القادة السياسيون.. ما بين الأطماع الذاتية والدوافع الوطنية!!

 

تقرير: صلاح مختار

يُحرِّك الإنسان, شفتيه لينطق لسانه فيعجل به فيطرح ما في نفسه من رغبات وحاجات لتصبح دليلاً له أو عليه, ولكن يقر في قلبه دليله فإذا صلحاً فيصلح سائر عمله لتكون الرغبة أو الشهوة أو الأطماع أو الذاتية هي التي تدفعه نحو الغايات سوى كانت صالحة أم مفسدة، وقد ينتقد البعض موقف رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك الذي قبل التكليف للمرة الثانية بعد اجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر ولسان حال البعض أنه خان الشارع, ولكن الرجل يرى بانه ليست لديه أطماع شخصية ولا يهمه إن اجتمع الناس حوله أو انفضوا منه, ويرى أن ما يحركه هو المسؤولية الأخلاقية تجاه الوطن والشعب، بالتالي لا يعلم الكثيرون ان العلاقات تبنى على الأخذ والرد والعطاء وفي تحقيق الرغبات التي ثار من أجلها الناس, لذلك البناء على تلك من أعمال وطموحات سيعمل بها حمدوك خلال الفترة المقبلة من منطلق دوافع وطنية وليست أطماعاً شخصية. إذن كيف يتحرك القادة أمام المواقف السياسية؟

فكرة مركزية

يرى المحلل السياسي ابراهيم مشرف بأنه ليست هنالك فكرة مركزية لدى السياسييين الآن يمكن الانطلاق منها, ولذلك تجدهم يتأرجحون ما بين الدوافع المصالحية الذاتية والاستعمارية الدولية التي تمليها عليهم وجودهم في السلطة وما بين الأطماع الدولية. فالسلطة في وجهة نظرهم بحسب حديث ابراهيم مشرف لـ(الصيحة) عبارة عن كيكة يتم تقاسمها, وفي زمن الإنقاذ كان البشير يقول (الكيكة صغرت والأيادي كبرت), ولذلك كانت المُحاصصات في بداية تشكيل حكومة الثورة مُخالفة لنص الوثيقة الدستورية التي تبنوها, كذلك يرى أن شواهدها كثيرة وعندما قامت الثورة نادت بالمدنية خالصة دون المُشاركة مع العسكر, ولكن تنازلوا عنها وباعوا دم الشهداء, حتى الثروات التي تزخر بها البلد بيعت عبر المزادات الدولية, وقبل تولي حمدوك السلطة كان يرى ان السودان ملئ بالثروات, ولكن عندما جاء للسلطة لجأ الى الغرب من اجل القروض والمنح بنفس الكيفية عندما حصل الانقلاب عليهم في الخامس والعشرين من أكتوبر رفض الجلوس مع العسكريين, ولكن عندما صرح وزير الخارجية الامريكية بضروروة تشكيل الحكومة المدنية بحمدوك او بدونه رأي الرجل تغليب الرغبة الذاتية وقبل بالتكليف برئاسة الوزراء ولسان حاله يقول (نلحق بالكيكة) وهو صفة السياسة جميعاً غير المبدئيين, فما لم تكن هنالك فكرة سياسية مبدئية على اساس عقيدة الامة سيظل الصراع مستمراً.

مصالح حزبية

ولأن السياسة في السودان تحركها دوافع كثيرة, فان المحلل السياسي والإعلامي محمد احمد علي يرى ان في غالب الأحايين ان المصالح الحزبية هي التي تحركها قبل الشخصية, بالتالي لا بد ان نطلق هذا التوصيف على جميع القوى السياسية في البلاد دون استثناء, غير انه قال لـ(الصيحة)، من خلال التجربة والممارسة منذ الاستقلال نجد أن النخب السياسية فشلت في امتحان التوافق, وظلت التحالفات التي تنشأ دائماً لا تخرج من دائرة التكتيكات المرحلية, مَا انعكس على واقع السياسة في البلاد, واضاف ظللنا ندور في ذات الفلك والدائرة العبثية ما بين ديمقراطية وانقلابات عسكرية, في ظل وجود معسكرين يسار ويمين ظلا يسيطران على المشهد السياسي بالبلاد, مرة داعمين للمشروع المرحلي, ومرة في صف المعارضة يهدمون ما تم بنيانه, فوق كل ذلك ظل غياب المشروع الوطني الواضح وتقديم رؤية استراتيجية لنهوض السودان. لذلك انعكس هذا الواقع ما بعد ثورة ديسمبر من خلال تشظي اكبر تحالف سياسي في تاريخ السودان عرف بقوى الحرية والتغيير, اذ كان الهَم هو إسقاط النظام الذي اتفق عليه الجميع بلا استثناء, ومن ثم التحول الديمقراطي المنشود الذي فشلت فيه النخب.

انقسامات وفشل

محمد أحمد علي يرى ان عدم وجود البرنامج الوطني ادى الى انقسامات سريعة في الحرية والتغيير اوجدت مجموعة الميثاق, واخرى مركزية الحرية والتغيير, واضاف اذا نظرنا الى واقع التجربة نجد الشقين يرفعان ذات الشعارات, عدم الاقصاء وتحقيق شعارات الثورة “حرية.. سلام وعدالة”، ولكن على المستوى العملي فشلوا جميعاً في تحقيق التوافق, اذ غلبت المصالح الحزبية الضيقة على افق الممارسة السياسية, وخلق حالة من التوافق لتأسيس الديمقراطية المنشودة. ورغم ذلك يرى ان الفرصة مازالت سانحة لتشكيل اكبر قاعدة للتوافق الوطني الحقيقي والخروج من دائرة المصالح الذاتية والقبول بالآخر والاتفاق على كيف يُحكم السودان والتأسيس لدستور دائم طالما ان الجميع يدعي شعارات الثورة حرية.. سلام وعدالة”، واكد ان عودة حمدوك وتصريحاته بأنه عاد من أجل مصالحة السودانيين وليس همّه تكوين شعبية ولا أطماع شخصية لديه, يمكن ان تكون منصة للجميع حال تسامى الجميع فوق الخلافات والتأسيس لواقع جديد.

رغبة جامحة

يقول الكاتب د. ياسر محجوب الحسين في مقال منشور بموقع الشرق بعنوان (السودان: إشكاليات الطبقة السياسية), إن إشكالية السلطة بشكل عام تكمن في أنها رغبة جامحة عند بني البشر, بيد أن بعضهم ينحو إلى انتزاعها بغير الوسائل الشرعية، والسلطة السياسية أو المـلك عند ابن خلدون هي: (منصب شريف ملذوذ يشتمل على جميع الخيرات الدنيوية والشهوات البدنية والملاذ النفسانية فيقع فيه التنافس غالباً وقل أن يسلمه أحد لصاحبه إلا إذا غلبه عليه فتقع المنازعة، وتفضي إلى الحرب والقتال والمغالبة), ويبدو أن ملف فساد الطبقات السياسية أصبح هو المهيمن على أجندة شعوب المنطقة العربية ضمن موجة جديدة من الوعي، والدافع الأساسي لتحركها الحالي في لبنان والعراق على سبيل المثال ضد النخب السياسية, لأنها فشلت في تحقيق مطالبه وطموحات الشعوب, ولعل ما يجمع بين المحتجين في العراق ولبنان هو فقدان الثقة في النخب والطبقة السياسية، ورفض استمرار الوجود السياسي لهذه الطبقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى