التجمُّع الاتحادي على خط الأزمة بطرح الحوار حول الجيش والسياسة

 

الخرطوم- الطيب محمد خير     6ديسمبر2021م 

اطلق رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي بابكر فيصل، على نحو مفاجئ دعوة لإجراء حوار وطني شامل شفاف لمناقشة علاقة الجيش بالسياسة بمشاركة كل فئات الشعب والجيش، معتبراً الحكومات العسكرية هي السبب الوحيد الثابت في التدهور منذ استقلال عام (1956), وغير أن هذه الدعوة لم تمر في الأوساط السياسية مرور الكرام, إذ دار حولها لغطٌ كبيرٌ من خلال قراءتها بتفسيرات متعددة الوجوه لمعرفة الهدف منها.

وتأتي دعوة رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي بابكر فيصل مُتزامنةً مع ترتيبات تجريها قوى الحرية والتغيير بمشاركة كل القوى الثورية لطرح رؤية سياسية جديدة لحكم مدني خلال الايام القادمة تتضمن إصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية وتنفيذ الترتيبات الأمنية وصولًا لجيش واحد وولاية وزارة المالية على المال العام.

فيما ظلت قيادة الاحتجاجات الشبابية ممثلة في لجان المقاومة مستقلة تتمسك بموقفها الرافض بإجراء أي تفاوض أو شراكة أو مساومة مع قادة الجيش، تُطالب بحكم مدني تُخضع فيه القوات النظامية للحكومة المدنية.

ظلّت الدولة السودانية منذ مطلع الاستقلال تدور في فلك ما عُرف اصطلاحاً في السياسة السودانية بالدائرة الخبيثة, حكم ديمقراطي يعقبه حكم عسكري, ويتفق الجميع أكاديميين ومحللين وسياسيين على الرغم من ازدحام الساحة السياسية السودانية بأعداد كبيرة من الأحزاب والتشكيلات السياسية إلا أن هذه الأحزاب لا تؤمن بالديمقراطية داخلها، إذ تتميز بخلود الزعماء الذين في غالبيتهم من قيادات الطرق الصوفية أو المفكرين, وبالتالي أصبح ليست لديها القدرة على بناء مؤسسات ترعى وتديم الديمقراطية.

واللافت أن هذه الأحزاب تؤمن بالتنافس الانتخابي للوصول الى مواقع إدارة الدولة, لكن هذه الأحزاب بعد إعلان نتيجة الانتخابات دائماً تلجأ لخلق تحالفات وتكتلات لتشكيل الحكومة نتيجةً لعدم حصولها على الأغلبية الكافية في البرلمان لتشكيل حكومة, غير ان هذه التحالفات لا تقوم على تقارب في البرامج الحزبية، وظلّت الهشاشة وعدم المقدرة في الاستمرارية هي  العلامة البارزة في هذه التحالفات, مما يؤدي لتشكيل حكومات ضعيفة وغير منسجمة, ولا تتمكّن الحكومات بأحزابها المؤتلفة في كثير من الأحيان من تنفيذ برامجها المعلنة أو شعاراتها بسبب تقاطع مصالح الأحزاب المؤتلفة حول القضايا الخلافية الأساسية وهي توزيع الثروة, العلاقة بين المركز والإقليم, العلاقات الخارجية, الملفات الاقتصادية والخدمية, والمعروف لدى علماء السياسة أن المؤسسات الديمقراطية الضعيفة توفر فرصة للسياسيين الانتهازيين التلاعُب بالجيش، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعل الدولة السودانية غير قادرة على الخروج من هذه الدائرة.

قال د. عبد الحميد موسى كاشا “للصيحة” من الصعوبة بمكان تحييد الأجهزة الأمنية من ارتباطها بالسيادة مثل عدم إمكانية الاستغناء عن المؤسسة العسكرية في جانب تأمين البلاد، لكن يمكن تحديد مهام الأجهزة الأمنية من خلال تفصيلها بقوانين ودستور وتحديد نقاط حدود صلاحية كل طرف وهذا يكون في إطار ميثاق يلتزم به الجميع لقطع الطريق امام المغامرين الذين يستولون على السلطة بقوة السلاح وهؤلاء ليسوا في السودان وحده, وإنما في كل دول العالم الثالث وتحت حجة تعقيدات سياسية أو أمنية واقتصادية أو مرتبطة بأمور تؤثر في استمرارية ونهضة الدولة نفسها.

وأضاف كاشا: بالضرورة أن يتم التدرج في الصعود لقمة هرم السلطة بطريقة ينظمها دستور وقانون انتخابي ديمقراطي متفق عليه من الجميع قوى سياسية وعسكرية, لكن ارى في دول العالم الثالث ونحن جزء منها لم تصل بعد لمرحلة النضوج الفكري السياسي الواسع باستراتيجية معينة لتفادي الانزلاق للصراعات سواء داخلية بين القوى السياسية أو صراعات لها ارتباطات خارجية تديرها قوى خارجية, فإن لم يفطن الجميع لسد ثغرة هذه الصراعات سيظلون يدورون في فلك الدائرة الخبيثة “ديمقراطية, انقلاب, عسكري” ولن يتم الخروج منها.

وأشار كاشا إلى أن السودان منذ فجر الاستقلال عام (1956) لم يُخضع لإدارة نظام حكم مدني كامل, لأن كل تجارب الحكم التي تمت في الحقبة الماضية تجدها خاضعةً لتقلُّبات السياسة المرتبطة بالنظم العسكرية, والسبب المباشر في ذلك لعدم مقدرة وعجز السياسيين السودانيين على التراضي لنظام حكم واضح للسودان, ويظل السؤال قائماً كيف يُحكم السودان ما لم يتم هذا التراضي والاتفاق على نظام تداول سلمي للسلطة عبر ميثاق مُلزم للجميع يحدد مهام كل مؤسسة حزبية أو مدنية أو أمنية وحدود كل منها في المساهمة في نماء وتطور السودان, لكن المُغالطات التي تتم بالجدل حول هذه حكومة مدنية وعسكرية, سيظل السودان في لب الدائرة الخبيثة ولن يخرج منها في المدي القريب لأنّ الصيغة المستمرة الآن لن تفضي لاستقرار، ولا بد من الجلوس لإعادة النظر في كيف يحكم السودان برؤية وتفكير جديد مُغاير لكل ما مضى.

ويرى المحلل السياسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة المشرق د. عبد اللطيف محمد سعيد، أن الدعوة التي طرحها رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الاتحادي بابكر فيصل بإدارة حوار وطني شامل شفاف لمناقشة علاقة الجيش بالسياسة بمُشاركة كل فئات الشعب والجيش لا تمثل كل أطراف مكونات التجمع الاتحادي في وقت تتمسك فيه كثير من أطراف التجمع برفضها بعدم التفاوض.

وأشار د. عبد اللطيف الى انعقاد العديد من الاجتماعات, شارك فيها الكثير من القوى السياسية المشاركة في الحكومة السابقة, واكدت على رفضها لأي تفاوض، لكن الدعوة التي أطلقها بابكر فيصل يمكن تكون بمثابة اختراق في جدار التمترس والتخندق في مربع الرفض, وقال انه لا يتوقّع أن تتم الاستجابة لمثل هذه الدعوة, طالما هناك أغلبية رافضة وتترس في الطرقات وتعبئ الشباب للتظاهر.

وأضاف عبد اللطيف: في نفس الوقت من الصعوبة بمكان تحييد المكون العسكري الذي لعب دوراً أساسياً في التغيير بانحيازه لجانب الثورة وعزله للبشير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى