الاتفاق السياسي الجديد.. تبديل الوثيقة الدستورية والسير نحو تمديد الفترة الانتقالية

 

الخرطوم: محجوب عثمان    11ديسمبر2021م 

ما أن وافق د. عبد الله حمدوك, على العودة الى منصب رئيس الوزراء وتوقيع اتفاق سياسي مع الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان عقب 27 يوماً من الإجراءات التي اتخذها قائد القوات المسلحة العام, والتي اعتبرها هو والمكون العسكري بمجلس السيادة تصحيحاً للمسار, واعتبرتها قوى الحرية والتغيير انقلاباً عسكريا، إلا وانقسمت القوى السياسية التي كانت تمثل الحاضنة السياسية لحمدوك على نفسها, فبعضها رفض جُملةً وتفصيلاً عودة حمدوك واعتبرها دعماً لـ”الانقلاب”, وبعضها اعتبر العودة مدخلاً لإعادة الأوضاع الى ما قبل 25 أكتوبر.

واستمر الجدل حول عودة حمدوك طويلاً ولا يزال مستمراً, إذ أن العودة التي تكمل اليوم 21 يوماً لم يستجد فيها اي جديد لنزع فتيل الأزمة, ولم ينجح حمدوك في إنفاذ وعده بتكوين حكومة كفاءات مستقلة, كما لم ينجح مجلس السيادة في تكوين اي من المؤسسات التي تدير ما تبقى من الفترة الانتقالية, وربما يرجع ذلك الى التعقيدات الدستورية التي فرضتها الوثيقة الدستورية بوضعها نصاً يلزم رئيس الوزراء بالركون إلى قوى الحرية والتغيير لترشيح الوزراء, وهو ما وضع العربة أمام الحصان لتكون كل الإجراءات المطلوبة قرارات مع وقف التنفيذ، ولتصحيح وجهة الحكومة بدأت تلوح في الأفق بوادر لاتفاق سياسي جديد ربما يراه البعض بابًا للخروج من الازمة, فيما يراه آخرون مدخلاً لأزمة جديدة ربما حتمت تمديد الفترة الانتقالية.

الخُروج من المأزق

في محاولة الخروج من مأزق الوثيقة الدستورية والغاء حاضنتها السياسية, برز في المشهد السياسي اتجاه لتوقيع ميثاق سياسي جديد رشحت حوله العديد من الاخبار, بيد ان كنهه لا يزال مجهولاً، لدرجة ان المواقف من الاتفاق هذا ادّت لتفجر الأوضاع داخل عدد من الاحزاب, على رأسها حزب الامة الذي انقسم ما بين مؤيد للمضي قدماً في توقيع اتفاق سياسي جديد يصنع حاضنة جديدة لحمدوك ويشرعن وجوده بعيداً عن قوى الحرية والتغيير, وبين من يرى أن حمدوك نفسه انحاز لوضع انقلابي وأصبح رئيساً لوزراء الانقلاب، لكن ربما مضت الأوضاع على نحو متسارع لخلق الحاضنة الجديدة من عدد كبير من احزاب قوى الحرية والتغيير نفسها بما فيها المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير أو ما تعارف عليه اصطلاحاً باسم “4 طويلة”.

تقنين وضع جديد

ويبدو ان مجلس السيادة بتكوينه الجديد وتكوين مجلس الوزراء قد اصطدم بالوثيقة الدستورية التي ان تم الغاؤها صار ما تم في 25 اكتوبر انقلاباً, وان تم اعتمادها حتمت وجود قوى الحرية والتغيير في المشهد كونها في الأصل وثيقة اعتمدت شراكة بين مكونين أحدهما المجلس العسكري الذي تكون يوم 11 أبريل 2019م, وبين قوى الحرية والتغيير التي ظلت حاضرة في كل مواد الوثيقة.

ويرى الخبير القانوني المحامي ياسر عثمان في حديث لـ(الصيحة) ان الوثيقة الدستورية لا يمكن تعديلها من غير وجود قوى الحرية والتغيير من واقع أنها عقدت لواء تعديلها للمجلس التشريعي او اجتماع لمجلسي السيادة والوزراء في حال غياب المجلس التشريعي, مبينا ان الوثيقة نفسها حتمت ان يتم ترشيح المكون المدني لمجلس السيادة من قوى الحرية والتغيير, وان يتم ترشيح الوزراء من قوى الحرية والتغيير, لافتا الى انه بدون ان يكون هناك مجلس سيادة ومجلس وزراء لا يمكن تعديل الوثيقة الدستورية, وبدون قوى الحرية والتغيير لا يمكن أن يكون هناك مجلس وزراء, وتوقع ان يكون تأخير تكوين الحكومة المستقلة التي أعلن رئيس الوزراء عن تكوينها يرجع الى أن حمدوك ليس من حقه دستورياً ان يأتي بأي وزير دون أن يتم ترشيحه من قوى الحرية والتغيير.. ومضى ياسر بالقول “أتوقع ان يكون هناك طريق ثالث يفرض سياسة الأمر الواقع يسمح بتعديل الوثيقة الدستورية أو تكوين حاضنة جديدة من غالبية قوى الحرية والتغيير ليكون ترشيح الوزراء دستورياً”.

طريق الحل

ويبدو ان حديث المحامي ياسر عن تكوين الحاضنة الجديدة يرجع الى التحركات التي بدأت ترشح حول إعلان سياسي جديد يتوقع التوقيع عليه خلال يوم او يومين, اذ ان القيادي بقوى الحرية والتغيير بشرى الصائم يرى ان الاعلان السياسي الجديد سيكون بديلاً للوثيقة الدستورية ويمثل وثيقة جديدة تكون مرجعيتها ذات الوثيقة الدستورية القديمة ولكن باستصحاب التعديلات التي ادخلت عليها بعد 25 اكتوبر, وقال لـ(الصيحة): “أدخلت على الوثيقة تعديلات كثيرة وجوهرية”, مبينا ان الاحزاب التي تمضي للتوقيع على الاعلان السياسي المرتقب تشمل عددا كبيرا من قوى الحرية والتغيير, منها كل قوى الميثاق الوطني الموقع بقاعة الصداقة, فضلاً عن جميع القوى التي التقت رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك عقب توقيع اتفاق “البرهان ــ حمدوك” ويشمل كل الأحزاب عدا المؤتمر الوطني بما فيها الاحزاب الإسلامية واحزاب الحوار التي شاركت المؤتمر الوطني في الحكومة حتى سقوطه, وأضاف “هذه ستكون بمثابة القاعدة العريضة التي ظل الفريق أول البرهان يتحدث عنها كثيراً”.

معارضة متوقعة

وتوقع بشرى الصائم ان يُواجه الاتفاق السياسي المزمع توقيعه بمُعارضة شديدة خَاصّةً من قِبل الثوار ولجان المقاومة وتجمع المهنيين والحزب الشيوعي كونه سيأتي بما يخالف رؤاهم, فضلاً عن معارضة المجتمع الدولي له, خاصّةً وأنّ المجتمع الدولي حتى الآن ينحاز للشارع السوداني وبالتأكيد سيواصل الانحياز للشارع.

تميد متوقع

لفت بشرى الصائم الى نقطة جوهرية في المشهد السياسي الآن, موضحاً ان الوقت يمضي نحو نهاية محددة للفترة الانتقالية, غير انها غير كافية لإنجاز المهام, وأشار الى أن المتبقي فقط 16 شهراً, وقال “هم يتحدثون عن 18 شهراً ولكن عملياً مضى منها شهران”, مبيناً أن الفترة المتبقة لن تكون كافية لإنجاز مهام الفترة الانتقالية التي تتطلب أولاً أن يكون هناك مجلس تشريعي ومجلس وزراء وولاة يكونوا ملزمين بإنجاز مهام محددة تتمثل في تكوين المؤسسات الانتقالية وتهيئة الأوضاع للانتخابات, وقال “عملياً لم يتم إنجاز أي من مهام الانتقال خلال السنتين الماضيتين”, وأضاف “أنا متأكد من أنه سيتم تمديد الفترة الانتقالية”, مستدلاً على ذلك بقياس الفترة المتبقية من عُمر الفترة الانتقالية مع المهام التي يتطلب إنجازها والمتمثلة في تكوين مؤسسات الحكم وإكمال المنظومة العدلية, فضلاً عن تكوين المفوضيات بما فيها مفوضية الانتخابات التي ينعقد عليها الكثير من المهام بدءاً من إحصاء الناخبين وإعداد السجل الانتخابي وتهيئة الأوضاع للانتخابات.

خروج

ربما يرى كثيرون أن الاتفاق السياسي سيكون مخرجاً للأزمة السياسية, لكن يتوقف ذلك بدعم محتواه من كثير من القوى السياسية, اذ يرى مراقبون أن الاتفاق السياسي الجديد حال جاء بنقاط واضحة حدّدت مهام الفترة الانتقالية والجداول الزمنية لإنجازها بدقة ووجود جهة تكون بمثابة المحكمين عند نشوء اي نزاع بين المكونيْن العسكري والمدني, وأن تكون مرجعية لحل الخلافات حال حدوثها لضمان عدم الانقلاب عليها مرةً أُخرى فإنه ربما يجد القبول نوعاً ما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى