من تلك الشخصيات التي كانت لها سطوة مُجتمعية ونجومية خاصّة عوض دكّام .. الدكتور الذي يُعالج بالنكتة!!

 

كتب: سراج الدين مصطفى

(1)

تختزن الذاكرة السودانية والوجدان الجمعي, العديد من الأسماء والشخصيات التي كان لها إسهامٌ واضحٌ وباهرٌ في مسيرة الحياة السودانية.. ولعلّ الدكتور الراحل عوض دكّام يُعتبر من تلك الشخصيات التي كانت لها سطوة مجتمعية ونجومية خاصة.. فهو بغير كونه طبيب أسنان ناجح وشاطر في مجاله وتخصُّصه, اشتهر الرجل بنجوميته المُجتمعية وكانت روحه المرحة سبباً في محبة الناس له.. وشكّل رحيله فاجعةً مُؤلمةً للشعب السوداني والذي مازال حتى الآن يتذكّره ويضعه في مقدم الذاكرة.

(2)

الراحل عوض دكام له تاريخٌ ناصعٌ كما يقول الأستاذ عثمان الجزولي، والذي قال (ينتسب الدكتور عوض دكّام علي إلى عائلة الدكّامية المشهورة في حلفاية الملوك التي وُلد وترعرع فيها. تلقّى تعليمه الأولي في مدرسة الشيخ أمين بالخرطوم بحري والأوسط في مدرسة الأقباط  ثم الثانوي في المدرسة الإنجيلية التابعة للبعثة التعليمية المصرية.

(3)

عمل بالتدريس في المدارس الأولية لمدة عام بحلة خوجلي في بحري. بعدها وفي حكومة الفريق إبراهيم عبود اُبتعث لدراسة الطب في يوغسلافيا بمنحة للطلاب السودانيين من الزعيم  جوزيف تيتو وتخصص في طب الأسنان. بعد أن نال البكالوريوس عاد إلى السودان وعمل بوزارة الصحة طبيباً بمستشفيى أم درمان وبحري, وبعد عامين افتتح قسم الأسنان بمستشفى بحري.

 

 

(4)

في نفس الفترة, افتتح الدكتور عوض دكّام عيادة صغيرة خاصة به, وبعد أن ذاع صيته قام بفتح عيادة كبيرة  في شارع علي عبد الرحمن ببحري وكانت نموذجاً لأجمل عيادة في السودان, حيث كانت أرضية عيادته مفروشة بالسجّاد الفاخر والكراسي الوثيرة, تفوح منها رائحة بخور الصّندل, وهو أول طبيب يضع تلفزيوناً في عيادته وثلاجة لتوفير المياه الباردة لمرضاه, وكان نظيفاً ودقيقاً في التعقيم, فتجده يُحاسب مُساعديه إذا أخطأوا في طريقة النظافة والتعقيم, ولكن بأسلوبه الخاص فلا يسيئ, بل بنظرة واحدة حادّة يعالج الأمر.

(5)

كان يكسب حُب المرضى من جميع الأعمار, وكان لا يقبل تقديـم أي شئ على مريضه, وبعض المرضى يأتون إليه وهم في حالة توتر وبروحه المرحة يقوم بإخراجهم من تلك الحالة التي أتوا بها.

وعُرف عنه الصرامة والانضباط  في عمله, ففي ذات مرّة عندما كان مديراً لمستشفى الأسنان  دعا كل الموظفين والعمال لحفل في منزله وتأخّروا معه إلى منتصف الليل. حضر للمستشفى في الصباح قبل الجميع ووقف ممسكاً بدفتر الحضور وكل من اعتذر بأنه تأخّر بسبب حفلته  بالأمس سجّل ضده مُخالفة, فتعجّب الجميع وأُعجبوا بعدم مجاملته في العمل.

(6)

ومن حبه للنظافة والنظام وفي فترة إدارته للمستشفى, لاحظ عدم سقاية الأشجار في الصباح  وسأل عن السبب, فعرف أن المياه مقطوعة, واتصل فوراً بالمطافئ, وقال إنّ هناك حريقاً في مستشفى الأسنان ولما جاء رجال المطافئ وسألوا عن مكان الحريق ردّ عليهم عوض دكّام بظرفه المعروف: (الحريق هنا), مُشيراً إلى النجيلة, فما كان من رجال المطافئ إلا أن أفرغوا  فيها المياه.

(7)

كان اجتماعياً من الدرجة الأولى وكان مجاملاً وبارّاً بأهله في حلفاية الملوك, يُشاركهم في أفراحهم وأتراحهم ويعرف الصغير والكبير وبأسمائهم, وفوق كل هذا وذاك فهو مُلمٌ بمعرفة أنسابهم ورغم التزامه وصرامته في العمل واحترام الوقت, إلا أنه كان يجد الوقت لمواصلة كل أهل الحلفايا.

(8)

كان ذائع الصيت ليس في الحلفايا فقط, بل يعرفه كل أهل السودان حتى المُتشردين من الصبية الشماسة, حدث ذات يوم أن وفد بعض الشماسة من الخرطوم إلى بحري وانقضوا دون معرفة على سيارته الواقفة عند عيادته ببحري وأخذوا الحقيبة, وفي المساء حين أرادوا اقتسام الغنيمة فتحوا الشنطة فوجدوا صورته وأوراقه وعندها صاحوا: (دي بتاعة عوض دكّام!!) وأغلقوا الحقيبة, وفي صباح اليوم التالي أرجعوها وهم يبدون له أسفهم الشديد عن فعلتهم!!

(9)

اشتهر بعشقه للفن والفنانين وبادلوه الحُب, وهو الشخص الوحيد الذي منح عضوية اتحاد الفنانين وهو ليس بفنانٍ عامل فيه, وكان الدكتور عوض دكّام  يمشي بين الناس بالطرفة والنكتة الخفيفة, لأنه كان إنساناً خفيف الظل, هاشّاً, باشّاً, يُلطِّف الأجواء بالنكات والقفشات السريعة, ومُداعباً للصغير والكبير, واشتهر  بالطرفة والفكاهة وحلاوة اللسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى