ما بين غضب الشارع وقرارات البرهان الحكومة المدنية الجديدة.. الامتحان العَسير!!

 

الخرطوم: آثار كامل

مساء الخميس المنصرم, أصدر قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قراراً بتشكيل مجلس سيادة انتقالي جديد في البلاد، واحتفظ بمنصبه رئيساً له, بجانب ذلك احتفظ بقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بموقعه فيه كنائب لرئيس المجلس, فيما ضم المجلس (13) عضواً، بينهم 9 كانوا أعضاء في المجلس السابق، و4 أعضاء جُدد حلّوا محل أعضاء المجلس السابق المنتمين إلى قوى الحرية والتغيير فيما تم تأجيل تسمية ممثل الشرق لمزيدٍ من التشاورات.. عقب ذلك القرار عقد مجلس السيادة الجديدة أول اجتماع له بقيادة البرهان وبكامل عضويته, ومن خلال الاجتماع وعد البرهان برؤية مُستقبلية جديدة تحقق أهداف الثورة, فيما تعهّد الأعضاء بتقديم نموذج أمثل يدير شؤون البلاد وتشكيل حكومة مدنية في الأيام القادمة.

ضغط الشارع

بينما يمضي قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في إصدار قراراته وتكوين حكومة جديدة, أيضاً يمضي تجمع المهنيين السودانيين في مُناهضة قرارات البرهان التي يراها التجمع  بلا شرعية لها.. وما بين استمرار البرهان في قراراته وتجمع المهنيين بكافة الأجسام المنضوية بداخله, يبقى الطرف الثالث (الشارع) هو الفاصل بين الجانبين, اذ لا يزال الشارع يواصل الضغط بمساندة التجمع عبر قواعده وأجسامه المطلبية والمهنية ولجان المقاومة والأحزاب الرافضة عبر مليونيات متواصلة في فترات متقاربة.
بعد مليونية (13) نوفمبر, أعلن التجمع عن مليونية جديدة في (17) نوفمبر الحالي الذي يوافق بعد غدٍ الأربعاء لأجل التشدد في مواصلة الاحتجاجات السلمية والمواكب والتمسك بشرعية د. عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء.

وبالأمس وقّع (26) كياناً سياسياً واجتماعياً على إعلان جبهة سياسية جديدة لمقاومة اجراءات البرهان التي اتخذها في (25) أكتوبر الماضي ومُناهضتها بعد أن اعتبرتها انقلاباً على الشرعية الدسيتورية, فكان أن توافقت تلك الأجسام على التصعيد السلمي والسعي لإنتاج مشروع وطني تتوافق عليه كل قِوى الساحة السياسية.

الامتحان الصعب

يُواجه أعضاء مجلس السيادة الجدد امتحاناً صعباً, لا بد من النجاح فيه, لأن النتيجة النهائية تُعلن بواسطة الشارع الذي سوف يُراقب الامتحان بطرق دقيقة, فالأعضاء الممثلون لمسارات مختلفة تعهّدوا بتقديم نموذج أمثل لإدارة شؤون البلاد بصورة ترضي الشعب وتشكيل حكومة مدنية خلال أيام ستدخل هي أيضاً في امتحان آخر مع الشارع الذي يراقب, خصوصاً وأن البعض يرى بأن مكونات الحكومة السابقة كانت تعمل في جزر معزولة عن بعضها البعض وفي زاوية اخرى تعكس بوضوح فشلها وعجزها بسبب الاحتفان والوضع الضبابي والفشل في احتواء أزمة الشرق, ما يفرض سؤالاً هو هل الحكومة المدنية المزمع تشكيلها خلال أيام ستكون من كفاءات وطنية غير حزبية مستقلة, وهل ستكون موازنة بشخصيات مستقلة ولم تكن منظمة او ظهرت كقيادة سياسية في الساحة من قبل, وهل لها القدرات الإدارية القيادية؟ كلها أسئلة تدور في الأذهان لتشكيل حكومة مدنية. أما أعضاء المجلس السيادي الجدد هل ستكون لهم مهام تنفيذية وليسوا أعضاء شرفيين كما كان في السابق؟

كفاءات مستقلة

ويرى المحلل السياسي عبد الهادي عبد الله في حديثه لـ(الصيحة) أن أي عملية  تغيير أو تشكيل حكومة مدنية يأتي خصماً على أهداف ومبادئ الثورة لن تصمد كثيراً أمام شعاراتها المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة, ولن تصمد أمام الشارع الذي يعتبر (الجوكر) في عملية التحول الديمقراطي وقيام الدولة المدنية, ولفت بأن كل ما يدور من قرارات واعتقالات ومليونيات لم يُحقِّق شيئاً إلا في ظل نظام ديمقراطي معافى وتقبل البعض الآخر وتنفيذ ما ورد في بنود الوثيقة الدستورية وسلام جوبا وتحقيق السلام فعلياً, ونقل السلطة إلى حكم مدني وفق الترتيبات التي اتفق عليها,  وأشار الى ان العلاقة بين جميع المكونات والعسكر لم تعد عامرة بالثقة, وإن مساحات التوافق تناقصت بدرجة كبيرة, خصوصاً بعد الأحداث التي جرت مؤخراً, وأضاف بأن الحكومة المدنية المُزمع تشكيلها أمام امتحانٍ صعبٍ, فلا بد أن تكون في حد ذاتها شخصيات مستقلة وكفاءات غير منظمة أو لها خلفية سياسية, وأشار عبد الله إلى أنه لا بد من موازنة المعادلة وفق الكفاءات العلمية والقيادة والإدارة.

تطلعات ثورة ديسمبر

وذهب المحلل السياسي أحمد الجيلي إلى أن تشكيل حكومة مدنية وحكومة كفاءات مستقلة, لا بد أن يتم ممن تتوفر فيهم العديد من الشروط المطلوبة في ظل التحول المدني الديمقراطي, شريطة أن لا يتم تكوينها وفقاً لما يعبر عن مصالح تيارات وجهات سياسية, وأن يتم تقديم أطروحات تتضمّن تطلُّعات ثورة ديسمبر المجيدة, وأضاف في حديثه لـ(الصيحة) “في تقديري لا بد من حكومة تضم طيفا واسعا من المستقلين والكفاءات, إلى جانب ذلك لا بد من أن تترجم ما جاءت به الثورة, وأن تعمل على إنزاله لأرض الواقع، وأشار إلى أهمية أخذ الكثير من الاعتبارات لمقابلة الشارع”.

متاريس وعقبات

وقال القيادي بقِوى الحرية والتغيير والخبير القانوني المعز حضرة لـ(الصيحة), إن تشكيل الحكومة المدنية الجديدة سيصطدم بمتاريس وعقبات كثيرة, خاصةً وأن حكومة الكفاءات ما لم يتم التوافق عليهات مع كافة القوى السياسية لن تنجح في ظل هذه الظروف, ولفت حضرة الى أن القوى المدنية المتفق عليها لم تقدم أي شئ في ظل ظروف غير مُساعدة, فماذا بحكومة غير متفق عليها حالياً في ظل احتقان الشارع؟

عودة الحكومة المدنية

يرى المحلل السياسي د. خالد قنديل في حديثه لـ(الصيحة) أن الحكومة الجديدة أمام خيارات صعبة, أولها قبول الشارع لها, والثاني اعتراف المجتمع الدولي بها, خَاصّةً وأن الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا أصدرا بياناً منذ يومين شديد اللهجة مُطالبين المكون العسكري بالتراجع عن قراراته والعودة إلى ما قبل قرارات (25) أكتوبر, واشتراطهما عودة د. حمدوك للمشهد السياسي من جديد, وما عقّد الأوضاع أكثر أن الأمم المتحدة أصدرت قراراً بتعيين مبعوث لحقوق الإنسان أكد في أول تصريح له أن مهمته في السودان تنتهي بعودة الحكومة المدنية, لذلك ولدت الحكومة المرتقبة مُحاصرة من الداخل ومن الخارج, لجهة أن الشارع في تصاعدٍ مستمرٍ رفضاً لقرارات البرهان وينعتها بالانقلاب الصريح, بجانب قِوى سياسية مؤثرة على رأسها حزب الأمة والمؤتمر السوداني والحزب الشيوعي وتجمُّع الاتحاديين, أعلنت مقاومتها صراحةً لما يجري, ودعت قواعدها بالخروج في المليونيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى