استئناف التبادل التجاري بين السودان وجنوب السودان.. الفرص والتحديات

 

تقرير: نجدة بشارة

ظلت العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان منذ انفصالهما في يوليو 2011م تتأرجح بين الانفتاح والانغلاق.. التحسن والتوتر بسبب الخلافات والصراع المكتوم على قضايا ترسيم الحدود، هذه المشكلات قادت لانقطاع التبادل التجاري بين البلدين، لفترات طويلة لكن بعد سقوط نظام الرئيس المعزول في أبريل 2019، شهدت علاقات البلدين تطوراً ملحوظا لدرجة أن أصبحت جوبا عاصمة جنوب السودان، منبراً للوساطة بين الحكومة الانتقالية السودانية والحركات المسلحة، وأسفرت جهودها عن توقيع اتفاقية السلام بين الجانبين مطلع أكتوبر 2020.

ووسط هذه الأجواء الإيجابية، توافقت الدولتان خلال الزيارة الرفيعة لرئيس مجلس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك الى جوبا أغسطس المنصرم، على عدد من الاتفاقيات والتفاهمات قادت لإصدار القرار رقم (477) الصادر من مجلس الوزراء والقرار رقم ( 45) الصادر من وزير التجارة والتموين والخاص بفتح المعابر بين السودان ودولة جنوب السودان وإعلان استئناف حركة التبادل التجاري بين البلدين.

الفرص والمكاسب

مؤخراً، أعلنت ولاية النيل الأبيض ووزارة التجارة والتموين عن اكتمال كافة الترتيبات لاستئناف حركة التجارة بين السودان ودولة جنوب السودان مطلع أكتوبر المقبل عبر النقل النهري ومعبر جودة البري بمحلية الجبلين.. جاء الإعلان على خلفية زيارة وفد من وزارة التجارة والتموين برئاسة الدكتور الفاتح عبد الله يوسف مدير إدارة التجارة الداخلية ممثل وكيل أول وزارة التجارة والتموين النيل الأبيض بخصوص الترتيب لعمليات استئناف التجارة.

وبالمقابل، رجح خبراء أن استئناف التجارة سيحقق فرصا كبيرة للطرفين، لا سيما وان جوبا تعتمد بشكل كلي على السلع الواردة من الشمال، وسط توقعات بمردود اقتصادي كبير يفوق مليار ونصف دولار في العام، بينما اوضحوا أن الخطوة تحتاج الى إجراءات أخرى تشجيعية كإلغاء الرسوم الجمركية وتسهيل حركة المواطنين عبر تطبيق بروتوكول الحريات الأربع، وتأسيس أسواق ومناطق حرة.

جاهزية ولكن

في السياق، أكد والي ولاية النيل الأبيض عن جاهزية الولاية لاستئناف حركة التجارة العابرة مع دولة جنوب السودان، وقال إن حكومته أعدت العدة الكاملة بالتنسيق مع وزارة التجارة والتموين لتدشين عمليات استئناف التجارة مع دولة الجنوب ووجهت بتسخير كافة الإمكانَات بغية استمرار عمليات التجارة والتي تنعكس ايجاباً على اقتصاد وشعبي البلدين. بينما يرى المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي د. عصام بطران في حديثه لـ(الصيحة) ان استئناف التجارة بين الدولتين سيحقق مكاسب سياسية من حيث تحسن العلاقات الثنائية أكثر، واقتصادية من ناحية العائدات المتوقعة من حركة صادر السلع، وتوفر النقد الأجنبي، واردف لكن الخطوة قد تحتاج الى إجراءات وتفعيل قوانين التبادل التجاري الدولية، موضحاً ان التبادل في السابق كان يتم وفقًا للتقارب العاطفي بين الدولتين؛ دون تنظيم العملية التبادلية، فضلاً عن حاجة الانسياب التجاري لضوابط الصادرات والواردات؛ وأردف: خاصة وان هنالك عدداً من السلع لا تتوفر في دولة الجنوب وكانت تذهب من السودان عبر التهريب، لذلك لا بد من توقيع اتفاقيتي التبادل التجاري والعبور، إضافة الى اهمية إلغاء بعض الرسوم الجمركية وتسهيل حركة التنقل، عبر تطبيق بروتوكول الحريات الأربع.

واوضح د. بطران ان المكاسب الاقتصادية والميزان التجاري ترجح كفة السودان اكثر من دولة الجنوب، نسبةً لتوفر السلع التجارية التي تحتاجها جوبا، وقال إن استئناف حركة السلع سيسهم في دعم الميزان التجاري للبلدين.

تحديات ماثلة

وكانت الدولتان قد اتفقا على افتتاح أربعة معابر حدودية، تشمل كلا من الجبلين، الرنك، الميرم، أويل، برام، تمساح، خريسانة وبانكويج، على أن يكون الافتتاح الرسمي في الجبلين في الأول من أكتوبر القادم من قبل الطرفين.

في ذات الوقت، عبر مراقبون عن قلقهم بشأن قضية الحدود، التي ظلت خميرة عكننة وحاضرة في كل التطورات التي شهدتها العلاقات بين السودان وجنوب السودان، من عودة التنازع على شريط المناطق الحدودية وبالتالي التأثير على انسياب الحركة والتجارة في المعابر البرية، واعتبروا قضية النزاع على الحدود من التحديات الماثلة، على خلفية عودة الحركة التجارية، لكن سبق وطمأن رئيس الوزراء د.  حمدوك  بأن رؤية الخرطوم بشأن الحدود مع جنوب السودان تستند على فتح المعابر وتسهيل التبادل التجاري والتنقل، وأضاف “حتى لو تم ترسيم الحدود، ستكون على الورق، بحيث تكون الحدود مرنة على طول الخط من دون أي عوائق تعترض تبادل المنافع والمصالح المشتركة.”

استحسان وتأييد

وسبق ووقع السودان في 27 سبتمبر من العام  2012، مع دولة جنوب السودان 9 اتفاقيات للتعاون المشترك، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ونصّت الاتفاقيات على اقتطاع منطقة حدودية بمسافة 10 كيلومترات على طرفي الحدود، ينزع سلاحها، وتسحب منها الجيوش، سميت “المنطقة المنزوعة السلاح.”

كما تضمنت الاتفاقيات التعاون في مجالات الأمن والنفط والمسائل الاقتصادية، والترتيبات المالية الانتقالية، ورسوم عبور وتصدير نفط جنوب السودان عبر الأراضي السودانية، إضافة إلى التجارة بين البلدين، الا أن الاتفاقيات عرقل تنفيذها بسبب خلافات أمنية.

ولاحقاً تم بناء 3 معابر حدودية من أصل 10، تم تخصيصها لتسهيل حركة المواطنين والتجارة الحدودية بين دولتي السودان وجنوب السودان، تنفيذاً لاتفاقيات التعاون المشترك الموقعة.

يقول المحلل الاستراتيجي السفير طريفي كرمنو في حديثه لـ(الصيحة) ان جنوب السودان ظل يعاني منذ ان أوقف السودان التجارة معه، وهو ما دفع الأسعار في الولايات الحدودية إلى الارتفاع ونشاط تجارة التهريب، واستحسن كرمنو استئناف التجارة بين البلدين، وقال ان هنالك فرصا ومكاسب كبيرة تنتظر البلدين لا سيما في مجال صادرات النفط، اضافة الى منتجات مثل الذرة التي تعتبر من الاغذية الرئيسية في الجنوب.

وأيّد كرمنو، خطوة الحكومة تفعيل حركة التجارة وفتح الباب امام النقل النهري والبري بين الدولتين، وتوقع مردودا مجزيا من العائدات بالعملة الأجنبية خاصةً لصادرات النفط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى