وزارة الزراعة.. قصة قضيتين

 

الخرطوم: آثار كامل

ضجت الأسافير خلال الأيام الماضية  بقضيتين مهمتين تتعلقان بمخالفات وقعت في وزارة الزراعة تمثلتا في قضية شركة (زبيدة) القابضة وقضية عقد احتكاري لاستيراد جوالات الخيش من بنغلاديش، لصالح شركة (قولدن فايبر للتجارة).. القصتان من خلال الاطلاع عليهما تعيدان إلى الأذهان قصة قضية فساد شركة الأقطان التي فصل فيها القضاء والتي كانت تتمحور ملفات فساد الأقطان في (استيراد المبيدات.. استيراد الأسمدة.. استيراد المعدات والآليات الزراعية واستيراد الخيش وعمليات توريد المحالج كلها تخضع لعمليات تلاعب بالأسعار بما يفوق الضعف) ونجد أن بعض الشركات تحتكر استيراد الخيش والسماد والمبيدات مما ينتج عمليات فساد.. فقد ظلت وزارة الزراعة وطوال سنوات العهد البائد مرتعاً لعمليات فساد كبيرة منها بجانب شركة الأقطان قضية بزور زهرة الشمس الفاسدة وقضية القطن المحور وراثياً وغيرها.. وربما ذلك ما جعل الكثيرين يطالبون رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك بإيلاء القطاع الزراعي عناية خاصة وتجسير كل إمكانيات الدولة تجاه هذا القطاع الذي يشكل ضوءا في آخر النفق للخروج من الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان وتمويل المزارعين بتوفير الآليات ومدخلات الإنتاج بأيسر ما يكون وتبسيط الإجراءات، لكن يبدو أن المعالجات التي تمت لم تجد طريقاً للنفاذ من واقع أن القصتين تحملان ذات جينات عمليات فساد العهد الماضي فقد تم التعاقد مع شركة لاستيراد السماد بدون عطاء كما تم اعتماد شركة من العهد البائد لاستيراد الخيش.

زبيدة وقولدن ورئيس المحفظة

جاء في الأخبار أن شركة زبيدة القابضة السعودية رفضت السماح بتفريغ باخرة سماد (الداب) التي وصلت ميناء بورتسودان يوم 16 أغسطس الحالي، واشترطت الشركة تعزيز الاعتماد البنكي لتسديد قيمة الشحنة البالغة (30) ألف طن من سماد (الداب) قبل السماح بالتفريغ، خلافاً لما ذكره رئيس مجلس إدارة المحفظة الزراعية، عبد اللطيف عثمان محمد صالح، الذي صرح أن تمويل مدخلات الإنتاج الزراعي سيتم عبر المحفظة باتفاق مع الشركة السعودية وبتمويل (آجل) لمدة عام، وباعتماد غير معزز فيما اتضح بأن تم توقيع العقد بلا عطاءات ولم تورد الشركة الكميات المتفق عليها من سماد اليوريا، ما تسبب في تزايد شكاوى المزارعين من فشل الموسم الزراعي بسبب شح الأسمدة، سيما في مشروع الجزيرة وامتداد المناقل، الذي شكا مزارعوه من انعدام المدخلات، وارتفاع أسعار الأسمدة، واعتبروا تدخل لجنة تفكيك التمكين في أمر استيراد السماد (دليلاً على العشوائية وقلة الخبرة)، وناشد مزارعو مشروع الجزيرة رئيس الوزراء التدخل لإنقاذ موسم الزراعة الصيفي من الفشل، وإطلاق يد البنك الزراعي لتوفير الأسمدة للمزارعين وكان قد أعلن رئيس مجلس إدارة المحفظة عبر مؤتمر صحافي أن المحفظة ستوفر كل مدخلات الإنتاج، بما فيها الأسمدة والمبيدات والآليات والتقاوى والخيش بكميات ضخمة وبسعر التكلفة، بما يكفي لزراعة عشرة ملايين فدان وأكثر وبالانتقال الى قصة العقد الاحتكاري لاستيراد جوالات الخيش من بنغلاديش، لصالح شركة (قولدن فايبر للتجارة) أقرت وزارة الزراعة والغابات بثبوت وقوع الوزير المكلف السابق عبد القادر محمد أحمد تركاوي في عدة مخالفات وتم إلغاء العقد والتراجع عنه وإنفاذ استيراد جوالات الخيش من بنغلاديش لصالح شركة (قولدن فايبر للتجارة) التي سبق وأصدرت لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال العامة، قراراً بوقف التعاملات معها وإثر ذلك استدعى رئيس الوزراء الوزير المكلف واستيضاحه بشأن خطاب أرسله للحكومة البنغلاديشية، في أكتوبر 2020 وبموجبه تحصل الشركة على حق امتياز احتكار استيراد جوالات الخيش للسودان وأبرمت الشركة عقداً احتكارياً في حقبة النظام المخلوع، وتحديداً في العام 2017 أوضحت الوزارة خلال بيانها بوقوع الوزير في عدة مخالفات تشمل عدم التقيد بقانون الشراء والتعاقد بطرح عطاء لتوريد الخيش، بجانب تجاوزه للبنك الزراعي المسؤول عن المدخلات الزراعية في السودان، وتجاوزه لوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي المخولة بالإشراف على اجراءات الشراء والتعاقد الحكومية بموجب ذلك وجه حمدوك بإصدار قرار ينفي بموجبه الخطاب الذي أرسله للحكومة البنغلاديشية لاحتكار سلعة الخيش لشركة قولدن فايبر للتجارة.

انهيار الموسم الزراعي

حمل التوم هجو رئيس تيار الوسط مكتب حمدوك فشل الموسم الصيفي بمشروع الجزيرة والمناقل، وأكد انهيار الموسم الصيفي بمشروع الجزيرة والمناقل لأخطاء إدارية بمكتب حمدوك، وقال إن رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك حرر خطابات منذ زيارته المعيلق ووجه خطابات لوزير المالية والري بتقديم الأولوية لدعم مشروع الجزيرة والمناقل وتأخر التنفيذ لمدة 3 أشهر مما أدى لفقدان الموسم الزراعي الصيفي، وقال هجو خلال لقاء إعلامي إن حكومة الحرية والتغيير منحت عطاءات سماد اليوريا والداب لشركات جديدة ولم تطرح في عطاء وطالب بفتح التحقيق في الجهات التي قامت بتوريد السماد واليوريا.

أشكاليات بالجملة

قال د. عبد اللطيف البوني المختص في الشأن الزراعي والاقتصادي بأن وزارة الزراعة ليس لها أي دخل وأضاف “عبارة عن وزارة فنية لا بتهش ولا بتنش ودمها مفرق بين بنك السودان ووزارة المالية”، وأشار البوني في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن وزير الزراعة بحكم تعيينه تعييناً سياسياً لم يستطع فعل شيء وأضاف بأن المطلوب بأن تمنح الوزارة الصلاحيات للموسم الزراعي وأشار إلى أن العمل الزراعي لابد أن يقوم به القطاع الخاص بصورة حرة بجانب فك البنك الزراعي للاحتكار الذي يمارسه وبجانب القيام بعمل عطاءات مضروبة ولفت البوني الى ان من الإشكاليات الغياب الكامل لتنظيمات المزارعين بجانب مسألة التصدير أيضاً وأرجع ما يدور الآن في الساحة الاقتصادية والزراعية إلى عدم التنظيم وتوزيع الأدوار بصورة صحيحة وعدم وجود استراتيجية مما ساعد في ظهور الفساد بصورة واضحة وأوضح بأن الفساد ملازم للزراعة في السودان ولكنه فساد مبتكر يظهر في الاستيراد والتصدير فلابد من التنظيم.

عمليات فساد وفتح بلاغات

أرجع الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي ما يحدث الآن إلى أنها ممارسات غير صحيحة وقال الرمادي لأول مرة في التاريخ سيفقد السودان موسما كاملاً ونحن مقبلون على كارثة كبيرة وقال الرمادي لـ(الصيحة) ما يحدث عمليات فساد ليست لها علاقة بالاقتصاد ولابد من فتح بلاغات جنائية، وأشار الى أن كل ما يحدث سيؤدي الى فشل الموسم الزراعي ويترتب بنتائج ضارة على المجتمع ومنتجات الصادر كالسمسم وخلافة وفول سوداني ونوه بأن حصيلة السودان من العملات الأجنبية العام القادم سوف تكون شحيحة جدا وتضاؤل العجز الى (8) مليارات وأضاف بأن الأسباب واضحة والأشخاص معروفون فلابد من عمل خطوة صحيحة أو سنقع في كارثة.

الرأسمالية الطفيلية

قال د. صدقي كبلو  الخبير الاقتصادي ورئيس اللجنة الاقتصادية بالحزب الشيوعي إن المسألة تنحصر في استمرار الاقتصاد الطفيلي والرأسمالية الطفيلية التي تنشأ من كم وجلباب الدولة، وينشأ بموجب ذلك جو الفساد من خلال التمكين وأشار كبلو الى أن هناك عدم شفافية وأن المسائل تدار بسرية دون رقابة تشريعية وأضاف لـ(الصيحة) بأن سيادة حكم القانون هي من تمنع ما يحدث من فساد وقضاء مستقل ونوه بأن لجنة التمكين أعلى سلطة لاسترداد ما يتم نهبه ولكن تمت بمحاصصة حزبية ورغم ما قامت به من دور ذلك يشكك في مهنيتها ولابد من أن تكون عقوبة سرقة المال العام أكثر قسوة وعاب كبلو إهمال القانون المدني وقانون التسويات الذي يخلو من العيوب بل العيب في تنفيذة ونبه الى ملاحظتهم خلال زيارة الى الجزيرة تقلص الأرض المزروعة بسبب عدم المال والسماد العام الماضي، ومشاكل الموسم الشتوي كانت بسبب الخيش، وأضاف كبلو بأن الفساد نشأ حتى في مسألة الري في عهد النظام السابق وعرض بوابات الري لمؤسسات غير مختصة، وقال بأن الرأسمالية لا تعتمد على التنافس بل على المحسوبية والرشوة والتمكين، وأشار بأن العطاء لم يكن من نصيب شركة زبيدة وعندما تفشل الشركة في تحقيق شروط العطاء  يعتبر فساداً وعدم شفافية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى