تغيير القيادة الأمنيّة.. تصحيح مسار وتحديد مسؤولية

 

الخرطوم: الطيب محمد خير    29 نوفمبر 2021م 

على نحو مفاجئ, أصدر رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك, قراراً استناداً على أحكام الوثيقة الدستورية بإعفاء مدير عام الشرطة السودانية الفريق خالد مهدي إبراهيم ونائبه الفريق شرطة حقوقي الصادق علي إبراهيم, الذي يشغل أيضاً منصب مفتش عام الشرطة, وتعيين كل من الفريق شرطة حقوقي عنان حامد محمد عمر مديراً عاماً لقوات الشرطة، واللواء شرطة مدثر عبد الرحمن نصر الدين عبد الله نائباً لمدير عام قوات الشرطة ومفتشاً عاماً.

وتزامن قرار رئيس الوزراء بإعفاء مدير الشرطة ونائبه مع تغييرات في قيادات الأجهزة الأمنية والجيش، إذ تَمّ إعفاء مدير الاستخبارات العسكرية في الجيش ياسر عثمان، ومدير جهاز الأمن جمال عبد المجيد.

سِجَالٌ من الاتهامات والمُغالطات لا يزال دائراً حول تحديد المسؤولية عن العنف الذي وُصف بالمفرط الذي مارسته الشرطة خلال التظاهرات التي أعقبت يوم 25 أكتوبر والذي راح ضحيته عدد من المتظاهرين، حيث اتهمت لجنة أطباء السودان المركزية بتجمع المهنيين, قوات الشرطة بتورُّط عدد من أفرادها في قنص واغتيال متظاهرين، غير أن مدير عام الشرطة المقال الفريق خالد مهدي نفى في مؤتمر صحفي أن تكون الشرطة قد استخدمت السلاح الناري ضد المتظاهرين وشككت في إحصائيات قتلى الاحتجاجات التي قدمتها لجنة أطباء السودان المركزية بعدد (42) شخصاً، إلا أن القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان رجّح في مقابلة مع صحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية, احتمال تورُّط بعض العناصر داخل الشرطة ومسلحين مرتبطين بأحزاب سياسية، في الانتهاكات التي حدثت ضد المُتظاهرين, وكذا وجه نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق محمد حمدان دقلو, أصابع الاتهام في مقابلة مع قناة الجزيرة لقوات الشرطة بالانتهاكات ضد المتظاهرين، وأشار الى أن إعفاء قيادات الشرطة قُصد منه تحديد المسؤوليات وتصحيح المسار.

إلا أنّ إعفاء حمدوك لمدير عام الشرطة ونائبه, أثار العديد من التساؤلات عن أسباب تلك الإقالة فيما يتعلق بدوافعها وتوقيتها، وهل لها ارتباطٌ بتعامل الشرطة مع المحتجين بالاستخدام المفرط للغاز المُسيّل للدموع الذي أدّى لحالات اختناق نجمت عنه وفاة العديد من المتظاهرين, خَاصّةً الذين يُعانون من أمراض في الجهاز التنفسي، بجانب تقديم القيادات الشرطية معلومات مضللة للقيادة العليا حول عدد القتلى في التظاهرات، أم أنهما غير منسجمين مع إدارة حمدوك.

وقال القيادي بقوى الحرية والتغيير المحامي والقانوني المعز حضرة بصحة قرار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بإقالة مدير الشرطة ونائبه حسب نص الوثيقة الدستورية التي منحته حق تعيين مديري الإدارات وإعفائهم.

ويؤكد حضرة خلال حديث أدلى به لـ(الصيحة) أن مدير الشرطة مسؤول مسؤولية مباشرة عما حدث من وفيات منذ 25 اكتوبر وحتى الآن, وبل ما حدث قبل ذلك من انفلاتات أمنية, كلها تندرج تحت مسؤولية مدير الشرطة وله كامل الصلاحيات في التعامل معها وحسمها، لكن بدلاً من أن يقوم مدير الشرطة بدوره في حسم التفلتات الأمنية التي روّعت المواطنين في الفترة السابقة, انبرى للتحجج بأنه يريد مزيداً من السلطات والحصانات, رغم أن الشرطة لديها حصانة, وهذا مؤشر على أن مدير الشرطة المقال حاول أن يُعلِّق فشله على الآخرين.

وقال حضرة, إن الخطأ الكبير الذي يحسب على مدير الشرطة نفيه معلومة سقوط (42) شهيداً في الاحتجاجات التي أعقبت قرارات 25 اكتوبر رغم صحة هذه المعلومة, غير أنه ملّك قياداته في الدولة وهذا ما قاله الفريق البرهان ونائبه الفريق “حميدتي” في الأجهزة الإعلامية أن الشرطة لم تقتل سوى شخص واحد, لكنهم اكتشفوا أن المعلومات التي رُفعت لهم كانت مغلوطة، وواضحٌ أن مدير الشرطة لأجل حماية نفسه, ملّك رؤساءه معلومات مغلوطة.

وأضاف حضرة: بناءً على هذه الأخطاء التي ارتكبها مدير الشرطة بتمليك معلومات خاطئة لرؤسائه, يجب أن تتم مُحاسبته وتقديمه لمحاكمة، وليس كفاية إعفائه.

وقال حضره في معرض تعليقه على التغيير ودلالته, إنهم كانوا يأملون أن يأتي حمدوك ببديل لقيادة الشرطة من الضباط المتقاعدين الذين أقالتهم حكومة المخلوع, حتى تتم عملية هليكة الشرطة بطريقة مؤسسة بكوادر وطنية حقيقية.

وقال المحامي والقانوني معاوية خضر الأمين لـ(الصيحة): لا يمكن لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك أن يقدم لاتخاذ مثل هذا القرار بإقالة مدير إدارة تلامس القطاع الأمني دون الرجوع واستشارة الجهات العُليا في الدولة, التي لها ارتباطٌ بالجوانب الأمنية, باعتبار أن العملية الأمنية سلسلة ومتصلة مع بعضها.

خلاف ما ذهب إليه حضرة بأن إخفاء مدير الشرطة معلومات مقتل المتظاهرين قد عجّلت بالإطاحة به من منصبه, لكن معاوية نفى ذلك بقوله: على الرغم من أن رئيس الوزراء لم يفصح عن الأسباب والدوافع التي حملته لإقالة أو إعفاء مدير الشرطة ونائبه، لكن فرضية التحليلات التي ربطت بين قرار الإعفاء وقتل المتظاهرين فرضية مُستبعدة لعدم ثبوت اتّهام الشرطة بقتل المتظاهرين وهذه أمرٌ يُخضع الآن لتحقيق وستظهر نتائجه.

وأضاف معاوية أن الإقالة دائماً لا يشترط فيها عدم التوافق وربما تكون بسبب عدم الكفاءة, ولا سيما أن حمدوك عاد في نسخته الثانية وهو مُستغنٍ تماماً وزاهد في الكوادر القديمة التي شاركته في المرحلة السابقة, وعاد لتصحيح المسار الانتقالي ووضع الأمور في نصابها, وبالتالي هو معول على الكفاءات, وأتوقع أن نشهد في الفترة القادمة كثيراً من الإعفاءات والإقالات لمديري الإدارات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى