ناقوس الخطر.. تنامي الاعتداء على الأطفال

 

 

تقرير: حسن حامد

كثيرة هي التقارير الحقوقية التي تكشف عن واقع مرير يضع مستقبل ملايين الأطفال في خطر, ويجعلهم لقمة سائغة في أفواه ذئاب بشرية يستغلونهم جنسياً ويعتدون على براءتهم, وشهد السودان زيادة مضطردة في حالات العنف المُبلّغ عنها ضد الأطفال ومن أشكال جديدة من الاعتداء والاستغلال الجنسي خلال السنوات الأخيرة، لذلك شرعت المنظمات الدولية وخاصة منظمة اليونسيف وغيرها في تشريع قوانين لحماية الطفل, فحماية الطفل يرجع مفهومها تبعاً لليونسيف بأنها الرغبة في منع العنف والاستغلال والإساءة للأطفال بما في ذلك الاستغلال الجنسي والإتجار بهم وحتى الممارسات التقليدية الضارة مثل التشويه أو بتر الأعضاء التناسلية للبنت, وحتى زواج الطفلات القاصرات ولهذا تستهدف برامج حماية الأطفال المقامة من قبل منظمة الأمم المتحدة مساعدة الأطفال المعرضين لهذه الانتهاكات وخاصةً الأطفال الذين لا يمتلكون عائلة بسبب تعرض الأطفال الذي يعانون من العنف والاستغلال والإهمال إلى خطر الموت وسوء الصحة العقلية والجسدية وخطر الإصابة بمرض نقص المناعة (الإيدز), لذلك خصصت محاكم خاصة لتنفيذ تلك القوانين والعقوبات الرادعة لكل من ينتهك حقوق الأطفال والتي نص عليها قانون  الطفل السوداني للعام ٢٠١٠م ورغم ذلك ظلت حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال تسجل أرقاماً مخيفةً, بجانب انتهاكات أخرى.

 

تنامي الظاهرة

فى جنوب دارفور وبحسب المختصين, فإن ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال بدأت في تنام, حيث ازدادت جرائم الاغتصاب بعد أن كانت الحالات معزولة لا يعرفها مجتمع الولاية, ففي مطلع التسعينيات عرف مجتمع نيالا أول حالة اغتصاب لطفلة في إحدى أحياء المدينة تلك الجريمة النكراء التي عرفت بقصة الفيل والنملة لضخامة حجم الذئب الجاني ومقابل أن الطفلة المجني عليها كانت ضئيلة الحجم.. ووقتها حوكم الجاني بالسجن ستة أشهر مع الغرامية التعويضية وذلك لعدم إجازة القوانين الرادعة التي تتعلق بقضايا الطفل, ومن تلك اللحظة وحتى يومنا هذا تكرّرت حالات الاغتصاب والاعتداء على الأطفال بازدياد مضطرد وبمتوالية مخيفة, أشهرها قضية الاعتداء على الطفلة (ض) في العام ٢٠١٧م والتي تحوّلت إلى قضية رأي عام وصدر فيها الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت على الجاني.

 

ورغم العقوبات الرادعة التي نصها قانون الطفل السوداني للعام ٢٠١٠م والتي قضت بإعدام الجاني في قضية (ض), إلا أعداء الطفولة لم يكفوا عن جرائمهم وظلوا ينتهكون براءة الطفولة، الأمر الذي يتطلب في كافة فعاليات المجتمع والسلطات مجتمعة بأخذ القضية مأخذ الجد للقضاء على عديمي الضمير الإنساني.

 

حقائق وأرقام

مهتمون بأمر الأطفال يقولون إنّ الظاهرة بجنوب دارفور آخذة منحى التطور والانتشار ولم تسلم منها المدن والأرياف وحتى معسكرات النازحين, وخلال الشهر الماضي والحالي بتت محكمة الطفل بنيالا برئاسة قاضيها مولانا الدكتور ياسر عثمان محمد في العديد من القضايا المتعلقة بجرائم الاغتصاب, وهنالك العديد من الأحكام قيد النظر والإجراءات بمحكمة الطفل نيالا متعلقة بجرائم الاغتصاب وغيرها, من بينها قضيتان لاعتداء جنسي وجريمة اغتصاب متهم فيها شرطي قام بتخدير طفل يبلغ من العمر (١٣) عاماً واغتصابه، بجانب جريمة قتل بحي الجبل في نيالا, علاوة على قضية إصابة طفلتين بعيار ناري جميعها متوقع أن تصدر فيها أحكام خلال الأيام القادمة.

 

تعقيدات

بحسب متابعاتنا للقضايا والجرائم التي تُرتكب في حق الطفل, فإن بعض العادات والتقاليد الخاطئة والتسويات التي تتم في قضايا الاغتصاب بين أطراف القضية مازالت موجودة, في وقت يكون الجاني في الحراسة ويأتي الطرفان للمحكمة ويؤكدان على معالجة المشكلة فيما بينهما, الأمر الذي يتطلب وقفة قوية وعدم المساومة في أي جرم ارتكب في حق الأطفال وخاصة قضايا الاغتصاب, لأن قانون الطفل السوداني للعام ٢٠١٠م أنزل عقوبات رادعة من شأنها القضاء على الظاهرة, وقطع دابر أعداء الطفولة وعديمي الضمير.

 

تطوُّر بمحكمة الطفل

ساق الله لجنوب دارفور القاضي الدكتور ياسر عثمان محمد قاضي محكمة الطفل بنيالا, الذي ظل يطبق القانون بصورة رادعة لحماية الأطفال ومُراعاة  الجوانب النفسية لضحايا الاغتصاب من الأطفال, حيث أنشأ غرفة لتوفير الدعم النفسي والحماية بغرض تحقيق العدالة دون أن يتأثّر الطفل الضحية من أي جوانب نفسية كأول مشروع من نوعه على مستوى السودان, فالغرفة التي أسّسها تحوي بداخلها كافة الاحتياجات المتعلقة بالطفل أو الطفلة الضحية, بجانب تواجد باحثة اجتماعية تتبع لوزارة الرعاية الاجتماعية, والغرفة مُزوّدة بشاشة داخل قاعة المحكمة للتواصل ما بين القاضي والطفل الضحية الذي يتواجد بداخل الغرفة التي توفر له الأمن والأمان, حيث يتم الربط بينهما أثناء الجلسات عبر ناقل الصوت والصورة عبر كاميرا فيديو حديثة ضمن مقتنيات هذه الغرفة بالإضافة للوسائل التعليمية والترفيهية بداخل هذه الغرفة.

 

نيابة الطفل: ازدياد الجريمة

وكيل نيابة الطفل بجنوب دارفور مولانا تبن عوض الله يقول إنّ الجرائم ضد الأطفال في ازدياد متواصل من واقع البلاغات المدونة والمتعلقة بجرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي, بجانب جرائم القتل والطعن بواسطة السلاح الأبيض (السكين), وقال مولانا تبن إنّ بُعد المسافات من بعض المحليات لحاضرة الولاية نيالا تُعد من كبريات المشاكل التي تواجه المواطنين حال وقوع الجريمة وصعوبة ترحيل الشهود وغيرهم بسبب عدم وجود نيابات ومحاكم متخصصة بكل محليات الولاية الـ(20), وأشار تبن إلى أن التسويات التي تتم بين أسرتي الجاني والضحية فى تلك الجرائم تُعد من أكبر المسائل المعيقة لتحقيق العدالة خاصةً البلاغات التي تأتي من خارج رئاسة الولاية ومن مناطق بعيدة, في وقت يكون الطفل الجانح بالحراسة ويأتي الأطراف بأنهم وصلوا للتسوية, مشيراً إلى ضرورة تكثيف برامج التوعية للمواطنين ليتعرّفوا على طرق أخذ حقوقهم عبر القانون وليس عن طريق التسويات المتعلقة ببعض العادات والتقاليد الخاطئة, لافتاً إلى أن عدم وجود دُور إصلاحية للجانحين من المشاكل التي تؤرقهم, وأشار إلى أن حل العديد من القضايا التي ذكرها خاصة القضايا التي تأتي من بعيد يكمن في توسيع النيابات المتخصصة في المحليات كذلك المحاكم, مشدداً على أهمية وجود دعومات لذوي الضحايا حتى يتمكّنوا من الوصول للعدالة وترحيل الشهود وغيرها من الالتزامات, مشيراً إلى أن قضية استخراج شهادات تقدير العمل ورسومها للذين لا يملكون شهادة ميلاد ولظروف بعض الأسر تَحُول دُون استخراجها مما تؤثر في السرعة في تقديم القضايا للمحكمة, وتابع “أغلب الأطفال الموجودين بوحدة حماية الأسرة والطفل انتظارهم مرتبطٌ باستخراج تقدير العمر ليتم تحريك إجراءاتهم للمحكمة وللأسف لا توجد جهة تقدم خدمة لهؤلاء”.

 

حمل الطلاب للسكاكين

وذكر مولانا تبن بأن جرائم الاغتصاب والتحرش الجنسي من الجرائم التي تؤرقهم, ولكن من كبريات وأخطر الجرائم التي أصبحت تؤرقهم هي ارتكاب الجرائم بواسطة السكين وخاصة ما تسمى بالسكين (التشادية), مشيرًا إلى العشرات من جرائم القتل والأذى التي اًرتكبت بواسطتها وحتى طلاب المدارس أصبحوا يحملون السكاكين أثناء الدراسة, مَا يشكل خطراً كبيراً, مطالباً حكومة الولاية بتفعيل الأمر الذي أصدرته من قبل القاضي بمنع حمل السكين لبعض الفئات العمرية, وكشف تبن عن وجود من أسماهم بضعاف النفوس الذين يستغلون الأطفال واستخدامهم للعمل في الرعي والزراعة مقابل أجر وعندما يذهبون معهم يجدون منهم أشد أنواع التعذيب والانتهاك لحقوقهم, وطالب تبن الأسر بمُراقبة أبنائها في تحركاتهم لحمايتها من خطورة الشارع بتداعياته المختلفة, وأضاف أن العربات التي تسير بدون لوحات باتت تُشكِّل مصدر قلق لحياة الأطفال من خلال حوادث السير, وكذلك ارتكاب البعض جرائم الاختطاف عبرها, آخرها حادث اختطاف طفل بنيالا بواسطة أربعة أشخاص يستقلون عربة بدون لوحات وتم القبض عليهم ومحاكمتهم بالمؤبد, وناشد مولانا تبن, السلطات بضرورة وضع أرقام أمنية بارزة على العربات التي لا تحمل لوحات لحين معالجة أمرها لوضع حدٍّ للانتهاكات التي تُرتكب في حق الأطفال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى