صلاح الدين عووضة يكتب :روح الكل!!

نعم؛ للكل روح..

فيُقال روح القطيع… روح الفريق… روح الجماعة… روح التوجه الجمعي..

بينما الجزئيات – منفردة – لا روح لها..

ولذلك فإنّ الفلسفة – وتحديداً المثالية – تنظر إلى الكل من أجل فهم الكليات..

تنظر في روح الكل… الروح الكلي..

فإن قادها بحثها هذا إلى الله سمته الروح المطلق..

وهيغل يصف كل كتلة بعيدة بأنها ذات وجودٍ روحي قابل للفهم… ومفسرٍ لتفاصيله..

ففهم الكل يؤدي إلى فهم البعض… وليس العكس..

وكذلك ينسحب الشيء ذاته – أو الفلسفة نفسها – على مجال السياسة..

وزميلٌ كان يعاتبني بشدة – أيام الإنقاذ – على اهتمامي بالكليات… وإهمالي الجزئيات..

كان يرى أن انغماسي في الكل هذا هو سبب متاعبي مع (الرقابة)..

بينما يخوض هو في بحر الجزئيات لا يخشى إغراقاً… ولا تمساحاً… ولا (بَرَدَة) كهربائية..

فتخصص في تفاصيل الهموم – والمشاكل – الحياتية… اليومية..

فيجئ ردي عليه – دوماً – بأنّ الأزمات الجزئية سببها السياسات الكلية..

سببها الروح التي تتقمّص الكل… أو يتقمّصها الكل هذا..

فالإنقاذ علتها في النهج الذي استلمت به السلطة – ابتداءً – ثم بات ديدناً لها..

صارت أسيرةً له؛ من البشير… وحتى الخفير..

نهج القوة… والتسلط… والتجبر… والتنمر؛ فانعكس ذلك حتى على ذهنية الشرطة..

فأصغر شرطي – تبعاً لذلك – كان يميل إلى القسوة تجاه المواطن..

وهو نهج كلي – في السياسة – له إفرازات جانبية أضحت من ثوابت الحكم الشمولي..

ومنها الفساد… والسرقة… والأنانية… واستباحة المال العام..

ووفقاً لروح هيغل فإنّ النظر إلى (حافلة) الإنقاذ – من بعيد – يعين على فهمها أكثر..

ولكن حين تدنو منك – كثيراً – تغدو محض تفصيلات مشتتة..

وإن بدأت في مُحاولة فهم كل جزئية منها – على التوالي أو التتابع – ستجد نفسك تائهاً..

تماماً كتوهان اليهود في صحراء التيه؛ لا يعرفون أولها من آخرها..

والآن هنالك نُذر احتجاجات جماهيرية ضد الحكومة بشأن قطوعات الكهرباء..

وهي قطوعات لم تشهد بلادنا مثيلاً لها من قبل..

فنحن نفهم – ونستوعب – حقيقة أن ثمة تركة مثقلة ورثتها حكومة الثورة من عهد المعزول..

وإن كان فهماً – واستيعاباً – على مضض..

إذ لا يُعقل بعد أكثر من عامين من سقوط الإنقاذ… لا نزال نتحدّث عن (وجودٍ) للإنقاذ..

فإن كانت ذات وجود – فعلاً – فهذا أيضاَ فشلٌ يُحسب علينا..

ولكن لنقل – كما ذكرنا – إننا فهمنا… واستوعبنا… وافترضنا؛ إذن لماذا ساء الحال أكثر؟..

فمن يأتي لإنقاذ وضع سيء لا يمكن أن يزده سوءاً..

فكل شيء أسوأ الآن بنسبة 500% عن ذي قبل؛ كل شيء… وكل تفصيلات… وكل جزئيات..

فالعلة – إذن – في الكل… في روح الكل..

وهذه الروح الكلية هي التي تُسيِّر الحكومة – الآن – فتنعكس على الجزئيات..

على الخبز… على الوقود… على المعيشة… على الجنيه..

وتنعكس أيضاً ارتماءً – أعمىً – في أحضان صندوق النقد الدولي (المتوحش)..

فمن الطبيعي أن تنعكس على الكهرباء كذلك..

فالمطلوب – في مثل هذه الحالة – أن يُصوّب النقد للكل… وروحه؛ لا الجزئيات..

فهذه الروح الكلية ليس لها ما تُقدِّمه – نجاحاً – على صعيد التفاصيل..

فهي روحٌ تقتبس من روح الإنقاذ إزاء شهوات السلطة..

ثم تزيد عليها بما لم تفعله حتى الإنقاذ نفسها..

ويكفي دليلاً على ذلك الفارهات الإضافية للوزراء في زمن الانهيارات..

انهيارات في كل شيء..

الجنيه… الاقتصاد… السُّوق… الكهرباء… الزراعة… مرفق المياه..

بل وحتى ضمائر من قُدر لهم أن يلوا أمرنا الآن..

وأي ترقب لإصلاحٍ يأتي من تلقائهم هو مثل انتظار أن تتلبّس الإنقاذ روحٌ أخرى (رحيمة)..

فالتظاهرات – إذن – لن تكون ذات جدوى إن استهدفت الأجزاء..

ورحم الثورة ولود؛ ويمكنه أن يتمخّض فيلد لنا حكومة (تعبر) بنا… و(تنتصر)..

فحكومة تعجز عن محاصرة فشل الإنقاذ غير جديرة بالبقاء..

فكيف إن ضاعفت الفشل هذا أضعافاً مضاعفة؟… وبنسبة تتجاوز 500%؟..

فيا أيها الناس: عليكم بالكل..

وروح الكل!!.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى