سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع.. 

(1)

حينما أعاين لمحتوى مفردة فنان وأتأملها جيداً.. تجدني لا احتار كثيراً في التوقف عند تجربة الفنان العظيم شرحبيل أحمد.. فهو ليس مُغنياً فحسب, وإنما مجموعة مبدعين في إنسان واحد.. فهو مبدع شامل ومتكامل وغير منقوص الأشياء.. فهو فنان مُغن.. وملحن على مستوى عال من البراعة والتقنية والمهنية، كما أنه شاعر مجيد كتب الكثير من الأغنيات.. فهو كذلك رسام تشكيلي يعرف كيف يوظف اللون لخدمة فكرة اللوحة.. ولعلّنا نذكر جميعاً (عمك تنقو) هذه الشخصية الكاريكاتيرية التي ابتدعها الفنان شرحبيل أحمد.

(2)

الثنائية الإبداعية ما بين شرحبيل أحمد والشاعر بشير محسن ,أنتجت العديد من الأغاني الفارعة.. ولكن تاريخيًّا يمكن القول إن شاعرنا بشير محسن كانت له تجارب غنائية قبل أن يلتقي بشرحبيل أحمد.. فهو بدأ كتابة الشعر منذ أن كان في المدرسة الثانوية، قبل أن يبدأ التعاون مع الفنانة (عائشة الفلاتية), حيث كان ذلك في العام 1951م، بحسب ما ذكر الأستاذ معاوية حسن يس في كتابه من تاريخ الموسيقى والغناء في السودان.. وللحقيقة أن الشاعر بشير محسن يمتلك أيضاً موهبة التلحين.. إذ أنّ إحدى أغنياتهما الثلاث المسجلة في الإذاعة كانت من ألحانه، والأغنيات الثلاث هي (الملاك السامي) وسجلت للإذاعة في العام 1959م, وأغنية (آمال) في العام 1958م، وأغنية (حبيب وجداني) وسجّلت في نفس العام.

(3)

سليمان أبو داؤود.. كان رجلاً مبدعاً وخلاقاً.. كما كان بسيطاً وعفوياً في حياته.. يبعد عن الأضواء ولكن أغنياته وألحانه تضعه في دوائر الضوء.. كان رحيل سليمان أبو داؤود هو رحيل نغم جميل, نغم قادر على أن يلامس الوجدان وشغاف القلوب.. شكّل ثنائية طاعمة مع رفيق دربه الراحل عبد المنعم الخالدي.. ومن خلال ألحانه كان الخالدي ذلك الفنان الوسيم الذي نعرف.. ولعل تلك الثنائية التي غابت مع الأيام كانت تؤشر على عبقرية سليمان أبو داؤود الذي نستمع لأغنياته ونجهله صاحب الألحان.

(4)

اختار مهنة التنجيد لكسب قُوته واتخذ منزله مكاناً لعمله.. وكان يعمل بفرقة موسيقية صف ضابط مشرفاً وملحناً وعازفاً ماهراً لآلة الترامبيت.. فوق كل ذلك كان يرحمه الله ريحانة مسجد حي القوز يأتي قبل المصلين ليكنسه ويُنظِّفه ويُعطِّره بأعواد الند والبخور.. والرجل غادرنا للدار الباقية وهو في عنفوان شبابه حزنا عليه وفُجعنا في فقده.. فقد جال أجله في المسجد وفي رمضان.. كانت شهقته الأخيرة عقب صلاة العصر وبعد أن أتم قراءة المصحف.. حملوه في عربة إلى قسم الحوادث بمستشفى الخرطوم وحينما كشف عليه الطبيب المناوب وجده قد فارق الحياة قبل ساعة من الزمان.

(5)

الراحل المقيم في وجداننا مصطفى سيد أحمد.. ولو لم يكن فنانا حقيقيا لما عاش خالداً عند الناس حتى هذه اللحظة.. سيرته وحكاياته تتجدد في كل يوم.. ولعل الموقف الفكري لمصطفى سيد أحمد هو العنوان الأبرز له كفنان اختط لنفسه مساراً جديداً وغير معهودٍ.. وفن الغناء عند مصطفى سيد أحمد ليس مجرد لهو وتزجية وقت وإنما هو قضية إنسانية متكاملة الأركان.. فلذلك من البديهي أن يقول الناس عن مصطفى سيد أحمد بأنه (مُفكِّر) قبل أن يكون (فنانا).. وتلك هي الوصفة السحرية التي اكتشفها مصطفى سيد أحمد وعبّر عنها شعرياً ولحنياً بأغنيات تتحرّك ما بين القلب والعقل.

مصطفى سيد أحمد مشروع غنائي ملهم.. يستند على رؤية جمالية كانت هي خلاصة المنتوج العقلي والوجداني لهذا الشعب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى