انفراج أم تأزيم.. البرهان يعلن مجلساً سيادياً جديداً

تقرير: محجوب عثمان

في خِضم تلاحق الأحداث في السودان عقب الاجراءات التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان في 25 اكتوبر الماضي وما أعقبها من وساطات اجنبية ومحلية صاحبتها اجراءات ومواقف من المحيط الاقليمي والمجتمع الدولي كانت الازمة تتفاقم حينا وتنفرج احيانا, خاصة وان القرارات كانت قد اعلنت حالة الطوارئ بالبلاد وحلت مجلسي السيادة والوزراء وصاحبتها اعتقالات لاعضاء من قوى الحرية والتغيير ممثلين في مجلسي السيادة والوزراء, فضلا عن بعض النافذين ما جعل الكثير من الدول والمنظمات الغربية تقف في وجه القرارات وتطالب بأهمية عودة المؤسسات الدستورية والالتزام بالوثيقة الدستورية وسلام جوبا, وفي خضم كل ذلك شهد اليومان الماضيان هدوءا كبيرا لكنه ربما كان الهدوء الذي يسبق العاصفة, اذ القى الفريق اول البرهان مساء امس حجرا كبيرا في بركة الازمة بإعلانه مجلس السيادة الجديد, ما فجر الاوضاع مجددا ما بين مؤيد يرى ان عودة مجلس السيادة تعني العودة للمؤسسات الدستورية, ومعارض يرى ان البرهان ماض في احكام سيطرة القوات المسلحة واعادة فلول النظام البائد.

مجلس جديد

وقد أعلن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بوصفه القائد العام للقوات المسلحة مساء امس, مرسوما دستوريا حمل الرقم (21) عين بموجبه مجلس السيادة الجديد من 13 شخصاً وأرجأ اعلان اسم ممثل شرق السودان لمزيد من التشاور.. وحمل المرسوم اسم الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيساً للمجلس والفريق اول محمد حمدان دقلو “حميدتي” نائباً له, كما عين كلاً من الفريق اول ركن شمس الدين كباشي والفريق اول ياسر العطا والفريق إبراهيم جابر اعضاء بالمجلس، وسمى كلاً من مالك عقار والهادي ادريس والطاهر حجر أعضاء بمجلس السيادة وفقاً لمقتضيات اتفاقية سلام جوبا, وأعاد تعيين عضو المجلس السابق رجاء نيكولا, كما عين موسى جاد كريم وأبو القاسم محمد “برطم” وعبد القادر الزبير عبد القادر وسلمى عبد الجبار كمكون مدني للمجلس.

التكييف القانوني

يرى الخبير القانوني ياسر عثمان في حديث أدلى به لـ(الصيحة) ان اعادة تسمية اعضاء لمجلس السيادة تعني مباشرة عودة مجلس السيادة كواحدة من المؤسسات الدستورية التي تنص عليها الوثيقة الدستورية, ما يشير الى ان البرهان اعاد العمل بالمواد 11 و12 من الوثيقة الدستورية التي تم تعطيلها وفق اجراءات البرهان في 25 اكتوبر, لكن ياسر يثير نقطة قانونية ودستورية حول حق البرهان في تعيين المجلس كونه القائد العام للقوات المسلحة, مبينا انه عطّل المادة 72 من الوثيقة الدستورية التي تتحدث عن حل المجلس العسكري ما يعني ان المجلس عاد للخدمة فكان الأفضل له ان يصدر القرار بوصفه رئيس المجلس العسكري, خاصة وان الوثيقة الدستورية وقع عليها نائب رئيس المجلس العسكري المفوض آنئذ الفريق محمد حمدان دقلو.

عودة

ويعتبر الخبير السياسي عبد الله آدم خاطر ان مجرد اعلان البرهان مجلس السيادة, فان ذلك يعني انفراجاً وعودة اولية للمؤسسات الدستورية, وبداية لتنفيذ اشتراط العودة الى ما قبل 25 اكتوبر خاصة غض النظر عن من يشغلون المنصب,  مبينا ان حل المجلس كان من طرف واحد وهو الآن يعود الى ما قبل اتخاذه القرار, لافتا الى ان مجلس السيادة يمثل المؤسسة الدستورية الأولى, ما يعني انه سيكون البداية لعودة بقية المؤسسات المتمثلة في مجلس الوزراء, فضلاً عن كونه سيكون بداية لإعادة تكييف القرارات التي اتخذها البرهان منذ 25 أكتوبر الماضي وحتى اليوم، مبيناً في حديثه لـ(الصيحة) ان جميع السودانيين يرون ان القوات المسلحة ضمان للحدود وتمثل عملا مهنيا مشرفا لكل من يعملون بها, ولكن ذات الشعب قرر ان تكون الحياة السياسية والعمل التنفيذي بيد حكومة مدنية تمهد من خلال الفترة الانتقالية لقيام الدولة المدنية المستدامة من خلال الانتخابات المقبلة.. وقال “نتمنى ان تكون هذه بادرة انفراج لا مؤشر للفشل كون أن التفاؤل يمتد للعودة الى العمل بالوثيقة الدستورية المعدلة في 2020م وتكون هي الواقع الذي يحكم الجميع”, وأضاف “ان كانت هناك اخطاء دستورية يمكن معالجتها من خلال الشراكة وليس تمزيق كل الوثيقة”.

تأزيم

وان كانت نظرة عبد الله آدم خاطر قد بدت متفائلة, الا ان نظرة المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية د. صلاح الدومة بدت متشائمة للغاية في حديثه لـ(الصيحة) وهو يفسر اعلان مجلس السيادة الانتقالي الجديد بانه تعبير عن فشل كل الجهود وتأزيم للموقف وللأزمة السياسية, مبينا ان قرار البرهان يمثل تحدياً للشعب السوداني وللمجتمع الدولي, مستدلاً على فشل المفاوضات بأنه لو كان هناك اتفاق لتم إطلاق سراح المعتقلين ابتداءً ومن ثم اعادة مجلس الوزراء قبل اعلان تشكيل مجلس السيادة, مبينا ان البرهان كان قد ألغى الدستور وألغى القوانين ومضى الآن في تشكيل مؤسسات لا تسندها الوثيقة الدستورية, ما يشير بجلاء الى ان قائد الجيش الفريق اول البرهان يمضي الآن في إكمال حلقات السيطرة على السلطة عسكريا, ولفت الى ان قرار اعادة تشكيل مجلس السيادة فيه استعداء كبير للمجتمع الدولي وللشعب السوداني كونه سبق الجلسة الطارئة لمجلس الامن الدولي المقرر عقدها في وقت متأخر من ليل الخميس, كما انه سبق الدعوة التي يدعو لها الشعب السوداني بتسيير مسيرات مناوئة للقرارات يوم غدٍ السبت.

خروج

مدى قبول الشارع العام أو رفضه لقرار الفريق اول البرهان بإعادة تشكيل مجلس السيادة ربما ستحدده ردة الفعل والتي بدأت مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن المجلس الجديد, فقد خرجت العديد من المسيرات المنددة بالقرار, وعمد كثير من الثوار الى “تتريس” الشوارع في عدد من أحياء مدن الخرطوم الثلاث الخرطوم وام درمان وبحري التي شهدت على غير العادة انتشارا امنيا كثيفا سبق اعلان المرسوم الجمهوري الذي حمل اسماء اعضاء مجلس السيادة الجدد، خاصة وان الكثير من السياسيين تحدّثوا عن إيقاف جميع الوساطات وقطع التفاوض من واقع أن إعادة تشكيل المجلس, تعني أن الفريق أول البرهان ماضٍ في إنفاذ إجراءاته التي أعلنها في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى