صلاح الدين عووضة يكتب : سارة!!

 

ماتت نوال..

ومن قبلها ماتت ملهمة العقاد..

والعقاد هذا قاسمٌ مشتركٌ (أحقد) للمتوفيتين هاتين..

فهو حقد على نوال جراء هجومها المتواصل عليه – مع حقدٍ أسود – بلا سبب..

أو هو سببٌ من صنع خيالها هي..

فقد حسبته يكره كل النساء في شخصها؛ أو يكرههن جميعاً بدافعٍ من كرهه لها..

 

بينما هو – في حقيقة الأمر – لا كرهها هي… ولا كره النساء..

ومن قبلها حقد على سارة لأنها فضلت على صالونه ذي الثقافة صوالين التفاهة..

هكذا نظر إلى الأمر؛ وإلى ستوديوهات السينما..

كانت حبه الوحيد… وألهمته روايته الوحيدة… وكان يظن نفسه في حياتها الأوحد..

والرواية هي (سارة)؛ وسارة هي مديحة يسري..

وألهمته – أيضاً – بعض أعذب قصائده منها (شذى زهر) التي ترنم بها الكابلي..

 

ماتت عن عمر قارب المئة عام..

وكانت تعشقه… ولكنها عشقت السينما أكثر… فمضت في طريقها..

وكان هو يعشقها… ولكنه عشق كبرياءه الرجولي أكثر… فمضى في طريقه..

وطلب من صديق له – رسام – أن يُبدع له تورتة جميلة..

وعندما أتمها قال له الآن لا ينقصها سوى صراصير تمشي عليها… ومن حولها..

 

ودهِش الرسام؛ ولكنه رسم (أقبح) حشرة… على (أجمل) وجه..

ورمزت التورتة لسارة… والصراصير إلى (عالم) السينما..

فهو عالم قد يدنس جمال المرأة… جرياً وراء جميل الأفلام..

ولم يثق العقاد في امرأة بعدها… ولم يعشق… ولم يتزوج؛ فسُمي عدو المرأة..

ولكنه لم يكره المرأة… وإنما لم ينشغل بها… لم يُعرها اهتماماً..

 

أسقطها من حياته؛ وكرس حياته هذه للأدب… والنقد… والفلسفة… وطه حسين..

فقد بلغت الغيرة بينه وبين عميد الأدب العربي هذا حد الكره..

كان قاسياً في التصدي لكل من يتعرض له عدا واحدة… هي نوال السعداوي..

ترفع عن تشريفها بسطر… حتى وإن كان نقداً لاذعاً..

ولكنه فعل – كلاماً – عندما سأله صحفي عن رأيه في وصف نوال له بعدو المرأة..

 

قال (ودي إيه علاقتها بالمرأة أصلاً؟)… ولم يزد..

بيد أنه كان كلاماً بألف سطر ناقد… وخلاصته – الساخرة – إنها تفتقر إلى الأنوثة..

كان يرى أن غالب (السعداويات) هن إلى الرجال أقرب..

وهذه حقيقة؛ فأكثر النساء صراخاً بحقوق النساء أبعدهن عن أنوثة النساء..

شيء غريب فعلاً؛ ولكن هذا ما يثبته الواقع..

وحاولت أن (أسودن) نظريته هذه… فوجدتها صحيحة عندنا – هنا – كذلك..

 

وموقفٌ حدث لي مع إحداهن لن أنساه ما حييت..

كنت أهبط درج مبنى إحدى الصحف… فدلفت إلى منعطفٍ معتم عند منتصفه..

وهناك كدت أن أصرخ بعكس الذي صرخ به رسل..

فهذا الفيلسوف البريطاني كان يهبط – يوماً – سلماً في مبنى جامعة كامبريدج..

فسمع عند منعرج فيه صوتاً يترنّم بأبيات من قصيدةٍ ما..

ثم صرخ إعجاباً حين تبين منها مقطعاً يقول (أيُهذا النمر يا زاهي البريق)..

 

وأظنه من قصيدة للشاعر الشهير وليم بليك..

وكدت أصرخ أنا رعباً حين تبينت (نمرة) في تلكم العتمة..

سيما وقد خُيل إلي أنها تهم بالانقضاض… بل ويحدث (شيءٌّ منه) بسبب الظلمة..

فإذا بها واحدة من (عتاولة) الداعيات إلى حرية المرأة..

وتعاتبني ونظراتها – كما ذاك النمر – زاهية البريق (لماذا تكره النساء؟)..

ولكني لا أكرههن… وما ينبغي لي..

 

وإنما أكره النمرات… والمتنمرات… والسعداويات..

ليس لأنهن قبيحات – وهن كذلك – وإنما لافتعالهن معارك في غير ما معترك..

معارك دون كيشوتية لا معنى لها..

وعجيبٌ أمر ارتباط القبح بغالب نصيرات حقوق المرأة..

وماتت التي لم يشرفها العقاد بكلمة واحدة؛ رداً على سيول كلماتها الجارحة تجاهه..

ومن قبلها ماتت التي شرفها بحبه..

 

ســـارة!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى