌ جوهريٌّ مطروحٌ حول لمَن تُضع الموازنة؟ والإجابة قطعاً للمواطن البسيط لتوفير السلع الأساسية والمعيشيّة, ولكن المواطن بات مطحوناً بين مطرقة التضخم وسندان رفع الأسعار بواسطة الفئات الأخرى التي يتعامل معها، فرفع الدعم في المقام الأول انطباعه نفسي, فأي شخص يتم إخباره برفع الدعم أو زيادة سعر سلعة يكون انطباعه الأول بأن معاشه بات مهدداً وتحت رحمة التجار ويقوم برفض هذا الاتجاه!!

واجمع عدد من المواطنين رفضهم التام لخيار رفع الدعم عن المشتقات البترولية “البنزين والجازولين”، والأخير لأن كافة وسائل المواصلات العام تعتمد عليه بشكل تام لنقل وترحيل السلع والبضائع, وبالتالي سيؤثر في رفع أسعار وتكلفة الترحيل وزيادة أسعار السلع.

موافقة بشروط

بعض المتحدثين, أكّدوا أنّ الأمر برمته خارج اهتمامهم سواء تم رفع الدعم أو الإبقاء عليه بقدر ما يهمهم ضمان تسهيل المعيشة وتوفير العلاج والتعليم بأقل تكاليف ممكنة, وأشاروا إلى أنهم طُحنوا بالغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة لمستويات غير مسبوقة رغم حديث الحكومة عن الدعم السلعي.

ودعا رأي اقتصادي آخر الى اتخاذ بدائل وتبني برنامج إنتاجي ضخم لزيادة الصادرات وجلب عُملات حُرة تسهم في إعادة التوازن الاقتصادي عبر ضوابط مُشَدّدَة ومُحاربة التهريب بشدة مع إنزال عقوبات رادعة، وتحقيق مجانية العلاج والتعليم, وضبط السوق والرقابة الصارمة من الجهات المختصة على السلع وأسعارها وصادر الماشية والذهب والصمغ العربي والمحاصيل النقدية ذات القيمة العالية في الأسواق العالمية وعدم تصديرها كمواد خام وتشجيع الإنتاج المحلي لتغطية حاجة الاستهلاك داخلياً ورفع حجم الصادرات.

 

 

Exit mobile version