صلاح الدين عووضة يكتب : الوجه الآخر!

فما من وجهٍ واحد..

فلليوم وجهان؛ وجه النهار… ووجه الليل..

وكذلك العُملة لها وجهان؛ فما من شيء إلا وله وجهان..

وما من أحدٍ من البشر – أيضاً – إلا وله وجهان؛ أحدهما ظاهر… والآخر خفي..

أو وجهٌ سري يُضمر غير ما يُظهر..

فإن كان ما يُضمره هذا ينطوي على قدرٍ من الشر لُقب صاحبه بذي الوجهين..

وربما في ذاكرة الكثيرين منا قَصصٌ مع أمثال هؤلاء..

وفي ذاكرة كاتب هذه السطور عديد الذكريات المُؤلمة مع ذوي الوجهين..

ولكن ثمة ذكرى واحدة مُضحكة بقدر ما هي مُحزنة..

فعقب إيقاف (الصيحة) بقرار أمني – أيام الطيب مصطفى – تلقّى عرضاً مؤقتاً..

أي لحين معاودة (الصيحة) الصدور..

وكان صاحب العرض هذا هو عبد الله دفع الله؛ ناشر الزميلة (الأهرام اليوم(..

ونشرت الجريدة ترحيباً بي على صفحتها الأولى..

وصباح اليوم التالي صادفت أمام مدخلها زميلين أظهرا لي وجهين جميلين جداً..

وأشعراني بخجلٍ إزاء ترحيبهما المُبالغ فيه بقلمي..

وقالا إن قلمي هذا إضافة قوية للجريدة؛ وإنهما باركا لناشرها تعاقده معه..

فشكرتهما؛ ودخلت على الناشر بمكتبه..

فما أن رآني حتى قال ضاحكاً: يا أخي بيئتكم الصحفية هذه بيئةٌ عجيبة..

ثم حكى لي كيف أن زميلين حاولا إثناءه عن عرضه لي..

وحذراه من أن قلمي سيجلب مشاكل أمنية كثيرة إلى صحيفته… كعهده دوماً..

فإذا بالزميلين هذين هما من أمطراني ثناءً قبل قليل..

وللحقيقة أيضاً وجهان؛ وقد يكون الوجه الآخر هذا صادماً لنا..

فننكره… أو نتجاهله… أو نكره الاعتراف به..

فإبليس – مثلاً – نلعنه ليل نهار؛ ونعتبره رمزاً للشرك… والتجديف… والإلحاد..

ولكن إبليس هذا ليس ملحداً أبداً… ولا هو بمشرك..

بل قد يكون إيمانه بالله يفوق إيمان كثيرين منا بما إنه إيمانٌ يقينيٌّ… وثبوتي..

فهو يعلم أن الله حق… وأن لا شريك له..

يعلم ذلك كعلم الملائكة أجمعين؛ ومن خاطبه الله… أو كلمه… أو اصطفاه من الرسل..

هو مؤمنٌ – وموحِّد – ولكنه عصى ربه..

ووجه العصيان لا يُلغي – أو هكذا يُفترض – الوجه الآخر ذا الإيمان الراسخ..

وأبو جهل لا نرى منه إلا وجهه الناكر للرسالة..

إلا أنّ حقيقته هذه ذات وجهٍ – أو جانب – آخر نتمنى أن نُحظى بمثله..

نتمنى ذلك حتى وإن لم نقرن أمنيتنا هذه به..

بمثلما نتمنى إيماناً يقينياً – كإيمان إبليس – دون أن نقر له بمثل هذا الإيمان..

فأبو جهل كان فارساً مغوارا..

وكان – أيضاً – كريماً جوادا… وشجاعاً مهابا..

ويوم بدرٍ جثم ابن مسعود على صدره وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة..

وكان قبلها يرجز:

ما تنقم الحربُ العوانُ مني…

بازلُ عامـــين حديثٌ سني..

لمثل هــــذا ولدتني أمـــي…

فغالب آلام جراحه – ونزعه – ليقول له: لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم..

وصفاته هذه أحبها نبينا عليه أفضل صلاة وتسليم..

ومن أجلها تمنى أن يعز الله دينه بصاحبها… بعمرو بن هشام… أو بعمر الآخر..

والآخر هذا كان عمر بن الخطاب..

فهل نكره وجهه الإيجابي هذا فقط لأن وجهه الآخر نمقته لدوافع دينية ونفسية؟..

أو بالأحرى؛ نكره ما فيه من جميل الصفات؟..

وللقمر وجهان؛ وجهٌ مضيء نعشقه… ونتغزّل فيه؛ والثاني مُظلمٌ لا نحب ذكره..

أو لا نحب حقيقته… مع أنه الوجه الآخر للحقيقة..

وبداخل كل منا وجهٌ نجتهد في أن يراه الناس على أحسن وَجهٍ..

وثانٍ نجتهد في إخفائه عن الناس..

أو بعبارة أخرى؛ بداخل كلٍّ منا شيءٌ من دكتور جيكل… وشيءٌ من مستر هايد..

وحتى في دنيا العشق… والحب… والهيام… هنالك وجهٌ آخر..

وجهٌ خفي… كوجه القمر المظلم..

وهو لا يظهر لك إلا إن أظهرت لمن يهواك وجهاً آخر خلاف الذي يُريدك عليه..

أي أن تبادله ولهاً بوله… وسهراً بسهر… وعذاباً بعذاب..

فإن صددته جراء كرهك أن تكون ذا وجهين انقلب حبه لك انقلاباً عكسياً..

فبات مساوياً لصدك هذا في القوة… ومُضاداً له في الاتجاه..

ولكن يبقى أسوأ وجهٍ من الوجوه الأخرى هذه كلها وجه ذي الوجهين الخفي تجاهك..

الوجه الآخر!!.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى