الموارد الاقتصادية.. إصلاح ما أفسده الدهر

 تقرير: محمد – مروة – إنصاف

يُعتبر السودان من الدول التي تمتلك العديد من الموارد الاقتصادية المهمة، حيث احتلت البلاد مراتب متقدمة في مجال إنتاج بعض السلع الاستراتيجية كالصمغ العربي والقطن وغيرهما في مجال الإنتاج الزراعي، إضافة إلى وجود العديد من المعادن النفيسة في مقدمتها الذهب الذي بلغ إنتاجه كميات كبيرة.

 ولكن اللافت أن كل تلك الموارد لم تُستَغل بالصورة المطلوبة خلال الفترة الماضية والتي قد يكون لها دور في الخروج من الأزمة الاقتصادية التي عاشتها البلاد فترة طويلة، وعزا المراقبون تلك المشكلة للسياسات الخاطئة، ويأمل الجميع أن تشهد المرحلة المقبلة عهداً جديداً والخروج بالبلاد من النفق المظلم، وذلك باستغلال الموارد بالصورة الصحيحة.

عجز الميزان التجاري:

ظل الميزان التجاري يشكل عجزاً متواصلاً طيلة الفترة التي أعقبت انفصال الجنوب في العام 2011م، وفقدان البلاد بترول الجنوب، فضلاً عن تدنّي مساهمات الصادرات السودانية الفاعلة في تحسين وضع الميزان التجاري والذي قُدّر بـ 6 مليارات دولار.

وتشير الإحصاءات ـ بحسب بنك السودان المركزي ـ إلى أن عائدات الصادرات تراجعت بنحو 600 مليون دولار حيث بلغت حوالي 3.48 مليار دولار العام الماضي، فيما التزمت غرفة المصدرين بتحقيق 4 مليارات دولار خلال موسم الصادر الجاري عبر إدخال حصائل تحقق الإيفاء بهذا الرقم، حيث تولت شعبة مصدري الحبوب الزيتية والماشية الحية والصمغ العربي قيادة قاطرة الصادرات السودانية في الموسم الحالي، وذلك بحسب توقعات إدارات هذه الشعب بإنجاز هذه المهمة بواقع 1.5,1 مليار دولار صادرات للحبوب الزيتية، و3 مليارات دولار للثروة الحيوانية، 450 مليون دولار للصمغ العربي.

إزالة المعوقات:

ويؤكد الأمين العام لغرفة المصدرين، دكتور مهدي الرحيمة، أن صادرات البلاد تكفي البلاد من أي دعم خارجي، وربط تحقيق ذلك بوجود حكومة متفهمة وواعية تعمل على تشجيع الصادرات، داعياً الحكومة الجديدة إلى إزالة جميع العقبات التي تُواجه الصادر، ، وأضاف أن الصادر روح وشريان الاقتصاد، ويعمل على زيادة وارد البلاد من النقد الأجنبي، مشيراً إلى أن المصدرين يعولون كثيراً على المرحلة المقبلة في إزالة المعوقات التي  فرضها النظام السابق على الصادر، متمثلة في إلغاء 10% من حصيلة الصادر التي كانت قاصمة الظهر لجميع الصادرات، وأسهمت في خروج السودان من الأسواق العالمية، مشدداً على أعمية تحرير حصيلة الصادر وبيعها داخل القطاع المصرفي حسب العرض والطلب والذي رفض النظام السابق الاستجابة له، بجانب مشكلات الرسوم والجبايات الكبيرة المفروضة على الصادر ومشكلات الترحيل، فضلاً عن الحظر الاقتصادي المفروض على السودان، داعياً المجلس العسكري بالاهتمام ورعاية الصادر، مبيناً أن الشركات الحكومية كانت معوقاً للصادر ومتمركزة فيه مما ألحق بالقطاع دماراً تاماً، جازماً بأن العالم ينظر إلى الصادرات السودانية خاصة الماشية الحية التي تعتبر من أكبر الموارد وعائداتها سريعة جداً، بجانب الذهب، لافتاً إلى أن تقارير عائدات الصادر بالبنك المركزي ضعيفة ومخجلة.

إنتاجية عالية:

وفي مجال الزراعة، فقد حقق السودان إنتاجاً غير مسبوق في حصاد الموسم الشتوي، حيث استلم البنك الزراعي السوداني 250 طناً من القمح أي ما يعادل مليوني جوال من المزارعين في مواقع الإنتاج تكفي البلاد حتى منتصف يوليو القادم في مساحات تمت زراعتها بحوالي 712 ألف فدان 94% منها تم استلامها من ولاية الجزيرة وتجري عمليات الحصاد لبقية المشاريع، وسط تجهيزات للموسم الشتوي القادم بزراعة 80 ألف فدان تقاوي، بجانب إعلان البنك الزراعي السوداني سياسته التمويلية للموسم الصيفي 2019- 2020م لجميع القطاعات الزراعية بمساحة مستهدفة بلغت 9 ملايين فدان، بواقع 35,5 مليار جنيه، توزع عبر فروع بالبنك بالولايات على مراحل، واصفاً السياسة التمويلية بالمميزة والمرنة تستهدف صغار المنتجين باعتبارهم الشريحة الأكبر التي تعمل بالقطاع الزراعي، مشيراً إلى أن المحاصيل المستهدفة الإسترايجية متمثلة في الذرة والدخن والسمسم وزهرة الشمس والفول السوداني والقطن باعتبارها المساحة الأكبر في الزراعة الصيفية. فيما حقق محصول القطن إنتاجية عالية بواقع 9 قناطير للفدان.

إلغاء قانون 2005:

ويقول الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم لـ(الصيحة) أن الزراعة عصب الاقتصاد السوداني، واعتبر تحقيق اكتفاء ذاتي من المنتجات الزراعية والحيوانية بالإنجاز الكبير لجهة أنه يوفر عملة صعبة، داعياً إلى الاهتمام بالزراعة في المرحلة المقبلة وتوفير مدخلات الإنتاج، منادياً بضرورة تأهيل المشاريع الزراعية التي تأثرت في السنوات الماضية، خاصة مشروع الجزيرة بإلغاء قانون 2005م البغيض، وأضاف أن القانون أدى إلى تدمير مشروع عالمي يعتبر من أكبر الشماريع الزراعية مساحة، لافتاً إلى أن حجم الدمار الذي لحق بالبنيات التحتية بالمشروع بلغ 200 مليار دولار نتيجة لقانون 2005م، مطالباً بضرورة إعادة علاقات الإنتاج بين الحكومة والمزارع والقضاء على الرأسمالية التي تغلغلت في المشروع.

تراجع إنتاج الثروة الحيوانية:

ويعتبر قطاع الثروة الحيوانية من القطاعات المهمة في الاقتصاد السوداني، حيث يحتل المرتبة الثانية في المساهمة في الوضع بشكل عام، ويبلغ عدد الماشية أكثر من مائة وثلاثين مليون رأس، وفيما يختص بالناتج المحلي الإجمالي، حيث تمثل 20%، ولكن تواجه الثروة الحيوانية شبح التهديد بالتراجع  الكبير في أعدادها في ظل استمرار عمليات التصدير بشكل مخالف والتهميش الحكومي بجانب مشكلة انفصال الجنوب وأزمة إقليم دارفور بتراجع أعدادها بشكل كبير ما ساهم في عدم الاستفادة منها بالشكل المطلوب، إضافة إلى عدم وضوح الرؤية حول إسهامها الحقيقي في الاقتصاد من عائداتها.  ومن المعلوم أن أعداد الصادر منها في تزايد مستمر كل عام، حيث يصل العائد منها إلى أرقام كبيرة، فخلال العام بلغت حصيلة  الصادرات 420 مليون دولار، إلا إنه من الملاحظ أن تلك الأرقام لم يكن لها أثر على الاقتصاد بشكل عام، وتطوير القطاع بشكل خاص، فما زالت عمليات الإنتاج لم ترق للمستوى المطلوب، حيث تسيطر عليها  التقليدية، ولم تتجه الحكومات السابقة لإنشاء مزارع حديثة لتربية الماشية، وباستثناء مسلخ وحيد، تنعدم المسالخ الحديثة التي تساعد في تصدير اللحوم وفق المواصفات والاشتراطات الصحية العالمية، كما تفتقر البلاد للصناعات التحويلية التي يمكن الاستفادة من مشتقات الألبان والجلود التي تصدر كخام مما يفقدها القيمة المضافة.  كما أن الاكتفاء الذاتي لم تشهده البلاد حيث ينادي أصحاب الاختصاص بذلك، فما زالت الأسعار عالية بالنسبة للمواطنين مقارنة بإنتاج البلاد من القطاع. ويرى المراقبون أن البلاد لم تستفد الاستفادة الحقيقية من القطاع خاصة وأنه مورد مهم، ولكن لم يشهد تطوراً مطلوباً، كما أن السياسات المتبعة أقعدته بصورة واضحة .

عمليات تهريب :

ويرى البروف عثمان سوار الدهب، أن القطاع الحيواني مهم لتطوير الاقتصاد، ولكن السياسات الخاطئة أقعدته  لافتا ًخلال حديثه لـ(الصيحة) أن عمليات التصدير تسير بصورة جيدة خاصة لبعض الدول كالسعودية التي تعتمد على الماشية السودانية بأسعار عالية، حيث يقدر العائد منها بـ500 مليون دولار، بالإضافة لمصر التي تستورد الإبل السودانية بأعداد كبيرة، مضيفاً أن كل تلك العائدات من الصادر لا تدخل خزينة الدولة، مشيراً لوجود تلاعب في عمليت التصدير والمحسوبية من بعض الجهات على حسب جهات أخرى، إضافة إلى أن عمليات التهريب كان لها الأثر السالب. وقال إن حجم العائدات كان يمكن استغلاله في تحسين الوضع الاقتصادي.

250 طناً سنوياً:

وفي المقابل، شهدت البلاد في الآونة الأخيرة زيادة في إنتاج الذهب خلال عقد واحد من الزمان بأكثر من 1200% ليقفز حسب تقرير الإدارة المسح  الجيولوجي الأمريكي من 7 أطنان في العام 2008 إلى أكثر من 90 طناً عام 2017 حيث تجاوز في النصف الأول من عام 2018 63 طناً، كما كشفت وزارة المعادن أن إنتاج البلاد في نفس العام بلغ 93  طناً وتقدر قيمتها بـ 4 مليارات دولار وعولت الدولة  عليه كثيراً في السابق للخروج بالاقتصاد إلى بر الأمان،  فيما كشفت بعض الجهات أن   الإنتاج يبلغ 130 طناً من الذهب سنوياً، لكن مختصين يقولون إن الإنتاج الحقيقي يتجاوز 250 طناً، يهرب 70 بالمائة منه، مما يفقد الخزينة العامة نحو 7 مليارات دولار سنوياً، وهو مبلغ كافٍ لسد العجز في الميزان التجاري. ويتنامى تهريب الذهب في السودان سنوياً بسبب السياسات الحكومية التي يتبناها البنك المركزي، حيث يفضل المنتجون والمعدنون التقليديون بيع إنتاجهم لجهات غير رسمية تنشط بدورها في تهريبه، مع كون أن قطاع التعدين في السودان لا ينحصر في الذهب فقط، حيث تتواجد معادن أخرى بكميات هائلة لم يطلها الاستكشاف بعد، ومعادن أخرى توقف فيها الاستشكاف بسبب الحرب في ولاية النيل الأزرق، “جنوب” مثل الحديد والكروم والنحاس والرمال البيضاء والأحجار الكريمة.

القطط السمان:

وأشار أحد الخبراء تحدث (للصيحة)، أن  السودان به ثروات معدنية ضخمة في باطن الأرض ما لا يوجد في كثير من الدول وعلى رأسها  الذهب، حيث يوجد بكميات كبيرة على السطح  حيث أسهم الشباب في  عمليات التعدين الأهلي الاستفادة منه وليس الحكومة  التي لم تستثمر ولن تصرف به أي مبالغ، مشيرًا إلى  الإنتاج وصل  في السنوات الأخيرة إلى  200 طن سنوياً حيث يقدر العائد منها بـ 8 مليارات دولار سنوياً لافتاً إلى أنها تساهم في تطوير الاقتصاد البلاد وتغني مد أيدينا لتوفير الدعم الخارجي من الدول الأخرى، ونوه  إلى أن عمليات والنهب من النظام السابق بكميات كبيرة  للذهب  بما يسمى بالقطط السمان  والتي لم تتم  محاسبتهم بحسب القوانين، كان لها الأثر السالب على مدى الاستفادة من العائدات.

سؤ الإدارة:

الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي، أشار إلى أن السودان يزخر بإمكانيات في مجملها تكفي لقارة بأكملها ففي مجال الزراعة تمتلك البلاد أراضٍ صالحة  تقدر بحوالي 200 مليون فدان قابلة للزراعة وعلى وجه التحديد 175 مليون فدان حتى  على ضفاف النيل بجانب وجود مخزون  من المياه الجوفية والأمطار السنوية وعدد من الأنهر، كل هذه الإمكانات الضخمة في مجال الزراعة يمكن أن تضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة، مشيراً إلى أن سوء الإدارة بالنسبة للاقتصاد من الحكومات السابقة، أدى إلى تدمير الوضع بشكل كامل  وخاصة دعائم  الإنتاج  والمؤسسات بشكل عام،  ما أدى إلى تخلف البلاد في مجال الثروة الحيوانية والصناعة والزراعية، موضحاً القطاع الصناعي وجد إهمالاً كبيراً، وتساءل لماذا نصدر منتجاتنا خاماً كالمواشي فالقطاع الخاص لديه إمكانية التصنيع محلياً والاستفادة من القيمة المضافة خاصة الجلود ومخلفات الروث بجانب استقطاب رؤوس أموال خارجية من مستثمرين.

 كل هذه إمكانات ورصيد يقود لثورة صناعية  خاصة في مجال الصناعة الزراعية  كالصمغ العربي،  ومن ثم تصديره للخارج بجانب صناعة المعادن خاصة الذهب والذي يمكن أن يتم تصنيعه في شكل مصوغات  وتصديرها للخارج، وحمل الحكومة السابقة فشل التطور في القطاع، وقال:  لابد من تلافي هذه الأخطاء في المرحلة القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى