عبد الماجد الحاج عبد الماجد يكتب : بمُطابقة الأفعال مع الأقوال يتم الانتقال يا جنرال

 

كان من المُنتظر والمتوقع بعد سقوط حكومة 1989م، وبعد مباشرة وتقليد مقاليد الحكم وقيادة دفة البلاد على يد الحكومة الانتقالية، أن تستقر الأوضاع تماماً عبر إصلاح الحالة الاقتصادية، ومن خلال استتباب الظروف والأحوال الأمنية، وأن يتم انسجام وتناغم تام بين كافة أطياف ومكونات المجتمع السوداني، وعلى مختلف ملله وإثنياته وأيديولوجياته وطبقاته الاجتماعية, مع توقع تسارُع الخُطى في درب التنمية والنماء، سعياً في الرخاء وأملاً في الابتداء والانطلاق من نقطة بداية خط سير ركب الأمم المتقدمة والمتطورة، رغبةً في اللحاق بها أو التقارب منها، تلك الأمم التي سبقتنا بمراحل شاسعة ومسافات واسعة، علماً بأنّ خط السير ذلك والذي نعنيه لم يقصنا عنه أو يثننا إلا تباعدنا وتقاعسنا وتراجعنا عن المضي قدماً في طريق النهضة والنمو, ذاك الذي سبق ان شرعنا وخطونا فيه قبل كثير من بعض الدول التي كنا بمثابة قدوة لها ومثالاً يُحتذى يوماً ما، حيث كان لنا قصب السبق في ذلك الأمر والشأن.

وكم كانت فرحة أهل السودان كبيرة بتلك الثورة العظيمة والفخيمة، ثورة 19 ديسمبر 2019م التي نالت إعجاب وإشادة جميع من في الكون، وحازت تغزل كل العالم بها، لخصوصيتها ولصلابتها ولقوتها التي اكتسبتها من واقع سلميتها وصمودها وثباتها، كأول نوع جديد، وكنسل متفرد ومبتكر، وكنموذج متميز للثورات الشعبية العالمية، نموذج يبتكره ويقدمه وينتجه لأول مرة، المواطن السوداني الباسل الجسور، صاحب ومبتكر الثورات، وصاحب الحق الأصيل في صناعة مثل هذه الحركات الثورية على سطح هذه البسيطة.

إذن لا غرو إن كانت فرحة ومسرة عموم اهل السودان كبيرة وشهيرة ابتهاجاً بثورتهم إياها وبمولودهم المبارك والميمون، حيث لم يأت ذلك من فراغ ولم يتم من عدم، بل جاء نتاج آمال وأحلام وأشواق وتطلعات عراض، كانت تحيا وتعيش وتسكن وتخيم بدواخلهم، بل وتتغذّى وتقتات من مشاعرهم وأحاسيسهم، وقبل ذلك كله فقد تم ذلك واكتمل جرّاء سعيهم الجاد وجهدهم الحثيث وعطائهم السخي ولتقديمهم الغالي والنفيس ولبذلهم المُهج والأرواح في سبيل ذلك, ولهذا كله جاء بزوغ شمس ذلك اليوم الاستثنائي والمُتفرِّد، والذي تجسّدت فيه رغباتهم وتمثلت تطلعاتهم بتحقيق ما يهفون اليه ويتُوقون ويشتهون، وذلك بتحقيق حُلم ظل يُراود ويُداعب أفكارهم منذ أمد ليس بالقريب.

وبالرغم من ذلك وبمشيئة الله وقدرته لم تكتمل تلك الفرحة, بل جاءت منقوصة ومقصوصة، مبتورة ومكسورة، إن صحت وجازت العبارات، حيث أتت الرياح بما لا يشتهي السفن، ولقد تبيّن ذلك في إتيان حكومة لم تُلبِ وتحقق رغبات وطموحات المواطن، ولم تواكب وتجاري أحلامه، بالرغم من ان رئيس مجلس وزرائها، لا غبار عليه وليس به ما يعيب، ولا شئ هنالك يؤخذ عليه سواء الخذلان والفشل الذي لازم حكومته والذي سببه له أعوانه ومساعدوه لقصورهم في القيام بأدوارهم المنوط بهم، ولاستغلالهم ولانتهازهم بعض نقاط ضعف كانوا قد اتكأوا عليها وتساهل وتراخ وجدوهما في تلك الظروف، أما عدا ذلك فهو رجل خبير ووطني وغيور، وكان من الممكن إحداث كثير من التغيير والإضافات عن طريقه وبسببه (للقبول الذي يُحظى به داخلياً وخارجياً) وذلك لو أُتيحت له السانحة والفرصة مع نخبة تماثله وتشابهه وتشاركه همّه وحرصه وصدقه وحبه للوطن.. مَا يعني انه كان بالإمكان أبدع مما كان.. وعلى كل وبالرغم من ذلك كله فإن ما قدمه وبذله وأحدثه في فترته تلك، لهو غير يسير ولا قليل، حيث يحمد ويسجل له ويدون له في سجل ومدونة إنجازاته، وكحق بحق يستحقه ويستاهله من دون شك.

وبالرجوع لحكومته تلك، فإنها قد جاءت وأتت مشكلة ومكونة من عناصر حزبية متشاكسة متعاكسة، متضادة متشادة، متنافسة مترافسة، تصارعاً وتدافعاً نحو الكراسي والمُحاصصات والامتيازات، غافلة, جافلة عن هموم الوطن واحتياجات المواطن، صانع الثورة وموجدها، حيث تركته يُعاني كل المرارات، فهو ينام ويصحو على هُمُومٍ ما أنزل الله بها من سلطان، وبلاوٍ لم تكن في الحُسبان، وقلق وتوتُّرٍ بلغ حد الإدمان، وضيق عيش لم يكن تحمُّله بالإمكان، فهل يا ترى حكومة كهذه يُرجى فيها أملاً أو يتوقع منها عملاً أو تصلح ربما في شأن.؟

وعليه وتحت ظل تلك الظروف من التشاكس والتعاكس، وعدم تلمس وتحسس المواجع التي كان يئن ويعاني منها المواطن البسيط، ولانشغال تلك الأحزاب بهمومها ومشاكلها الخاصة ولتنافرها وتناحرها, فهي من دون أن تدري قد هيأت الجو المناسب, وأعدّت البيئة المُواتية لذلك التغيير الذي حدث (والذي لم يكن يتمناه اي سوداني لو تم الوفاق وحدث الاتفاق), ولكن وبما حدث من مجموعة تلك الأحزاب فقد دعت ونادت, بل استدعت من تلقاء نفسها ومن واقع خلافاتها ومشاكساتها، ذلك التغيير (على نفسها جنت براقش).. ومن هُنا نستطيع أن نؤكد أنها وبدواعي المنازعات والاحتكاكات والمشاحنات والملاسنات قد استدعت من غير وعي, بل وفرضت على نفسها هذا التدخل وهذا التغيير الذي لبى واستجاب لمطالبها ولسؤالها، على الأقل للم ما يمكن لمّه في الحفاظ على الوطن وصونه من الفرقة والشتات ومن التقزم والتشرذم، وهذا ما لزم، ولذا كان من جراء ذلك الانقسام والفرقة والخصام، ولعدم حصول الوفاق والفشل في الاتفاق أن حدث ما حدث في الأيام الفائتة تلك، ذلك الحدث الذي اصبح واقعاً معاشاً، وحيث تم تبريره كنتيجة طبيعية وكضرورة حتمية، أوجبتها وسبّبتها، وقضت بها أسباب الخلاف العاصف ووضع عدم الائتلاف الناسف والذي كان بالضرورة يستوجب التدخُّل الفوري لتصحيح التجربة وتقويم المسيرة، ووضعها في المسار الصحيح والسليم والذي لا محالة سوف يفضي الى مصلحة البلاد والعباد.

لذا وحتى تكتمل الصورة وحتى يتحقق المراد، لا بد من صدق النوايا والإخلاص والعمل الجاد لاكتمال وتحقيق تلك المقاصد ووضعها على أرض الواقع، ولكي تصبح حقيقة ماثلة لا بد من مطابقة الأفعال مع الأقوال.. تلك الأقوال والوعود التي قيلت وطُرحت في الخطاب الأول الذي بيّن وشرح ما حدث ومسبباته وأيضاً عبر المؤتمر الصحفي الذي فسّر كل شئ والتزم بالسير والمضي على درب المدنية والانتقال الديمقراطي، حيث يصبح من الواجب السير على ذات الدرب، وبذل كل المساعي لتطبيق ما جاء في الوثيقة الدستورية من أجل إكمال وإتمام كل المطلوبات والنواقص التي تحقق نجاح تجربة الحكومة الانتقالية تلك التي تمهد للانتخابات في يوليو 2023م.

ومما لا شك فيه وفي حال تطابق الأفعال مع الأقوال، سيجني شعبنا ثمار هذا التحول لا محالة, وسوف يتم الانتقال السلس وسيكون هنالك رضاءٌ وقبولٌ من كافة أفراد شعبنا والذي دائماً ما يسعى ويبحث ويتشوّق لرؤية ومعايشة وطن جميل وأصيل, وطن متطور ومتحضر تتوفر فيه لقمة عيش كريم طيب وحلال وبيسر وبسُهولة، وتتحصّل فيه جرعة ماء نقية وصحية، ويتم تلقي تعليم مجاني فيه ويجد فيه كل مواطن تشافٍ وتداوٍ وتعافٍ, وأن يكون في وسع كل شخص وفي مقدوره إذا حل المرض لا قدر الله. وطن يستتب فيه الأمن ويتوافر الأمان والاستقرار مع اليسر في التنقل والترحال داخل وخارج البلاد لمن شاء وبتعريفة مُناسبة ومعقولة.. وطن لا يقل قامةً من كل قامات الأوطان الشوامخ تلك التي عبرت وسلكت طرق ودروب ومسارات التطور والازدهار.. وطن يفخر به بنوه ومُواطنوه وينهضون لبنائه وتطوُّره حتى يصل الى مراقي ومصاف الدول العظمى والكبرى، وحتى يرونه ويشاهدونه بأم أعينهم ويعايشونه كوطن شامخ وسام وسامق، تتمثل فيه كل ملامح ومطامح، مظاهر ومناظر، علامات وصفات الأوطان والدول المتقدمة والمُزدهرة، الحديثة والمُواكبة لسمات التطوُّر والنماء، تلك التي تشمخ في عنان السماء، في عزة وشموخ وإباء، بل الرائدة والسائدة والقائدة دائماً وأبداً.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى