الأزمة وقد استفحلت.. هل من بوادر حَلٍّ في الأفق؟

 

تقرير- فرح أمبدة

ينتظر الشارع السوداني بفارغ الصبر، أن تثمر الجهود المبعثرة، التي تُبذل حالياً للجم الأزمة الناشبة بين أطراف الحكم والتي طفحت إلى السطح عقب الإعلان عن المحاولة الانقلابية الفاشلة الشهر الماضي، عن حل، فقد خلّفت الأزمة، ندوباً لا تخطئها العين في جسد شركاء الحكم من المدنيين والعسكريين، ومهّدت الطريق لحالة استقطاب غير مسبوقة، منذ توقيع اتفاق السلام بجوبا في أكتوبر من العام الماضي، وعطّلت على ما يبدو دولاب الدولة في بعض جوانبه، بل فتحت الأعين على مطالبات جديدة في الشرق والشمال وفي الغرب، تمثلت في قطع الطرق القومية، وإغلاق موانئ التصدير، وتهديد حتى مناطق إنتاج النفط كما هو حادثٌ في غرب كردفان، فهل من ضوء في آخر النفق يمكن أن يُثمر عن صيغة “للتوافق” تُسلِك المجاري أمام الفترة الانتقالية حتى نهايتها؟، وهل بات المسرح مُهيأً لإجراء حوار جاد وحقيقي يضخ الدم في جسد الشراكة المُنهك؟، وهل يُمكن أن تفسر حالة الهدوء النسبي على مدى اليومين الماضيين، تمهيداً للملعب؟، رغم  إصرار الجانب العسكري على حل الحكومة الحالية وتوسيع دائرة المشاركة، وان العسكريين هم من يتولون قيادة الأجهزة الأمنية والعسكرية حتى الانتخابات التي تعقب المرحلة الانتقالية، وما هي المحصلة التي يمكن أن يتم التوصل اليها حتى لا تتكرر الأزمة؟.

توقُّف دولاب الدولة

على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، لا يمر يومٌ إلا ويقف الناس على مزيد من التأزم في العلاقة بين المكونين، المدني والعسكري، ومع كل صباح، تزداد الأزمة اشتعالاً، فالمدنيون يتهمون شركاءهم العسكريين بالسعي للانفراد بالسلطة، ويبحثون عن سبب لتأجيل تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين، وفق نصوص الوثيقة الدستورية التي تحكم الشراكة، ويرون بأنهم الأحق بالوصاية على العملية السياسية، والعسكريون يُحمِّلون المدنيين ضياع شعارات الثورة وسط صراعاتهم السياسية، وهم بهذا غير جديرين بتسلم وإدارة المؤسسات الأمنية مثل جهاز الشرطة والاستخبارات، وقد أدى ذلك إلى حالة من الاحتقان بين الطرفين، إلى درجة توقف اجتماعات المجلس السيادي المنوط بها اتخاذ “القرارات المصيرية” التي تهم البلد، بوصفه البرلمان البديل لعدم تكوين المجلس التشريعي الوارد في الوثيقة الدستورية.

مُبادراتٌ عدّة وهدفٌ واحدٌ

 

أكثر من جهة تقدمت بمبادرة لرأب الصدع بين الطرفين، وكل الأطراف أخرجت الهواء الساخن وعبّرت عن وجهة نظرها حول ما يجري، وبات الضغط الشعبي يُشكِّل هاجساً لطرفي الحكم والكيانات المكونة لها، خاصة بعد ان تزامن “وقت الاشتعال” مع أزمة خطيرة أخرى خلقها كيان البجا في شرق البلاد، ألقت بظلالها على الأوضاع العامة في طول البلاد وعرضها، ومن خارج الحدود مارست دول ومجموعات إقليمية ودولية، ضغوطاً كثيفة على الأطراف بهدف الوصول إلى “صيغة توافقية” تقوم على التراضي العام، لنزع فتيل الأزمة.

وعلى ما يبدو، أن الوقت قد حان لجلوس الطرفين إلى بعضهما البعض، ما يشير إلى فتح الطريق للتفاوض بينهما، وتمثل ذلك “حسب رصد مراقبين” في تراجع حدة الاتهامات والتراشق الإعلامي التي سادت الأسابيع الماضية، وتوقف محاولات الحشد والاستقطاب، فضلاً عن الاجتماعات المكوكية التي يقودها رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك مع الشق العسكري من جهة, ومع تحالف قوى الحرية والتغيير، وربما أثمر ذلك ميلاً تجاه “صوت العقل” كما هو مَعروفٌ في الثقافة المجتمعية السودانية.

الحكم لنصوص الوثيقة

بالنسبة لقوى الحرية والتغيير، فإن الحل حسب قول مهدي صالح، القيادي في حزب المؤتمر السوداني، في حديث لـ”الصيحة”، يكمن في التمسُّك بنصوص الوثيقة الدستورية التي تحكم العلاقة بين الطرفين وباستحقاقات الأطراف الواردة فيها، ومن بين ما ورد فيها تسليم رئاسة المجلس السيادي إلى المدنيين في الوقت الذي حدّدته الوثيقة الدستورية وهو وقت مختلف حوله بعد ان عدل في اتفاق السلام المُوقّع في جوبا أكتوبر من العام الماضي، أما بالنسبة للعسكريين فإن الحل يكمن في “وفاق جديد”، اعتبره نائب رئيس المجلس الفريق محمد حمدان دقلو شرطاً لازمًا لجلوس الطرفين بعضهما لبعض، فضلاً حل الحكومة القائمة وتوسيع دائرة المشاركة، وفق ما جاء على لسان رئيس مجلس السيادة، الفريق عبد الفتاح البرهان، أمس وهو يُخاطب جنود وضباط المنطقة العسكرية في مدينة بحري.

الآن وقد كشف كل طرف عن أجندته، ولاحت في الأفق، تبعاً لذلك، بوادر لحل الأزمة فما هي فرص النجاح أمامها؟.

يقول الواثق البرير وهو من قيادات حزب الأمة وعضو بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، في تصريحات نشرها موقع “سودان تربيون” “أمس” إن آلية إنفاذ مبادرة رئيس الوزراء، أبلغتهم بوجود “مرونة من المكون العسكري لإنهاء الأزمة”، وتقوم الآلية التي تكوّنت وفق مبادرة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، وحملت اسم “الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام”، بالتوسط بين الشركاء، أسفرت وساطتها حتى الآن عن كبح جماح التصعيد الإعلامي، ومن المُنتظر أن يكون رئيس الوزراء قد أبلغ مكونات الحرية والتغيير عن نتائج لقاءاته مع القيادات العسكرية ووضع خارطة طريق للتفاوض بين الطرفين مساء أمس.

لا تخفي قوى إعلان الحرية والتغيير انفتاحها على أي حلول أو حوار يفضي لإخراج البلاد إلى بر الأمان، لكن رابح يرى، ان الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن انفراج “أنا ما شايف بوادر حل، على الرغم من ان الاتصالات مستمرة بين العسكريين والمدنيين وان هناك اتصالاً من قبل مجلس الوزراء ومن ناس الآلية”, ويشير إلى ان رئيس المجلس الفريق عبد الفتاح البرهان وضع شروطاً تعجيزية باشتراطه حل الحكومة القائمة وتوسيع المشاركة.

مرحلة البحث عن حلول:

ومع ذلك، هناك من يرى أن الأزمة قد وصلت إلى مرحلة “البحث عن حلول” وأنها لا تتحمّل مزيداً من الشد والجذب بين الطرفين، وهذا ما عبّر عنه الكاتب والصحفي السابق بقناة الجزيرة، صالح مختار عجب الدور، بقوله: الأطراف قد تكون مستعدة لتقديم تنازلات حتى يكون هناك مربع ثالث، ولم يستبعد ان تكون اللقاءات التي جمعت بين البرهان وحمدوك لأكثر من مرة ربما تكون قد وضعت ملامح للحل, من الواضح ان حمدوك “نجّض الطبخة” مع البرهان وربما يحتاج فقط سيناريو إلى إخراجها وقبل ذلك إقناع أطراف الحرية والتغيير، وتوقع صالح بأن يكون اجتماع حمدوك مع قوى الحرية والتغيير والذي من المتوقع ان يكون قد عُقد مساء أمس، حاسماً، خاصة وان الطرف الآخر “العسكريين” قد حدّدوا ما يريدونه في أي اتفاق قادم بوضوح من خلال ما ادلى به البرهان نهار أمس بحل الحكومة وتوسيع المشاركة، ورفض الحكومة بوضعها الحالي.

من بين الحلول التي طُرحت من أكثر من جهة كحل جذري للأزمات التي لاحقت الفترة الديمقراطية ما بَاتَ يُعرف بـ”منصة التأسيس”، وقد طرحها منذ عام ونصف ياسر عرمان، القيادي بالحركة الشعبية شمال، والمستشار السياسي الحالي لرئيس الوزراء، لكن العودة إلى البدايات تعني في الأساس المجموعة التي تحالفت لإسقاط النظام البائد، واختلفت بعد أن تم السقوط، لكن مبدأ اللجوء للحوار بين قوى الثورة هذا الشعار الذي يضوي بريقه الآن، وبعد أن طفحت الأزمة الحالية إلى السطح، في هذا الاتجاه، يقول السياسي المخضرم، الدكتور الشفيع خضر في مقال نشره موقع سودانايل أمس “لا نرى مخرجاً من الأزمة الراهنة سوى العودة إلى منصة الحوار بين قوى الثورة التي يجمعها إعلان وميثاق الحرية والتغيير المُوقّع في يناير 1019 واتفاق سلام جوبا المُوقّع في اكتوبر 2020 والحوار بين الأجهزة الانتقالية المكونة بموجب الوثيقة الدستورية المُوقّع عليها في الرابع والسابع عشر من اغسطس 2019″، مع العلم أن هذه القوى تفرّقت بها الدروب حالياً، وباتت أجساما متعددة، ربما كان ذلك سبباً لدعوة البرهان حل الحكومة وتوسيع دائرة المُشاركة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى