الخرطوم أمس.. أزمة مُتدحرجة ومواقف مُتباعدة!!

 

الخرطوم: فرح أمبدة

حتى منتصف ظهيرة الأحد، بدت نذر “المواجهة” بين الأطراف السياسية في السودان، تتشكل بشكل أكثر بياناً ووضوحاً، ولم يعد هناك رادع يمكن أن يقف أمام التصعيد المتدحرج للأزمة التي أعقبت إعلان قائد الجيش إجراءاته الأخيرة، وعلق بموجبها مواد من الوثيقة الدستورية، وحل الحكومة وأعلن حالة الطوارئ، فالمواقف أصبحت متباعدة بشكلٍ لا تكاد ترى وسطها نقطة للالتقاء، الجيش ماضٍ في إجراءاته لتثبيت رؤيته للحكم، من خلال عمليات إحلال وإبدال لكل من يظن أنهم معارضوه، ومن خلال التشاور لإعلان حكومة بديلة، والشارع في المقابل لا يزال مُلتهباً ومتأهباً، ومناصرو الحكومة المدنية المُقالة يحددون مواقفهم المعارضة “مهما كان الثمن”، أما رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك فلا يزال قيد الإقامة الجبرية في منزله لا حول له ولا قوة، ولم يعد الحديث الذي عَمّ الأسافير طيلة أيام الأسبوع المنصرم من أن الفرقاء السودانيين في طريقهم للتوصل إلى حلٍّ يجد من يصغى إليه، خاصة بعد أن خرج قادة الجيش وأعلنوا موقفهم واضحاً لما يمكن أن يحدث بحر هذا الأسبوع.

مواقف مُتباعدة

في ساعة متأخرة من مساء الأحد، أخرج قائد الجيش، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الهواء الساخن من صدره، عندما أعلن بوضوح استحالة تراجعه عن قراراته التي اتخذها في الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرم، وتبعه في ذات الاتجاه، قائد أول قوات الدعم السريع، الفريق محمد حمدان دقو “حميدتي” عندما أعلن دعمه لتلك القرارات، مؤكداً بأنها جاءت لتصحيح “مسار ثورة الشعب والحفاظ على أمن واستقرار البلاد”.

في المقابل، ظلت قوى الحرية والتغيير، التي كانت تشكل الحاضنة السياسية للحكومة المقالة، عند موقفها المُعلن صبيحة صدور قرارات الخامس والعشرين، مؤكدة بأنها لن تتراجع عن مقاومتها لما أسمته بـ”الانقلاب العسكري” واسترداد الحكومة المُقالة برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، ورفع حالة الطوارئ، وإطلاق سراح المُعتقلين السياسيين.

وكان تجمُّع المهنيين، دعا في بيان تلقّته “الصيحة” الى العصيان المدني للمطالبه بعودة الحكومة المدنية وإنهاء القرارات العسكرية الأخيرة، وإطلاق سراح المُعتقلين، وحث المواطنين الاستجابة للعصيان المدني ووضع المتاريس في الشوارع الرئيسية “ذلك السلاح السلمي المجرب لمقاومة الأنظمة الديكتاتورية”.

وهناك قوى ثالثة مؤثرة وضعت حدّاً لموقفها الضبابي منذ نشوب الأزمة، حينما أعلنت معارضتها للإجراءات الأخيرة ووقوفها ضدها، وهي بعض الأطراف الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام والتي استثناها الجيش في إجراءاته الأخيرة وضمن لها حصتها في الحكومة المقبلة.

فقد أعلنت الجبهة الثورية ما اسمته موقفها الثابت “ضد الانقلاب” عبر احترام إرادة الشعب السوداني والتحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية، وأعلنت في بيان تلقّته “الصيحة” على التزامها بالوثيقة الدستورية وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، وطالبت برفع حالة الطوارئ وإطلاق سراح جميع المعتقلين دون أيِّ شروط، وعلى رأسهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

أما قوى الثورة الحية، الشباب ولجان المقاومة وتجمُّع المهنيين، فلم ينتظروا لما يمكن أن تنتجه المبادرات المحلية والإقليمية والدولية، اذا لم يُوقفوا تظاهراتهم ومسيراتهم النهارية والليلية، وإغلاقهم الشوارع الرئيسية، وتنظيمهم حملات احتجاج دعماً للعصيان المدني الذي دخل يومه الثاني بشكل جزئي بسبب الانقطاعات المستمرة للإنترنت، كما أعلنوا عن جدول زمني لاحتجاجات تسبق مسيرات يوم 13 نوفمبر تحت شعار “لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية”، وهناك فئويات أخرى قررت أن تعلن موقفها من القرارات الإدارية التي اتخذتها السلطات المحلية في الوزارات المختلفة، خاصة وزارة التعليم بولاية الخرطوم، والتي انتفض ضدها المعلمون وكانت سبباً في اعتقال العشرات منهم.

تراجعٌ دوليٌّ

دولياً، تراجع التفاؤل الذي زرعته الجهود “والضغوط” الدولية التي كانت قد ملأت الساحة، وبشّرت بقرب التوصل الى تسوية بين المدنيين والعسكريين لمواصلة ما تبقى من الفترة الانتقالية، ويبدو أن “أزمات أخرى” في المنطقة والعالم مثل الحرب الأهلية في إثيوبيا، ومحاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، والتظاهرات التي عمت دول العالم على خلفية قمة المناخ وغيرها، قد سحبت الاهتمام العالمي مما يجري في السودان، وربما كان ذلك سبباً لعدم إيلاء أي اهتمام لزيارة وفد الجامعة العربية الذي قضى يومين في الخرطوم، وسبباً في خفوت الضوء عن المبادرات المحلية التي لم يعد يتذكّرها أحدٌ.

الهواء الساخن

وسط هذه الأجواء، تعمّد القائد العام للجيش، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، أن يحدد موقفه، حيث قال بأنه لن يتراجع عن حلّ الحكومة وإعلان حالة الطوارئ، مشدداً في تصريحات للجزيرة مباشر بأن المعضلة في السودان ليست في شخص رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك، بل في طريقة إدارة الدولة في المرحلة السابقة وفي مُحتويات الوثيقة الدستورية نفسها، وكذلك في طريقة تعامل القوى السياسية مع الجهاز التنفيذي.

وتتلخّص رؤية البرهان في الالتزام بالتعهدات التي قطعها أمام المجتمع الدولي والشعب السوداني، الاستمرار في إتمام المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات في موعدها، عدم التعرض لأي أنشطة سياسية “طالما أنّها في إطار الدستور ولا تنتهك الأطر الشرعية”، والتزامه بتسليم السلطة لحكومة كفاءات وطنية مُستقلة، وبأن التظاهر السلمي حقٌ مشروعٌ.

مَوقفٌ دَاعمٌ

ودعم موقف البرهان، موقف آخر من نائبة السابق في المجلس السيادي المنحل، وقائد أول قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، حينما قال في أول ظهور إعلامي له منذ 25 من أكتوبر، إنّ القرارات التي اتّخذها القائد الأعلى للجيش جاءت لتصحيح مسار ثورة الشعب والحفاظ على أمن واستقرار البلاد، وإن تلك القرارات “سببها تعثر الإصلاح لتمسك فئة قليلة بالحكم”، مؤكداً الالتزام بالتحول الديمقراطي وإقامة الانتخابات عام 2023 وتشكيل حكومة مدنية مستقلة.

وشدد دقلو في كلمة مسجلة له، على أن تلك القرارات جاءت عقب تعثر محاولات الإصلاح بسبب ما أسماه تمسُّك وتحكم فئة قليلة بزمام الأمر في البلاد، وانشغالها بالصراع على السلطة وإهمالها مطالب الشعب.

تنديد… وصمت

في المقابل، وفيما لاذ قادة، وقفوا إلى جانب الجيش حتي لحظة اتخاذه قراراته الأخيرة، بالصمت في انتظار ما تسفر عنه “المواجهات السياسية الحالية”, ندد ثلاثة أعضاء في مجلس السيادة الذي تم حله بإجراءات الجيش، وهؤلاء القادة هم الهادي إدريس والطاهر حجر ومالك عقار، نددوا بإجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر، وقال بيان من الجبهة الثورية التي تضمهم “نُجدِّد موقفنا الثابت ضد الانقلاب ومع احترام إرادة الشعب السوداني والتحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية والالتزام بالوثيقة الدستورية وتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان, ونطالب بإطلاق سراح جميع المُعتقلين بدون أي شرط وعلى رأسهم رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك والرفيق ياسر عرمان عضو المجلس القيادي للجبهة الثورية ونائب الأمين العام للجبهة الثورية”.

فقد لاذ بالصمت قادة آخرون وقفوا إلى جانب الجيش حتى لحظة اتخاذه قراراته الأخيرة، في انتظار على ما يبدو، لما يمكن أن تسفر عنه “المواجهات السياسية” الحالية، فالقائد مني اركو مناوي رئيس حركة تحرير السودان، اكتفى بموقف المتفرج وعاد إلى دارفور التي كان قد عُيِّن حاكماً عليها قبل أشهر من الآن، دون أن يصرح بما يدور في خلده، أما جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة الذي يُعد من أكبر الداعمين لقرارات الجيش، صمت هو الآخر، كما ابتعد كل من رئيس مسار الوسط، التوم هجو عن الأضواء وكذلك محمد سيد أحمد الجاكومي رئيس مسار الشمال ومحمد وداعة رئيس حزب البعث السوداني.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى