تحرّكات العسكريين خارجياً.. دبلوماسية تسديد الرمي..!

 

تقرير-عبد الله عبد الرحيم

بدأت الحكومة السودانية عبر مكونها العسكري تحركات ماكوكية واسعة هذه الأيام استهدفت من خلالها مختلف الاتجاهات والدول، شملت العديد من دول الجوار. هذه التحركات تعددت اتجاهات الرأي حولها في الوقت الذي يشهد فيه السودان تحركات وجولات ساخنة على الحدود مع إثيوبيا وألقت هذه بظلالها على الأجواء بصورة كبيرة. فما هي الأهداف والرسائل وهل هي ذات صلة بما يجري في الحدود الشرقية مع الجانب الأثيوبي أم إنها خطوات لتفادي نذر المواجهة العسكرية بين البلدين؟.

مصر وتشاد

فيما توجه الفريق أول ركن شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة الانتقالي لجمهورية مصر العربية بمعية السيد مدير الأمن والمخابرات ووزير الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة، زار مؤخراً الفريق ركن إبراهيم جابر عضو مجلس السيادة الانتقالي أيضاً العاصمة التشادية أنجمينا في زيارة تستغرق يوماً واحداً، رافقه خلالها وزير الدفاع اللواء الركن يس إبراهيم يس، ووزير الخارجية المكلف الأستاذ عمر قمر الدين.

وتأتي زيارة عضو مجلس السيادة والوفد المرافق له  لجمهورية تشاد لبحث مسار العلاقات الثنائية المتطورة ودفع مجالات التعاون المشترك لآفاق أوسع بما يخدم مصالح شعبي البلدين. وكان في وداعه بمطار الخرطوم الفريق الركن محمد الغالي علي يوسف الأمين العام لمجلس السيادة الانتقالي.

وعقب عودة الوفد قال الأستاذ عمر قمر الدين وزير الخارجية المكلف، إن زيارة عضو مجلس السيادة الانتقالي لتشاد كانت مثمرة بكل المقاييس وشكلت فرصة لتبادل وجهات النظر بشأن العلاقات الثنائية بين البلدين، والدور المحوري الذي لعبته تشاد في اتفاق جوبا لسلام السودان، مبيناً أن الجانب التشادي لعب دوراً مقدرًا في اتفاق الترتيبات الأمنية.

وأضاف قمر الدين، أنه تم اطلاع القيادة التشادية على الأوضاع في السودان وما يحدث على الحدود الشرقية فضلاً عن سير عملية السلام في دارفور. وأوضح وزير الخارجية المكلف، أن الجانب التشادي أبدى تفهماَ كبيراً  لقضايا السودان، وقال إنه تم الاتفاق على عقد اجتماع مشترك بين حكومتي البلدين وإن السودان وتشاد سيعملان بتنسيق تام بشأن ملف السودان في الاتحاد الإفريقي، وذلك خلال انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي المرتقبة في فبراير المقبل.

أريتريا والجنوب

وفي وقت آخر، قام نائب رئيس المجلس العسكري، الفريق أول محمد حمدان دقلو، بزيارة إريتريا في زيارة رسمية استغرقت يومين، بعد تلقيه دعوة رسمية من الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي. وقالت صفحة المجلس العسكري الانتقالي بالسودان على موقع فيسبوك، إن حميدتي يبحث خلال الزيارة مسار العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها وملفات السلام مع الحركات المسلحة في السودان.

وكانت إريتريا قد وجهت اتهامات للسودان خلال عهده السابق بدعمه حركة الجهاد الإريتري الذين تم تدريبهم في أفغانستان والحركات الإرهابية الأخرى ضد ليبيا وتشاد ومصر”. وتسبب إغلاق الحدود بين البلدين إبان العهد السابق في معاناة الكثير من المواطنين عقب صدور قرار في 5 يناير 2018، بعد إعلان الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، حالة الطوارئ في هذه المنطقة الحدودية. وأكد وزير التجارة والصناعة السوداني مدني عباس مدني، أن السودان وجنوب السودان، يعتزمان توقيع مذكرة تفاهم في الجوانب التجارية قريباً.

ووصل النائب الأول لرئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو، يرافقه وزير التجارة والصناعة، إلى جمهورية جنوب السودان في زيارة رسمية، لافتتاح معرض المنتجات السودانية التجاري الاستثماري الأول، الذي تستضيفه العاصمة جوبا، بمشاركة واسعة من كبريات الشركات السودانية.

إزالة الغَبَش

ويرى السفير والدبلوماسي الرشيد أبو شامة، أن هذه الزيارت عمل دبلوماسي ضروري لدولة السودان في الاتصال بدول الجوار الصديقة لشرح موقف البلاد حول ما يجري من مماحكات على الحدود مع إثيوبيا حتى لا يكون ضحية للمعلومات المضللة. ويرى أبو شامة لـ(الصيحة)، أن هذه الزيارت مجتمعة لكل من الفريق أول محمد حمدان دقلو النائب الأول لإريتريا والجنوب، وزيارة جابر لتشاد، بجانب زيارة كباشي ومدير المخابرات للقاهرة أمس، كلها تهدف لإزالة الغبش الذي ربما ساد مع التحركات العسكرية بين السودان وإثيوبيا على الحدود السودانية عند منطقة الفشقة السودانية، مشيراً إلى أنها ليست من أجل إيجاد الدعم والمساعدات العسكرية من هذه الدول خاصة العربية، لأنها ستثير علينا النعرة من قبل إخواننا الأفارقة وقد يقفون مع إثيوبيا لجهة أنها حرب بين الأفارقة والعرب أو بين المسيحيين والمسلمين كما حدث في الحرب مع الحركة الشعبية إبان قيادة جون قرنق، حيث لم يبادر السودان بشرح موقفه فيما لجأت الحركة إلى الإشعار بأن الحرب حرب دينية وعربية إفريقية، لتجد بذلك التأييد والدعم الكامل من الدول الأفريقية، وقال حتى إن جنوب إفريقيا أهدت الحركة الشعبية طائرة حربية قامت بإرجاعها عقب موت جون قرنق.

معلومات مضللة

ولم يستبعد أبو شامة من أن تكون زيارة حميدتي لجوبا قد تناولت ذات الهدف في خطوة أراد السودان منها سبق إثيوبيا التي قد تبادر بإيصال ما تريد إيصاله من معلومات مضللة لدول الجوار حول الذي يجري بينها والسودان في منطقة الفشقة وإقليم بني شنقول السوداني وقبل أن تلوث الأجواء بتلك المفاهيم. ويرى أبوشامة أن زيارة كباشي ومدير المخابرات للقاهرة يمكن أن تكون زيارة شاملة لقضية سد النهضة، ولكن هدف الزيارة الرئيس حتماً هو شرح الموقف السوداني في اتفاقية 1902م، حيث أن الكثيرين ليسوا على علم بأن إقليم بني شنقول سوداني وليس إثيوبياً وأن موقف إثيوبيا من الاتفاقية لا يمكنها من الاستحواذ على الأراضي السودانية خاصة وأن مصر كانت شريكة للحكم الإنجليزي وهي أدرى بتلك الحدود من غيرها من دول الجوار.

نذر مواجهة

أما المحلل السياسي بروفيسور الفاتح محجوب، فإنه يقول لـ(الصيحة)، إن المعلن من هذه الزيارة هو اطلاع الدول المجاورة للسودان لحقيقة ما يجري على الحدود مع إثيوبيا وهو حراك دبلوماسي مهم لشرح ما يجري في وقت فيه لا زالت نذر المواجهة قائمة بين البلدين، بيد أنهما رسمياً يعلنان أنهما غير راغبين في تصعيد الموقف حتى لا تتحول لحرب مفتوحة. مشيراً إلى أن إثيوبيا ترى أن حل مسألة الحدود يجب أن يكون بالتفاوض بناء على تصريحات أبي أحمد رغم وصول رسائل متناقضة منهم عبر دخول الطائرات العسكرية للأجواء السودانية وحشد أرتال من الجنود على الحدود السودانية، وقال إنها تريد أن تقول إنها جاهزة للحرب وفي جانب آخر تريد أن تهدّئ الأمهرا عبر هذه الأرتال من الجنود وبأنهم جاهزون ولن يفرطوا في الأراضي السودانية التي ظلت هذه القبيلة تستغلها لفترات طويلة. بيد أن الفاتح يرى أنها رسالة أيضاً للداخل الأثيوبي. وقال إنها تعلم أن أي صراع عسكري سيؤثر عليها في نقطتين هما: أن التغراي سيجدون الدعم من الجانب السوداني في حربهم مع الحكومة الإثيوبية التي شردتهم إذا ما حاولت أن تخوض أثيوبيا حرباً مع السودان، وبالتالي ستدخل في حرب استنزاف وهو أمر مرفوض حكومياً. أما الأمر الثاني، فإن الفشقة وسد النهضة أراضٍ سودانية، وإثيوبيا تعلم ذلك وفقاً لاتفاقية 1902م الذي تنازل فيه المستعمر عن إقليم سوداني لها وهو إقليم بني شنقول السوداني مقابل عدم إقامة موانع ومنشآت على مصب مجرى النيل الأزرق وهي قد خرقت هذا الاتفاق، مشيراً إلى أن رفض هذه الاتفاقية يفتح الباب لمواجهة مفتوحة مع السودان وبدورها تفتح الباب لتدخل مصر ذات الاهتمام الكبير والرافض لسد النهضة، ولذلك ربما جاءت الزيارة الأخيرة لمصر للتفاهم حول هذا الأمر.

وأكد أن نذر المواجهة رسائل للداخل، ولا أحد من الطرفين لديه مصلحة في هذا الأمر، بيد أنه أكد أن حديث البرهان فيه رسائل للجانب الأثيوبي بأن السودان جاهز إذا فرضت عليه إثيوبيا الحرب، ولكنه غير ميال للدخول في حرب الآن حفاظاً على أواصر الإخاء التاريخي والأزلي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى