الاقتصاد بعُيُون خُبراء.. رفع العقوبات الاقتصادية.. المكاسب والخسائر

الخرطوم: رشا التوم

وَاجَه الاقتصاد السُّوداني, معضلات كبيرة إبان فترة فرض الحظر الأمريكي, وعاش إنسان السودان تحت قيود وضغوط معيشية صعبة نتيجةً لتوقف الدعم والمنح والقروض من المجتمع الدولي وبيوتات التمويل العالمية.

وعقب ثورة ديسمبر المجيدة، حدث تحولٌ كبيرٌ في العلاقات بين السودان والعالم, وبجهود دبلوماسية كبيرة تم تغيير واختراق في المجتمع الدولي، والذي بدوره قبل الانفتاح والقبول على السودان مرة أخرى، والوقوف إلى جانب السودان لتجاوز تحدياته، ودعم عملية الإصلاح الاقتصادي، ودعم عملية السلام عقب سنين المقاطعة، وتم التنسيق على كافة الأصعدة والمستويين الداخلي والخارجي من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال قروض ومنح لإقامة مشروعات تدعم عملية النمو الاقتصادي الشامل.

ولكن يظل السؤال قائماً، ماذا كسب السودان من اكتمال رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة، وماذا حقق الاقتصاد من مكاسب، وهل ساهمت إجراءات الـ٢٥ أكتوبر الماضي في تراجع الانفتاح على السودان, وما هو موقف المجتمع الدولي من السودان وما إمكانية عودة تدفق المنح والقروض والودائع للسودان وهل من فرصة أخرى…؟

أكد الخبير الاقتصادي عز الدين إبراهيم، أن اكتمال رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان ومنها قائمة الإرهاب كانت خطوة مهمة وتعد نوعاً من المكاسب نتيجة ثورة ديسمبر المجيدة.

وقال عز الدين لـ”الصيحة” إن أحد أهم الآثار لرفع العقوبات عن السودان تلك الوعود من المُجتمع الدولي بالمُساعدات المالية خلال فترة الحكومة الانتقالية، وجزم بأنّ المُساعدات المذكورة تشهد توقفاً حالياً عقب إجراءات ما بعد ٢٥ ديسمبر  وتم اقترانها بشروط واجبة التنفيذ، منها اكتمال هياكل الحكم، وأضاف أن الغرب ينظر إلى حكومة الفترة الانتقالية بأنها مهددة وهي دولة غير مكتملة الأركان, ودعا عز الدين إلى الإسراع في بناء هياكل الحكم وصولاً للانتخابات، منوهاً إلى عقد العديد من المؤتمرات من قِبل أصدقاء السودان وعلى إثرها تم ضخ مبالغ مالية ولكنها قليلة بالنسبة للوعود المليارية واحتياجات السودان، وعزا توقف المُساعدات المالية لعدم وجود مجلس تشريعي يُراقب الحكومة، وبالتالي الأموال الوافدة والاستثمارات الأجنبية، ورهن استمرارية تدفقها بالاستقرار الداخلي في البلاد، وأشار إلى إغلاق الشرق وبيع شركة زين, واستمرار المظاهرات وإغلاق الشوارع, وأضاف كل هذه الأشياء مشكلات طال حلها, ويجب أن تأخذ الدولة مسألة إيجاد الحلول لها من ضمن الأولويات, خاصةً عقب مرور ثلاثة أعوام على الثورة، وأقرّ بوجود خلل وإشكالات في عدم توافر الكهرباء وتوقف العمل بالمصانع والركود الاقتصادي, كما أثر على العملية الإنتاجية، وأردف أن القلاقل السياسيّة لها ثمن ولا بد من سرعة الحسم لضمان انسياب حركه الاقتصاد، منوهاً إلى التهديدات في مجال الإنتاج والزراعة والري، وأضاف ان غياب السياسيين الذين يضعون السياسات الصحيحة هي المشكلة الأساسية، ورهن استمرار المعونات الخارجية بالاستقرار السياسي في البلاد.

ومن ناحيته, دمغ الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم, حكومة الفترة الانتقالية بالفشل الذريع في الملف الاقتصادي، وأكد أنه عند تسلمها مقاليد الحكم كان سعر الدولار بواقع ٦٠ جنيهاً ووصل اليوم ٤٦٠ جنيهاً, وكان التضخم في حدود ٥٠٪ ووصل اليوم الى ٤٥٠٪!! واعتبر المساعدات المالية التي ظهرت مطلع العام كان لها دور إيجابي في توفير القمح والعملة الحرة لتسيير أمور البلاد، ووصم موقف الحكومة بعدم الوقوف مع السياسات والإجراءات التي اقترحها وزير المالية الأسبق دكتور إبراهيم البدوي بأنه ادخل الاقتصاد مرحلة حرجة، وأوضح عادل أن سعر الدولار في ظل إغلاق جائحة كورونا في حدود ١٣٠ جنيهاً وبدأ الارتفاع عند قيام الحكومة بشراء ٣٦٠ مليون دولار لسدادها غرامة لأمريكا في حادثة تفجير السفارتين في نيروبي والبارجة الأمريكية في اليمن، مما أدى إلى ارتفاع الدولار من ١٣٠ الى ٢٧٠ جنيهاً, وذكر بأن الأموال التي تم سدادها دفعت أمريكا على دفع مبلغ مليار دولار كقروض تجسيرية لصندوق النقد الدولي لرفع الحصار عن السودان، وشجع أيضاً كلاً من بريطانيا والنرويج وألمانيا الدفع بمساعدات للسودان، وبدأ عدد من الدول في إعفاء ديونها، ولفت إلى أن وزير المالية د. جبريل ابراهيم قام بخطوات جريئة وإصلاحات جيدة من خلال تحرير سعر الصرف وهو برنامج جيد حقق حوالي ٧٠٠ مليون دولار خلال ٥ أشهر فقط, تم تحويلها عبر بنك السودان المركزي مما ساهم في استقرار سعر الدولار في الأشهر الأخيرة، فضلاً عن سياسة تحرير سعر الوقود الذي عمل على توفير موارد مالية للحكومة وبالتالي خفف من عجز الموازنة, مشيراً إلى تحرير سعر الدولار الجمركي يونيو الماضي والذي بدوره ساهم في توفير إيرادات كبيرة للموازنة وتحقيق فائض وتغطية بنود الموازنة العامة للدولة، ورجع عادل وقال مازلنا نواجه ارتفاع التضخم والدولار وتلاشي قيمه الجنيه السوداني، ونبه إلى أن سعر الدولار مقوماً بالقوة الشرائية بما يعادل ١٥٠٠ جنيه, وحذر عادل من فقدان البلاد مبلغ ٣ مليارات دولار في العام ٢٠٢٢م كفاقد من قروض البنك الدولي وبرنامج ثمرات وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي، وتَوَقّع عدم انسياب القروض والمنح عقب الإجراءات الأخيرة, وقال إن السيطرة على المجريات الاقتصادية في السودان مازالت مُمكنة لامتلاك البلاد إمكانيات كبيرة, منها الذهب والذي مازال تهريبه إلى الخارج مستمراً، بجانب صادر السمسم والصمغ العربي, ودعا إلى زيادة الإنتاج وتحقيق القيمة المُضافة لتغطية عجز الموازنة, مطالباً باتباع سياسة وقف استيراد السلع الكمالية وتوجيه الموارد نحو السلع الأساسية لضمان سير البلاد في الاتجاه الصحيح, وقلل من تراجع الإيرادات الجمركية, وطرح حل إمكانية التمويل بالعجز نتيجة ثبات سعر الصرف واتباع إجراءات داخلية لمحاربة التضخم, وشدد على ضرورة كبح جماح البنوك، معلناً أن عرض النقود في أكتوبر الماضي وصل ٢.٩ تريليون دولار مقارنة بعرض نقود ٩٦ مليون دولار في العام ٢٠١٨م حسب بنك السودان المركزي، وزاد بأنه في يد الحكومة السيطرة على الموارد، وناشد الحكومة باتخاذ خطوة إعادة صرف المرتبات عبر الخزن الحكومية في المؤسسات والهيئات بدلا من البنوك، لأن تلك الأموال تُوجّه للتجارة والمضاربة وليست نحو الاقتصاد الإنتاجي، ولتحقيق الاستقرار النقدي لا بُدّ من دعم البنك المركزي للقطاعات الإنتاجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى