عبد الله مسار يكتب : الثورة الثانية

 

قامت ثورة ديسمبر في السودان بعد ظروف موضوعية لقيامها، اهمها الأزمات المتكررة والخانقة حينها، كأزمة المعاش والعملة، وضيق وعنت الحياة، واخرى تولى قيامها ابناء وبنات السودان من كل مكونات المجتمع السوداني وأغلبهم بدون أحزاب واشتركت معهم القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى، وتعاطف معها المجتمع الخارجي وتكوّنت بعد نجاح الثورة والإطاحة بالإنقاذ حاضنة سياسية من فصائل مختلفة، احزاب ومنظمات مجتمع مدني وتجمع المهنيين واتحادات وغير ذلك، وكان تكوينها في يناير 2019م، وعزلت كثيراً ممن اشترك في التغيير، وخاصة أصحاب التوجهات اليمينية، وصارت هذه الحاضنة هي الحاكمة وهي الحرية والتغيير (وطبعًا تنظيم غير مسجل قانونًا)، مع إبعادها للشباب غير الحزبيين، وصار الحكم شراكة بين هذه الحاضنة والعساكر وفق نصوص الوثيقة الدستورية التي اعتبرت دستور الفترة الانتقالية رغم التغييرات الكثيرة التي طرأت عليها، وتكوّن مجلس سيادي خليط مدني وعسكري، وجيئ بالدكتور عبد الله آدم حمدوك رئيسًا للوزراء، وهو لم تأت به جماهير الثورة، ولا الحاضنة السياسية، ولكن جاءت به الدوائر الخارجية التي اشتركت في تغيير النظام، وكون حكومة من تكنوقراط حكمت البلاد لمدة قاربت العامين، وكانت ومازالت حكومة حدودها مجلس الوزراء، وفشلت هذه الحكومة في إدارة البلاد، بل ضاعفت الفشل، وبحث الناس على فترة الإنقاذ ولم يجدوها، ثم قام الدكتور حمدوك بحلها وبقي هو، وايضًا تفرتقت الحاضنة وخرج عنها الكثير، الحزب الشيوعي وحزب البعث وداعة، وانقسم تجمع المهنيين وصارت الحاضنة شلة، وخرق حمدوك الوثيقة الدستورية وكوّن حكومة محاصصة حزبية مما تبقى من الحرية والتغيير.. وجاءت حكومة ضعيفة وبدون برنامج، وجاء موقعو السلام في جوبا ولم يجدوا الترحيب الكافي، وخلقت مسارات سلام أشكلت على مواطني الولايات، وخاصة مسار الشرق لم يجد القبول من أهل الإقليم، ثم أعادت الحاضنة تشكيلها بعد التعديل في الوثيقة، وعملوا مجلس الشركاء من السلام والعساكر والحاضنة، ولكن كل هذه الخطوات لم تؤد الى استقرار الحكم والبلد للأسباب الآتية:-

1/ التشاكس بين الحاضنة والمكون العسكري.

2/  ضعف الحاضنة وهشاشتها.

3/ إبعاد العناصر الشبابية التي صنعت الثورة بما في ذلك لجان المقاومة.

٤/ عدم وجود برنامج واضح للحكومة وخروجها من البرنامج الانتقالي الى برنامج الحكومة المُنتخبة.

٥/ مركزة القرار وإهمال الولايات.

٦/ عدم الاهتمام بقضايا المواطنين المعاشية وتحسين الاقتصاد.

٧/ الفصل من الخدمة بدون معايير والتشفي السياسي.

٨/ لجنة التمكين والممارسة السياسية بدل القانون.

٩/ غياب الأجهزة العدلية وخاصة المحكمة الدستورية.

١٠/ انفراط الأمن وضيق المعيشة.

١١/التدخُّلات الخارجية السافرة في الشأن السوداني.

١٢/ اهتمام الحكومة بالقوانين والأعمال التي تُخالف دين أغلب أهل البلد.

١٣/ عدم اهتمام الحكومة بمطلوبات الفترة الانتقالية، الانتخابات والإعداد لها.

١٤/ دعوة المجتمع الدولي للاستعمار الجديد للسودان عبر البعثة الدولية.

١٥/ عدم الاهتمام بالخدمات وخاصةً التعليم وتعليق الدراسة لمدد طويلة ولم يجهز المنهج الدراسي.

١٦/ عزل كل القوى السياسية من غير شلة الحرية والتغيير. وفي الحرية والتغيير شلة الأربعة أو الخمسة.

أخيراً، المدنية المغشوشة التي أقامت حرباً مع العساكر والفوضى في الشارع العام، كل هذه العوامل جعلت حكومة د. حمدوك وحاضنتها وبالاً على الفترة الانتقالية وجعلت كل الشعب السوداني يكره هذا الوضع، خاصةً وأن الحرية والتغيير ليست لديها مبادرات تفك بها الاختناق على الحكومة، لأنّ كيسها الجماهيري فاضي، وهي ليست على قلب رجل واحد، متشاكسة، وأبعدت الشباب والفاعلين الذين صنعوا الثورة، بل لم تُوسِّع الماعون السياسي وزادت ذلك بعدم اهتمامها بالولايات، ولذلك عمّ التذمُّر كل قطاعات الشعب. ورجعنا الى مربع المتاريس والاحتجاجات،  ورجعنا الى مربع الثورة، ولم ننتقل لمربع الدولة،  وضاقت الحياة بما رَحُبت، وصار ساسة هذا العصر شغلهم كله الكيزان والفلول والدولة العميقة، وكل اهل السودان غلبتهم المعيشة، وعمّت الإضرابات عاملي الدولة، وزاد الأمر أزمة الشرق التي ناصرها أغلب اهل الريف والبعيدون من الخرطوم، وخَاصّةً أهل الشمال.

كل هذا، مقدمة الى الثورة الثانية التي أطلت برأسها  وبدأت نُذرها، وصارت قاب قوسين أو ادنى.

الرسالة للأخ د. حمدوك… ألحق نفسك قبل الطوفان ومازالت لديك فرصة، لأن الكورة الآن في نهاية زمن الشوط الإضافي.. يجب أن تحدث تغييراً جوهرياً في التيم والخُطة.

الثورة الثانية أطلت برأسها، وهي من نفس الشباب الذين فجّروا الثورة الأولى، وزاد عليهم كل مغبون وكل من رأى وسمع وشاف ناس الجنسية المُزدوجة والقرار الخارجي، ولم يعد لهما وجود..!

نحنُ مُقبلون على هبة وطنية جديدة وثورة جديدة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى