تفاصيل صادمة .. (الصيحة) داخل الجنينة.. حقيقة الصراع المتجدد  

 

الجنينة: فاطمة علي

خوف وهلع

كانت لحظات عصيبة وموجعة عاشها مواطنو مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، الاسبوع الماضي، بين حالة من الخوف والهلع وسماع دوي القنابل والمدافع والدانات، وبين فقدان المأوى والملجأ والقوت كل ذلك بسبب تجدد الحرب القبلية، بشاعة المنظر وسوء المنقلب في وقوع قذائف الطرفين من الأسلحة الثقيلة طالت منشآت حكومية والمستشفى العسكري مؤسسات حيوية هي جزء من حياة الناس بالإضافة الى تضرر كثير من المرافق داخل المدينة. ولعل التركيبة السكانية في مدينة الجنينة بأكملها هي محفز أساسي لتنامي ظاهرة القبلية، حيث أن منطقة أحياء الجبل، التي تشهد القتال، تم تخطيطها على أساس قبلي، ففي كل مربع تسكنها قبيلة معينة، حيث تتمركز قبيلة المساليت في المربعات 2، 5، 7، 15، أما القبائل العربية فيكثر وجودها في المربعات 1 ،3 ،4 ،6 ،8. وبهذا التوزيع السكني أصبحت بعض المناطق وكأنها معزولة تماماً عن سيادة حكم السودان، والدخول إليها والخروج منها محكوم بقوانين المسلحين القبليين. ولكن (الصيحة) استطاعت الولوج داخلها ونقلت الكثير والمثير من تفاصيلها الصادمة.

تفلتات أمنية

تفاصيل هذه الأحداث المؤسفة تعود إلى وجود بعض التفلتات الأمنية في المدينة الأمر الذي خلق الذعر بين السكان وتطور ذلك الى أن أصبح حرباً أهلية شلت حياة المدينة استخدم فيها المئات من المسلحين أسلحة ثقيلة وخفيفة، وقاموا على اثر ذلك بعمليات حرق ونهب واسعة طالت العديد من الأحياء السكنية والمحال التجارية، وألحق القتال دماراً كبيراً في المنشآت الحيوية كالمراكز الصحية والخدمية مما زاد الوضع تعقيداً. الآن تعيش الجنينة أوضاعًا مأساوية بعد أسبوعين من الأحداث الدامية. حيث يعاني عدد كبير من السكان من نقص كبير في الغذاء والمأوى وخاصة الفارين من جراء المعارك الطاحنة. المفارقة تبدو واضحة قياسًا بالضحايا والأرض المحروقة فالمتضررون أكثر تأثرا والأضرار واضحة في منازلهم التي أحرقت، وممتلكاتهم التي نهبت.

أسوأ في التاريخ

ما حدث في الجنينة يعتبر الأسوأ في تاريخ الأحداث التي اندلعت في دارفور. حتى اصبحت الجنينة ليست كسابق عهدها وظل الأمن مفقودا والمواطن فيها خائفاً. غير أن الجانب الأسوأ في الأزمة حسب ما وقفت عليه (الصيحة) يتمثل في النقص الحاد في الأدوية والمعينات الطبية الضرورية لإنقاذ حياة جرحى الأحداث، بجانب نقص في الكوادر الطبية العامة. كذلك ضعف واضح في تأمين الأحياء السكنية في ظل انتشار السلاح في أيدي المليشيات.

وضع مأساوي

وقفت (الصيحة) على حجم الدمار الذي وقع بمعسكر أبوذر الذي يسكنه ما يقارب 17 ألف نازح الذي أصبح عبارة عن رماد، حيث تم قصفه بالأسلحة الثقيلة وحرقه ونهبه من قبل مسلحين، وقتل فيه 87 شخصا وإصابة  191 منذ بداية الاقتتال، من جراء ذلك تشرد الأطفال والنساء وكبار السن في الشوارع متخذين الاشجار التي لم تسلم من الحرق مأوى لهم، وتعكس حال النازحين الحالة المأساوية التي وصل اليها الوضع، في ظل تردي الوضع الإنساني في المدينة الذي يمكن أن يوصف بالخطير. هدأت المدينة نسبياً خلال زيارة قام بها رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان ومن خلال مرافقة الـ(الصيحة) الزيارة لاحظت انتشار القوات الحكومية لأول مرة منذ دعوة فرض حالة الطوارئ.

انقطاع الخدمات

سجلت المستشفيات دخول عدد أقل من الإصابات الجديدة. ولكن ظل الإمداد الكهربائي والمائي في حالة انقطاع. وظل النازحون منذ أحداث كريندق (1)  يقطنون في مركز الزهراء، ومدرسة صلاح الدين الأيوبي، ومدرسة الإمام الكاظم، ومدرسة حي الثورة بنات، وجزء من الوزارات الحكومية، فيما وصف الوضع الإنساني لهم بالكارثي، أحد المسؤولين قال لي: نحن نعاني من الاكتظاظ، وقلة عدد الكوادر الصحية لا يتناسب مع أعداد النازحين الذين يحتاجون للخدمة، وإن الاستجابة من المنظمات والحكومة للوضع الإنساني ضعيفة، وحاجتهم للغذاء والمياه الصالحة للشرب، والدواء، وتغذية الأطفال الرضع والنساء الحوامل، فضلاً عن حاجتهم لمشمعات وخيم وبطاطين، لا تتوفر خدمات أصحاح البيئة، ربما تحدث كارثة بيئية لأن المراحيض لا تتناسب مع عدد النازحين.

تجانس وتعايش

واتهم مواطنون النظام السابق بالوقوف وراء المشهد السياسي، ويريد إثبات فشل الحكومة الانتقالية في حسم الصراعات القبلية بالبلاد. وأضافوا ان انتشار السلاح من أسباب الكارثة لأنه يمثل مهددًا أمنيًا قالوا لا نستطيع اتهام طرف بأنه متورط في هذه الأحداث وأن لجنة التحقيق ستوضح الأمر للرأي العام. وقال الناشط محمد عبد الكريم للصيحة، إن انتشار قوات الدعم السريع في مدينة الجنينة ساهم في تحسن الوضع من ناحية أمنية، لافتًا إلى أن مجتمع الجنينة ولجان المقاومة استطاعوا خلال الأيام الماضية توفير الطعام من منازلهم. وأضاف: توجد مساهمات بسيطة من بعض المنظمات الوطنية، لكن نحتاج إلى المنظمات الكبيرة للتدخل بشكل عاجل، مشيرًا إلى أن مستشفى الجنينة فتح أبوابه نهار أمس لاستقبال المتأثرين جراء الأحداث الأخيرة، حيث نقل (53) مصاباً للخرطوم، لافتًا إلى أن احصائيات الإصابات الأولية بلغت (423) حالة، فيما بلغ عدد الوفيات (238) حالة وفاة. وطالب عبد الكريم بحسم ملف السلام وتشكيل حكومات الولايات لأن الفراغ الأمني يجعل القوة الظلامية تتمدد وتؤدي إلى إحباط القوى الثورية, وشدد على ضرورة جمع السلاح من المواطنين وفرض هيبة الدولة.

تحريض ودعم

وقال مواطنون للصحيفة أن أساس المشكلة يعود للعام 1995 عندما هاجمت قبائل من خارج حدود البلاد أراضي ومزارع المواطنين في غرب دارفور واستولوا على أراضيهم ومزارعهم بدعم وتحريض من النظام البائد. وقالوا إن  عدد القتلى ارتفع  بشكل أكبر في ظل الأوضاع الأمنية السيئة التي تعيشها المنطقة. وقالت عضو لجنة الأطباء بالجنينة  ام كلثوم احمد  إن فرق الإنقاذ والإمداد كانت لا تستطيع الوصول إلى الضحايا والمخازن نسبة للصعوبات الأمنية حيث تتعرض سيارات الإمداد والاسعاف إلى إطلاق نار متكررة أثناء محاولتها الوصول إلى المصابين والمخازن. وأضافت: نفدت الكثير من أصناف الأدوية والمستهلكات الأخرى. كما أن أعداد العاملين قليلة جداً وتعمل لساعات طويلة دون راحة مسنودة بفرق من متطوعي الهلال الأحمر السوداني في ظل عدم قدرة الكثير من العاملين على الوصول إلى المرافق الصحية، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي والإمداد المائي عن المدينة بما في ذلك المستشفيات.

أزمة هوية

ويقول المواطن آدم محمد صبير لـ(الصيحة)، إن ما يجري في دارفور وخاصة تلك الأحداث المأساوية التي ظلت تتجدد في حاضرة ولاية غرب دارفور الجنينة يرجع للنظام البائد الذي لعب دوراً في تقسيم القبائل إلى قبائل موالية وأخرى متمردة، فأصبحت القبلية هي الأساس وليس الأرض أو الانتماء وأصبحت قوة القبلية تقاس بحجم ميليشياتها وقربها من الحكومة ومدى تسليحها الأمر الذي قاد إلى التنافس بين أبناء العمومة والدخول في حروب أهلية يستخدم فيها سلاح وعتاد الحكومة. وقال إن ما حدث في الجنينة بات يفوق كل خيال ويفتقر لأي منطق سياسي أو عسكري أو حتى قبلي، لأنه ضرب بجميع الأعراف القبلية المحلية عرض الحائط وأصبح السلاح هو الحاسم في أي أمر قبلي.

فوضى خلاقة

وأكد المصدر السابق أن سلام جوبا لن يتم ولن يتحقق في ظل هذه الأوضاع، فالأزمة تحولت إلى صراع قبلي ذي طابع سياسي، وإذا لم تدرك أطراف العملية السلمية أن تأخر إنفاذ مصفوفة الاتفاقية يعني السماح بتواصل المسلسل الدامي ستفوت عليها الفرصة وتتواصل الصراعات دون التوصل إلى حل بشأنها. وقال: توزيع الاتهامات لن يجدي ولن يؤسس إلى حل، وتساءل من المستفيد من ذلك الصراع؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى