الحكومة القادمة.. تحدياتٌ في الانتظار

الخرطوم: سارة إبراهيم

رسم خبراء ومتابعون للشأن الاقتصادي صورة قائمة لمآلات الأوضاع الاقتصادية في البلاد, وأجمعوا على عدم وجود رؤية اقتصادية واضحة للإصلاح للفترة الانتقالية, وقالوا إن ما يحدث الآن ليست صدفة انما مخطط يُساق اليه السودان بواسطة جهات داخلية بدلاً من أن تساعد الدولة على النهوض تؤجج الصراع.

“الصيحة” استنطقت عدداً من الخبراء عن مآلات الأوضاع الاقتصادية وما ينتظر حكومة الكفاءات التي تأخّر تشكيلها كثيراً…

في ذات السياق, رسم  الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي,  صورة قائمة للأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد, وقال ان الأمر يزداد قتامة يوما بعد يوم, مشيراً إلى المآلات الاقتصادية والسياسية والأمنية في السودان, وقال عاد حمدوك إلى موقعه وليست لديه أي أطروحات جديدة للحد من التدهور الحالي. ولفت في حديثه لـ”الصيحة” إلى جهات لم يسمها بأنها تُؤجِّج الشارع وهذا صب الجاز على النار المشتعلة أصلاً,  وقال إن الدول المانحة لا تمد يد العون وإنما تجتهد في التهديد والوعيد بدلاً من تقديم الحلول الاقتصادية, بجانب عجز  القائمين عن الحل الجذري للمشاكل الراهنة, وقال إن الأمر ينذر بأزمة حقيقية في كافة القطاعات خاصةً في ظل عدم توفر قطع غيار المصانع التي توقّف منها أكثر من ٨٥% في المنطقة الصناعية وعدم توفر ومدخلات الإنتاج.

وقال سبق وأن حذّرنا من دخول السودان في ضائقة  اقتصادية تؤدي به إلى الانهيار الاقتصادي التام تضع الأمم المتحدة يدها على السودان حتى البند السابع بأنه دولة فاشلة, وأخشى ان يكون هذا هو المخطط الذي يُساق اليه السودان,  لانه لا يمكن أن تظل الحكومة الانتقالية  عاجزة على مدى ثلاثة اعوام رغم الامكانات التي يتمتع بها السودان التي تكفي قارة, وأصبحت الدول الغربية في خانة المتفرج, بل تحرك الخيوط من الداخل وهي لم تقدم اي شيء! وقال: أين نتائج مؤتمر باريس وألمانيا واصدقاء السودان والعون العربي الذي أوقف بأمر من الدول الغربية  بأن يترك  السودان حتى ينضب معينه وينهار اقتصادياً، في اعتقادي هذا لا يحدث صدفةً, وإنما مخطط يُساق اليه السودان بواسطة جهات داخلية بدلاً من ان تساعد الدولة على النهوض تؤجج الصراع, وأشار الرمادي إلى ارتفاع معدلات التضخم التي تجاوزت الـ٤٥٠% والتي وصفه بأنه مخل ومدمر فلماذا لن ترى المنظمات العالمية هذا الخلل والتشوه  ورأت  أن الدعم تشوه في الاقتصاد, وقال إن الدعم كان اخف ضرراً بالاقتصاد والأخطر منه التهريب الذي يمثل نزيفاً للاقتصاد ولم يسع أحدٌ من المسؤولين لمعالجته، إضافةً إلى الفساد وغيرها من المشاكل. وبعد الركود الاقتصادي دخلنا مرحلة الكساد الاقتصادي  لضعف القوة الشرائية لرواتب الموظفين التي تضاءلت خلال عام, من ديسمبر الماضي إلى الآن فَقدَ الجنيه السوداني ٤ أخماس قيمته الشرائية بمعنى أنه فَقدَ ٨٠% من قيمته وتبقى ٢٠%, فإن فئة الـ١٠٠ جنيه أصبحت تعادل ٢٠ جنيهاً حالياً لفقدها ٨٠% من القوة الشرائية جراء التضخم,  وقال إن الاقتصاد وصل مرحلة لا بد من تلافيها  فوراً وبتحرك سريع من أُولي الأمر والمرحلة المقبلة هي مرحلة عجز الدولة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها وبهذا يتم تصنيفها بأنها دولة فاشلة, والآن نحن وصلنا هذه المرحلة لأن المواطنين لا تكفيهم دخولهم لإعالة أطفالهم وعجزت الدولة عن توفير الأمن الذي يعاني من هشاشة واضحة, واذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه الآن فنحن مقبلون على أسوأ  مرحلة في تاريخ السودان.

ومن جهته, اشار استاذ الاقتصاد بجامعة المغتربين د. محمد الناير إلى التحديات التي تواجه حكومة حمدوك, وقال ان قصر الفترة الانتقالية والتي قد تهدد إكمال مهامها,  واضاف أن حمدوك تحدث عن برنامج اقتصادي قصير المدى يتم تنفيذه خلال عام ونصف عام، لا يبدو أنها ستكون كافية. مشدداً على أهمية أن يضع رئيس الوزراء برنامجاً قصير المدى وآخر متوسطاً وطويل المدى يستمر لما بعد الفترة الانتقالية لجهة ضرورة البدء فيه منذ الآن وإكماله لاحقاً، ولفت الناير في حديثه لـ(الصيحة) إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني والتعقيدات الداخلية في السودان وفي دول جواره التي عقدت المشهد الاقتصادي، خاصةً في حال عدم عودة المجتمع الدولي بالسُّرعة المطلوبة للسودان في ظل تعقيدات ما بعد الانقلاب, مُحمِّلاً المجتمع الدولي مسؤولية ما حدث في السودان وصولاً للانقلاب، لافتاً إلى أن السودان مَضَى بشكلٍ جادٍ في الإيفاء بالتزاماته تجاه المجتمع الدولي والذي سبّب صعوبات اقتصادية كبيرة للمواطنين استخدمها العسكريون لاحقاً لتبرير الانقلاب، وبالمُقابل, تباطأ المجتمع الدولي في الإيفاء بالتزاماته. وشدد على أن «المجتمع الدولي يتحمّل أيضاً مسؤولية فشل حكومة حمدوك الجديدة في الملف الاقتصادي في حال عدم تحركه بشكل فاعل». ولفت إلى أهمية أن يختار حمدوك الكفاءات الصحيحة في مناصب الوزراء وكذلك ولاة الولايات، باعتبار أن الولايات هي الركيزة الأساسية للاقتصاد، وأنّ الحكومة المركزية مهامها مُرتبطة فقط بوضع السياسات الاقتصادية، بينما النشاط في القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية مرتبط في معظمه بالولايات.

الموازنة

ورأي الناير أن أهم التحديات التي ستواجه حكومة حمدوك هي موازنة 2022 التي يمضي الإعداد لها ببطءٍ شديدٍ، والتي يجب أن تولي مسألة الأجور في القطاع العام اهتماماً كبيراً، نسبة للتضخم الراهن في البلاد، فضلاً عن خلق فرص عمل للشباب الذين يمثلون 60٪ من سكان السودان، وفتح فرص تمويل للمشاريع والمُستثمرين داخل وخارج البلاد. وبيّن أن أولويات الحكومة الانتقالية الاقتصادية على المدى القصير يجب أن تكون استقرار سعر الصرف وخفض معدل التضخم، وإقامة بورصة الذهب للحد من تهريبه، وإيجاد صيغ للتعامل مع المُغتربين ولزيادة الاستثمار الأجنبي وزيادة الصادرات. وعلى المُستويين المتوسط والطويل «زيادة الإنتاج والإنتاجية، تقليل الواردات، الإنتاجية العالية وتقليل عجز الميزان التجاري», مُشدداً على أهمية إيقاف الصَّادر الخام وتطوير الصناعات التحويليّة واقتصاد المعرفة والبحث العلمي.

تصحيح مسار الثورة

ومن جهته, الخبير الاقتصادي محمد علي ان اكبر تحدٍ يواجه الحكومة القادمة هي السلام، الأمن، الاقتصاد والانتخابات ، فهناك ضرورة لوضع ترتيبات أمنية في ملف السلام خاصة باتفاق جوبا، ولا بد من ضم كافة الأطراف السودانية وأن تكون كافة القوى على قلب رجل واحد، خاصةً في ملف الأمن، ويجب العمل على توفير الاستقرار داخل الدولة، فإذا لم يشعر المُواطن بالأمن لن ينتج ولن تكون هناك نهضة في البلاد، أما بالنسبة للملف الاقتصادي فالبلاد حالياً تعيش فترة تدهور وتردٍ في الأوضاع الاقتصادية جراء عدم وجود خُطة تنموية أو برنامج طوال العامين الماضيين, واذا نفذت الحكومة القادمة هذه الملفات بصورة جادة وعلمية ومستقلة لا يستطيع أحد سواء حزب أو تجمع بقطع الطريق أمام الإصلاحات وهذا ما تحتاجه الفترة المقبلة وأن تدار البلاد بكفاءات مُستقلين، فالفترة المقبلة هي البداية الحقيقية للتحول الديمقراطي وهي البداية الحقيقية لتصحيح مسار الثورة السودانية وتشييد مؤسسات الدولة التي انهارت على مدار 60 عاماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى