سراج الدين مصطفى يكتب :نقر الأصابع

حمزة سليمان: أنا ما قلت شيئاً بعد حتى الآن!!

فنان مفكر:

لم يكن رحيل مصطفى سيد أحمد هو فكرة مجردة للرحيل عن الدنيا والعادية لا تكمن حتى في ذهابه كمغنٍّ فقط وإنما كان رحيله تجسيدا حقيقياً للغيابات الفكرية في الغناء لأن مصطفى لم يكن مغنياً فقط بل كان أقرب للمفكر، فهو طرح مشروعاً غنائياً انحاز فيه للإنسان ككل دون تصنيفات أو طبقات، والموت الذي عاجل مصطفى كان سبباً في أن لا يكتمل مشروعه الفكري الغنائي، ولكن ما يحسب لمصطفى أنه حرك الطاقة الكامنة لدى الكثيرين ليكونوا أكثر جرأة في الطرح الواقعي ورغم أن الكثيرين حاولوا الطرق على الفكرة ونفس ملامح المشروع في تحقيق ذاتهم فكانوا عبارة عن نسخة كربونية مشت في ذات الدرب دون فتح أي منافذ جديدة فكان الغناء وكأنه وقع الحافر على الحافر.

غنائية منطقية:

بعد رحيل مصطفى سيد أحمد أصبحت الساحة الفنية تحتاج لشكل غنائي محتشد بالمغايرة في كل تكويناته وتركيباته.. ولعل الفنان الشاب حمزة سليمان يمثل الآن هذا الحلم على أرض الواقع فهو استفاد من مصطفى سيد أحمد في صياغة الشخصية الفنية، ولكنه لم يصبح نسخة مثله تماماً، لأن حمزة يطرق الآن شكلاً مستحيلاً من الغناء الذي يتطاول فوق جدار العادية لأنه يتكئ على غنائية شديدة المنطقية فيها الكثير من القدرة على تغيير الجو العام للغناء وهذا يتضح في قدرته على انتقاء مفردته الغنائية ذات الطابع الذي يجعل الشخصية ذات خصوصية وتفرد، فهو حينما غنى (علي كيفي) للشاعر عبد القادر الكتيابي كأنه يعلن عن نفسه ومشروعه الغنائي:

علي كيفي

أرقع جبتي أو لا أرقعها..

أطرزها من اللالوب..

ألبسها علي المقلوب..

أخلعها على كيفي..

تلك الكلمات التي تنحاز إلى الفضاء وفكرته ومدلولاته هي تعبير حقيقي عن ملامح المشروع الغنائي وحمزة سليمان يؤكد ذلك حينما يتوغل أكثر في تفاصيل القصيدة:

أنا ما قلت شيئاً بعد حتى الآن..

حتى الآن أسلك أضعف الأيمان..

سئمت هشاشة الترميز

ما بعد الزبى يا سيل من شيء..

ملامح مشروع:

مقاطع الكتيابي تلك تحكي عن ملامح مشروع حمزة سليمان وفي ذات الوقت تؤكد مقدراته التلحينية الكبيرة ذات الطرق على الخيال الموسيقي والتأليف المختلف وأغنية على كيفي فيها كل عناصر المفاجأة والإبهار للتقرب زلفى الى أذن المستمع، رغم أن الطريقة الغنائية متماشية مع ما جدّ من كلمات ذات أبعاد غير مرئية، وهو نوع من الشعر يحوم بكثرة هذه الأيام وجمهوره في تزايد كبير لأنه مشحون بقدر هائل من الأحاسيس المعبرة عن وجدان صامت يترك الغناء ليتحدث عنه.

فلسفة:

غنائية حمزة سليمان أو مشروعة الغنائي يتكئ على فلسفة ربما لا تتضح أبعادها الآن أو في المستقبل القريب، فهو يملك قدرة (الشوف) لأزمان أبعد فيها الكثير من الخيالات والأحلام:

سأصنع لي فتاة من دمائي كي تقدسني

تبكي عند موتي دون زيف..

سأصنع لي فتاة من دخان سجائري

لتلم عن وجهي غبار الاغتراب

كي تغنيني مكابدة النزف..

سوف أصنع لي حبيبة تفهم الوطن

الذي أشقى به وأخصها بالشعر والحب

وأسميها نضال.. إن هذا الأسم أقرب من دمي

مسافة أطول:

بهذا الشكل المختلف اختار حمزة لنفسه أسلوباً شائكاً ومسافة أطول حتى يصل لأنه لجأ للتعقيد في اختياراته وذلك يحتاج لثقافة موسيقية حتى يتمكن المستمع من استيعابه وقد لا يتوافر له (الإلحاح السماعي) أو الشكل الدعائي الذي كانت توفره الإذاعة والتلفزيون فهو يحتاج لأن تبث أغنياته بشكل شبه دائم حتى تصل أغنياته، لا سيما هو نفسه في حالة هجرة دائمة وهذا ما يجعل مشروعه الغنائي في حالة عزلة رغم توافر الوسائط الإعلامية.. ولكن هذا لا يمنع أن نقول إن حمزة سليمان فنان مقنع صاحب طبقة صوتية فخمة ذات خصائص غير متوافرة الآن وحتى أسلوبه الغنائي جديد وغير مطروق فقط يتبقى كيفية وصوله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى