صلاح الدين عووضة يكتب : ورأسي!!

وكلمتي اليوم عنه..

أو عن الرأس… والذات..

أو عنهما معاً… ورحلتهما معاً… وسقوطهما معاً..

ففي مثل يومنا هذا… في مثل شهرنا هذا… سقط رأسي؛ وكان سقوطه ليلة اثنين..

وهي الليلة ذاتها التي سقط فيها أعظم رأس… لأعظم إنسان..

وبينما علا الثاني هذا حتى بلغ سدرة المُنتهى تهاوى الأول حتى بلغ (حفرة) المُنتهى..

فمنذ تلكم الليلة وهو يسقط إلى يومنا هذا..

وكان ثاني سقوط له – من بعد الأول – في أمواج النيل… من على سقالة الباخرة..

وهو لم يزل في المهد صبيا..

وتم إنقاذهما بمعجزة؛ الرأس والذات… أو الرأس وصاحبه..

وليتهم لم يفعلوا؛ أو هكذا قال ابن خاله سيف الدولة – ضاحكاً – لوالدته يوماً..

والتي هي – في الوقت نفسه – عمته (بنت العمدة)..

وبادلته ضحكاً بمثله ولم تغضب؛ ولو قالها أي أحدٍ غيره لغضبت..

فهي تعلم عُمق ما بينهما من علائق… فوق علاقة الرحم..

ورأسي نفسه يُردِّد الآن ما قاله سيف في ذلكم اليوم: ليتهم لم ينقذوني..

وحامل هذا الرأس – على كتفين مُرهقتين – من برج الأسد..

ولكن ليس له من صفاته إلا محاكاة صولته..

والغريب أن هذه المحاكاة تنجح أحياناً..

فحين فرغ من دراسة الفلسفة فوجئ بأنه ما مهنة اسمها فيلسوف..

وسُقط في رأسه… ويديه……. وسقط هو؛ رأسه..

وأمام مسجد طيفور يقابل (قريبه) أحمد مرحب… مدير بنك الوحدة آنذاك..

ويسأله عما فعلت بشهادته… فيرد: أُسقطت على رأسها..

فعناصر أمن (مايو) بلجنة الاختيار أصروا على أنه سميَّه الآخر المصنف أمنياً..

الآخر الذي يحمل اسمه ذاته… ورأساً مختلفاً..

وطارت منه وظيفة ضابط إداري… رغم نجاح يُشابه نجاحه الفلسفي..

ويبشره أحمد بقرب إجراء امتحانات وظائف بالبنك..

فيذهب إلى الامتحان – والذي كان بالإنجليزي  – وهو يحاكي الاقتصاديين..

فكانت المفاجأة أن نجحت المحاكاة؛ وليس هو برأسه الفلسفي..

ويذهل أحمد مرحب بأكثر من ذهوله هو..

ويسأله إن كان قرأ مراجع اقتصادية فيجيب صادقاً: واحداً وكنت على عجل..

أما نائبه عبد الرحمن بري فقد كان مُحقاً إذ ذُهل هو الآخر..

وقال وهو في غمرة ذهوله ذاك: مالك والمصارف؟… يُفترض أن تعمل مدرساً..

ولكن من قال له إنه لم يطرق أبواب التدريس؟..

لقد طرقها؛ فسقطت على رأسه مطارق حقيقة أن الفلسفة أُسقطت من المناهج..

فسقطت على رأسها… هي وأخوها علم النفس..

وتواصلت رحلة الذهول بكثرة الترقيات… وتجاوز الأقران… ونيل الامتيازات..

ثم سقط رأسه – وذلكم كله – بسقوط (الإنقاذ) على الرؤوس..

ولكن الأفكار أبت أن تسقط منه لتشكل كلمتنا اليوم؛ في ذكرى سقوطه..

أو بالأحرى؛ سقطت الأفكار… والمواضيع… والرأس..

وطفق الرأس يهذي دون هذيان ابن أبي ربيعة ذاك الذي جعل منه شاعراً..

فالشاعر جرير يقف على المربد يوماً يستمع إلى الشعراء..

فإذا بعمر هذا ينشد مطلع قصيدة له:

أمن آل نُعم أنت غادٍ فمبكر…… غداة غد أم رائح فمهجر

لحاجة نفس لم تقل في جوابها… فتبلغ عذراً والمقالة تعذر

فيقول جرير قولته المشهورة: ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر..

ولكن هذياني أنا لم يسفر عن مقالة؛ وإن كان يستوجب العذر..

وقبل فترة يطالبني أحدهم بسيرة ذاتية..

قال إنه اختارني ضمن مجموعة تستحق مسيرتهم – وسيرتهم – التوثيق..

وإلى يوم ذكرى سقوط رأسي لم أعطه سيرتي الذاتية..

فليس هنالك سوى ذات؛ ولكن ما من سيرة… ولا مسيرة..

أو هي سيرة سقوط الرأس – والذات – معاً..

ورغم ذلك أقول:

كل عام وذاتي بخير..

ورأســي!!.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى