تعيين الكوادر الوسيطة.. بدعة تمكين أم ضرورة خدمة مدنية؟

 

 

تقرير- مريم ابشر

الجدل الذي اثارته تعيينات كوادر وسيطة بوزارة الخارجية الشهر المنصرم وما تبع ذلك من خطوات متسارعة بين غاضبة ومستهجنة لابعادها من الوظيفة وأخرى ترى أنها استوفت كل شروط التوظيف واجتازت مراحل الوصول إليه عن جدارة واستحقاق, الأمر الذي جعل من الملف قضية رأي عام, ترتب عليها صدور قرار من رئيس مجلس الوزراء بتجميدها و تكليف لجنة للمراجعة والمعالجة والانصاف, فيما يبدو انها وجدت ملفا شائكا حيث أكدت معلومات من مصادر ذات صلة بالملف ان اللجنة مددت فترة عملها حيث كان من المقرر ان تنتهي وترفع تقريرها الختامي لرئيس الوزراء في الاول من ديسمبر الجاري, غير ان تعقيدات الملف نظرا للطريقة المستحدثة التي تم بها الاختيار وحتى ترفع اللجنة تقريرا متكاملا يضمن حلولا ترضي كل الاطراف دفعت باللجنة لتمديد عملها لحين اكماله بصورة مهنية ومرضية. ولكن استحدث وظائف كوادر وسيطة للخارجية فتح المجال امام جملة من الاستفهامات والاسئلة الباحثة عن الدواعي والمبررات لمثل هكذا وظائف طالما ان المدخل الصحيح للخدمة المدنية هو الدخول من البوابة الرئيسية للتعيين

دبلوماسية الولاءات.

التغيير في طبيعة المهنة الدبلوماسية يكون استجابة لتغييرات موضوعية تخرج من داخل المؤسسة ومن منسوبيها لا من القادمين من الخارج كما يقول السفير والخبير الدبلوماسي جمال محمد ابراهيم في ملاحظاته على مسمى الكوادر الوسيطة ويرى انه ينبغي ان يتم وضع تعريف دقيق للمقصود من دبلوماسية تقليدية وأخرى مستحدثة حتى لا يكون التجديد وهو أمر مطلوب حتى على مستوى الاتفاقيات التي تحكم العلاقات الدبلوماسية والقنصليات والملحقيات التابعة للبعثات الدبلوماسية، ويضيف ابراهيم في حديث لـ(الصيحة) ان الدبلوماسية مهنة لها طبيعة خاصة وتحكمها اتفاقيات دولية ملزمة ومثلما لا يجوز تعيين الطبيب العمومي جراجا إلا بعد اجتياز اختبارات وربما امتحانات حتى ينال ما يسمى زمالة الجراحين المعتمدة عالميا, فان الدبلوماسي ان لم يعين في مدخل الخدمة ويكتسب خبرات دبلوماسية لن يكون متشربا بأصول المهنة اذ لا ينبغى ان يتدرج بالقفز بالزانة ليصبح مستشارا او يصير سفيرا وهو لم يكتسب خبرات السكرتير الثالث ثم الثاني ثم الأول قبل أن يعين مستشارا دبلوماسيا ويعتقد جمال ان تعيين كوادر وسيطة بدعة اخترعها الإسلاميون لملء الوظائف التي شغرت بعد طرد من لا يتعاطف مع توجهات الجبهة الإسلامية من الدبلوماسيين والسفراء تحت مسمى سياسة التمكين سيئة السمعة ويعتقد إبراهيم أنه لا مخرج إلا باتباع التعيين في مدخل الخدمة المدنية, بما في ذلك الخدمة الدبلوماسية أسوة والتزاما بالقوانيين واللوائح المنبثقة من الاتفاقيات الدولية والاعراف والتقاليد الراسخة عالميا.

باب للتمكين والمحاصصة

ويرى جمال في حديثه لـ(الصيحة) ان تعيين الكوادر الوسيطة والدفع بهم لوظائف عليا يحمل شبهة سياسة التمكين وتفتح الباب لتعيينات مزاجية والمحاصصات بمعايير ولاءات سياسية, لن تخدم دبلوماسية الوطن في شئ, بل ستمهد لاتباع نهج اشبه بما فعلته الإنقاذ بوزارة الدبلوماسية, حتى صار بعض سفرائها دعاة للإسلام يحملون المصاحف ليهدونها للملوك ولرؤساء الدول عند وداعهم بعد انتهاء مهامهم

بدعة

سفير فضل حجب اسمه تحدث لـ(الصيحة) منتقدا نهج اختيار كوادر دبلوماسية وسيطة ووصف النهج بالبدعة يرى في تشخصيه لأزمة كودار بالوزارة ان وجدت ان تعمل الوزارة على ترقية الدرجات الدنيا للدرجة الأعلى لسد الثغرات وان تعمل الوزارة على طرح وظائف سكرتيرين أوائل مدخل الخدمة حتى يكون مراحل صقلهم بالتدرج وعبر التدريب والترقي الطبيعي للوظيفة، لافتا إلى أن التجربة التي بدأها النظام البائد اثبتت فشلها بامتياز رغم ان من بين المختارين خبرات في مجال عملهم وتخصصهم ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا في العمل الدبلوماسي فضلا عن ان بعضهم عاش في عزلة تامة ولم يتمكن من الانسجام مع زملائه بالوزارة لجهة انه جاء من بيئة عمل مختلفة وخبرة مختلفة واعتبر النهج الذي اتبع فيما عرف بالكوادر الوسيطة بالخطأ الهيكلي مشددا على ان الفراغات يجب ان تملأ بالترقي الوظيفي وادخال كوادر جديدة عبر مدخل الخدمة وبوابتها الرئيسة، وذكر ان النظام البائد عين عسكريين فيما عرف بالترضيات برتب رفيعة في رئاسة بعثات كسفراء لكنهم فشلوا ولم يستطيعوا تحقيق أي قدر من النجاح أسوة بالسفراء الذين وصلوا لرئاسة البعثات عبر الترقي الوظيفي.

التمكين وصراع الزمن

على مر تاريخ وزارة الخارجية تم تعيين كوادر وسيطة مرتين فقط احدهما عام 1956 بعد الاستقلال وقيام الوزارة حيث تم اختيار خبرات على درجة عالية من الكفاءة كما يقول السفير والخبير الدبلوماسي الطريفي كرمنو لجهة ان الوزارة حديثة النشأة, أما المرحلة الثانية كانت ابان عهد نميري في العام 1977 وكانت الدرجات الوظيفية هي سكرتيرين ثوالث وثواني وهم اقرب إلى مدخل الخدمة ويضيف كرمنو لـ(الصيحة), ان نظام استيعاب الكوادر الوسيطة توقف واصبح الدخول إلى وزارة الخارجية عبر مدخل الخدمة في درجة السكرتير الثالث وكان الوصول للدرجة الوظيفية يتم عبر الترقي و ليس التعيين, إلى ان جاءات الانقاذ التي ابدعت في افراغ الوزارة وتعيين كوادرها عبر سياسة التمكين لان الوقت لا يسمح بسبب افراغ الوزارة من الكادر الدبلوماسي من هذا الباب دخل سكرتيرين اوائل ومستشارون وحتى السفراء وكان الرفت والتعيين خصما على الوزارة، و اشار الى ان التعيين يعد ظاهرة غير حميدة انعكس اثرها على الأداء العام، لافتا الى ان السكرتير الاول فما فوق يعتمد عليهم في ادارة السفارة كقائمون بالأعمال لأنهم نالوا من الخبرة والتدريب ما يصل إلى 12 عاما فيما يصل المستشار لتلك الدرجة الوظيفية بعد أكثر من 16 عام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى