آمال عباس تكتب: وقفات مهمة لماذا نكتب عن الفن دائماً..؟؟

قالت لي إحدى قارئات الصفحة.. سببتي لينا صداعاً دائماً اسمه الفن والثورة، الفنان والمجتمع.. الشعراء الكُتّاب.. لماذا تكتبين عن هؤلاء وما هم إلا قوم، مجانين هاربين من الحياة يعيشون خيالاً اسمه قصيدة.. وقصة.. ولوحة.. وعالم من صواريخ وسفن فضاء ومخترعات..!

لم انفعل مع حديثها بالرغم من أنه أصابني في موجع، وبذلت جهداً مع نفسي في أن أكون عادية وهادئة، وقلت لها ان نقشة فستانك الذي ترتدينه جميلة.. ضحكت وقالت هسع الدخل نقشة الفستان في النقاش ده شنو؟.. قلت لها كيف ألم يكن الذي صمم هذه القطعة من القماش فناناً.. واستمريت معها قائلة سأل رسام متمكن معلمه متى ينبغي ان اعتبر لوحتي منتهية؟ فأجابه المعلم عندما تستطيع أن تنظر اليها بدهشة وأنت تسأل أنا أنا الذي صنع هذا؟ فنقوش فستانك وغيرها وكل لمسة جمال في أي مجال من مجالات العلم هي لوحات يستخدم فيها الفنان جميع أدواته الفنية.. من فرشاة وكلمة وإزميل ووعدتها بأني أحاول أن أقول لك ولغيرك لماذا أكتب عن الفن دائماً.. الكلمة عندي ليست مجموع احرف وحسب.. بل هي أكثر من ذلك بكثير وبكثير جداً.. هي تجسيد لعادات وتقاليد وقيم لأحداث ومعان، انها تكثيف لإشراقات الماضي لتنصهر في الحاضر لتصبح مستقبلاً أكثر إشراقاً.. باختصار.. إن الكلمة بالذات دون غيرها من سائر وسائل التعبير الفني فهي تشكل نقطة تقاطع هامة لأبعاد كثيرة تتلاقى وتفترق فيها آمال الأمة ومشاعرها وإخفاقاتها، هي حركة الانسان في نموه الوجداني والحضاري، هي لحظة الحضور والاستعادة.. والتطلع وهي فوق هذا قاهرة للموت.

فالعدم طوى جسد امريء القيس.. والمتنبي وجوركي وفولتير وسقراط وابن سيناء وابو العلاء وغيرهم وغيرهم كثر، ولكن كل كلمة قالوها ظلت تتفتح كقوس الشمس جيلا بعد جيل، وحقبة بعد حقبة فعندما يولد فناناً لدى شعب من شعوب الأرض.. فليعرف هذا الشعب انه قهر جيشاً من جيوش الموت.

ومن نحن؟ ومن أجدادنا؟ لولا تاريخنا الفني.. لولا الآثار الفنية التي ترقد في إباء وشم في المتحف القومي في قلب الخرطوم باعثة فينا الأصالة والعراقة الفنية، ولولا هؤلاء الذين أنجبهم هذا التراث فتفرقوا في أرض السودان فلاسفة وفقهاء وشعراء ومؤرخين وأهل جدل ومرتلين للقرآن بالقراءات السبع وقصاصين وضاربي نقارة وعازفي ربابة ومزمار.

وما فائدتنا نحن وما قيمة حاضرنا؟ وكيف ستذكرنا الأجيال القادمة وما فائدتنا؟ إذا لم يبق منا شعر رفيع وفن رائع في مختلف مجالات الحياة، إذا لم نترك مثلما جاء في طبقات ود ضيف الله ومثلما حدثنا ود الحصول في (سالي فو حمر)، ومثلما سمعنا من ملاحم وقصص بطولات.

لذلك كله فإن الحديث والكتابة عن الفن بالنسبة لي شيء ضروري ضرورة مسؤوليتنا حيال الأجيال القادمة.. ولا نريد الدخول في المعاناة التي عايشناها نحن في البحث عن ما خلفه الجيل الذي قبلنا.. لا نريد له أن يلهث مثلما نفعل الآن وراء ما ترك الحاردلو والمحلق ومعاوية نور والخليل وتوفيق صالح جبريل ولا نريد له أن يلهث مستقبلاً وراء ما يترك الصلحي ورباح وسبدرات وجيلي، وتاج السر وابو ذكرى وملكة الدار، نريد ان نؤمن تسجيل هذه الحقبة الهامة من مسيرة حياتنا الإنسانية بكل جوانبها.

وستظل الكتابة في هذا المجال شغلي الشاغل حتى نرى دور النشر شامخة عندنا، وحتى نرى كل يوم رواية.. وقصة وديوان شعر.. ومعرض فن يُقام.. ولنعمل كلنا من أجل هذا حتى لا تلعننا الأجيال القادمة.. ومعذرة لصديقة الصفحة وأرجو ان يكون صداعها قد زال مع شكري لها.

  • من التراث

في قاموس اللهجة العامية في السودان للدكتور عون الشريف قاسم جاء في شرح كلمة (دايوك) على أساس انه ضرب من الودك.. ولكن حسبما أعرف ربما ان الكلمة ضمن التوليت السوداني للنساء وبعد الرجوع لأكثر من حبوبة من حبوباتي، إن الدايوك في حد ذاته ثمرة صغيرة حمراء اللون لنوع من الشجر البري الذي ينبت في الخلاء والثمرة تشبه (النبق) والحنق وتستعملها النساء للبلال (وهو الماء المنقوع فيه الشاي أو الصمغ) لمساعدة المشاطة في مسك الشعر.. وأيضاً يستخدم الدايوك في تحضير (الرشة) وهي عجينة عطور مكونة من محلب وصندل ومجموع وسرتية وضفرة وقرنفل بالإضافة إلى الصمغ و(الدايوك) وتجعل قطعة صغيرة في نهاية كل شعرة بعد المشاط وهي تعطي الشعر منظراً كان يعتبر جميلاً مع ضمان التعطير الدائم.. ولعل الشاعر محلق أراد أن يشير الى كثرة شعر محبوبته وطيب رائحته من غير أن تستعمل هذه (الرشة) التي أشار إليها بجزء منها وهو الدايوك ويقول محلق:

الناس تلد الناس ساكت حسادة

وأمك تلد الصيد سمح القلادة

يا أم سنا بلا مسواك برق المكادة

يا أم بلا دايوك هدل الوسادة

مربع شعر:

قال ود شوراني واصفاً حاله وهو بعيدٌ عن محبوبته حسب جميع عينات السنة والتي سبق ذكرها في الصفحة يقول فيعينة (سعد بلح):

جات سعد بلح شال من عيوني رقادي

سقطوا سهرني ذكر قلبي عهداً ماضي

وصف الريل الما عشمت صياد

في ست ريدي ودكتورة علاج أمراض

مقطع شعر:

وقوفاً عند ذكرى رحيل الفنان الخالد خليل فرح اليكم هذا المقطع من قصيدته الوطنية الشهيرة (عزة):

عزة في هواك نحن الجبال

وللبخوض صفاك عزة نحن النبال

عزة ما سليت وطن الجمال

ولا ابتغيت بديل غير الكمال

وقلبي لي سواك ما شفته مال

خذيني باليمين وانا راقد شمال

عزة ما نسيت جنة بلال

وملعب الشباب تحت الظلال

نحن كالزهور فوق التلال

تشابي للنجوم وأنا ضافر الهلال

من أمثالنا:

حواء والدة والنعمة واجدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى