مدعي الجنائية في الخرطوم.. البحث عن العدالة!

تقرير- محجوب عثمان
قبل أن تغادر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا موقعها القيادي في المحكمة في يوليو الماضي سجلت زيارة للسودان مختتمة بها مهامها التنفيذية في المحكمة، طافت خلالها عددا من معسكرات اللاجئين في دارفور ووعدتهم بتحقيق العدالة لهم من رموز النظام البائد.. وما أن تسلم خليفتها كريم أسد خان منصبه كمدعٍ عام للمحكمة إلا وفكر في زيارة السودان وهي الزيارة التي بدأها أمس بلقاء مع وزير العدل نصر الدين عبد الباري وأعقبه بلقاء مع وزيرة الخارجية…
الزيارة تزامنت مع إجازة مجلس الوزراء قانونًا يسمح للسودان بالانضمام رسمياً للمحكمة الجنائية الدولية في تحول كبير بعد أن ظل النظام البائد طوال سنوات إنشاء المحكمة يجزم بعدم الانضمام لها ويصفها بأنها محكمة مسيسة خاصة بعد أن وضعت رأسه وعدداً من قياداته كمطلوبين لها بعد المجازر التي ارتكبها النظام البائد في دارفور.
مساء أمس الأول حطت طائرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم أسد خان والوفد المرافق له المكون من كبير محامي الادعاء، جوليان نيكولاس، مستشار المدعي العام توماس لينش، ومستشار التعاون الدولي في مكتب الادعاء، داهيرو سانت انا مطار الخرطوم في زيارة موسعة تهدف للاستمرار في خطاوى تحقيق العدالة والعمل على تسليم المطلوبين لها وعلى رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير، وآخر رئيس لحزب المؤتمر الوطني المحلول أحمد هرون وعدد من قيادات النظام البائد خاصة بعد أن بدأت محاكمة المتهم بارتكاب عشرات جرائم القتل عبد الرحمن علي كوشيب الذي سلم نفسه للمحكمة مطلع العام الجاري.
اهتمام حكومي
وزير العدل نصر الدين عبد الباري التقى ظهر أمس بالمدعي العام للمحكمة الجنائية ووفده، مبيناً أن الزيارة تأتي استمراراً للاجتماعات السابقة التي تمت في إطار التعاون بين حكومة السودان والمحكمة الجنائية الدولية، وأكد اهتمام الحكومة الانتقالية بتحقيق العدالة في السودان والعمل مع المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق العدالة لضحايا الحرب في دارفور، مشيراً إلى أن مجلس الوزراء أجاز الأسبوع الماضي القانون الذي يخول للسودان الانضماتم للمحكمة الجنائية رسمياً في سبيل إحقاق العدالة لضحايا الحرب في دارفور وإنصاف المظلومين ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
دعم السودان
في ثاني لقاء له ضمن سلسلة لقاءاته عقد كريم خان اجتماعاً مع وزيرة الخارجية الدكتورة مريم الصادق المهدي بمكتبها، رحبت خلاله بزيارة المدعي العام ووفده، وقدمت له التهنئة بتسلّمه مهامه بصفته المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، خلفًا للسيدة فاتو بنسودة، وجددت دعم سودان الثورة للمحكمة الجنائية الدولية وحرصه على استقلالية المحكمة للاضطلاع بدورها في إنفاذ القانون الدولي، وأكدت على التعاون مع المحكمة الجنائية لتحقيق العدالة لضحايا حرب دارفور، معربة عن استعداد وزارة الخارجية للعمل على تسهيل مهامها وفقاً لبنود مذكرة التفاهم لتحقيق الأهداف المشتركة.
قرار
مريم الصادق المهدي أشارت خلال اجتماعها مع المدعي العام للمحكمة الجنائية إلى أن مجلس الوزراء قرر تسليم المطلوبين للجنائية الدولية، وأجاز مشروع قانون انضمام السودان لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وسوف يُعرض الأمران في اجتماع مشترك بين مجلسي السيادة والوزراء للموافقة على التسليم والمصادقة على القانون.
تنفيذ اتفاق
وأكد المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حرصه على التعاون مع السودان في سبيل تحقيق العدالة، وشكر وزارة الخارجية على تعاونها وتسهيل مهام المحكمة في سبيل تنفيذ بنود مذكرة التفاهم الموقعة في فبراير المنصرم لتعزيز التعاون بين السودان والمحكمة.
كما دعا خان إلى استمرار العمل المشترك مع وزارة الخارجية لوضع التدابير اللازمة التي تساعد المحكمة الدولية، وأعرب عن تقديره للخطوات الأخيرة للحكومة والتي بلا شك ستعجل بعمليات تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا. كما توجه بالشكر لوزارة العدل على التنسيق بين المحكمة وجميع الجهات والأجهزة الحكومية السودانية وأكد أهمية اتخاذ خطوات عملية لإنصاف ضحايا الحرب في دارفور ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الدولية التي ارتكبت بحقهم.
برنامج
وتمتد زيارة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية سبعة أيام في السودان يتناول خلالها مسائل تتعلق بالتعاون بين المحكمة والسودان.
وبحسب موقع المحكمة الرسمي، فإن برامج كريم خان ستشمل لقاء بالدبلوماسيين وممثلي منظمات المجتمع المدني كما أنه سيلتقي عددًا من المسؤولين في الحكومة وسيسجل زيارات لمعسكرات النازحين في دارفور وسيعقد مؤتمراً صحفيًا في ختام زيارته للبلاد يوم الخميس المقبل.
ويشير خبراء قانونيون إلى أن زيارة المدعي العام للسودان جاءت في توقيت مهم للغاية كونها حدثت مباشرة بعد إجازة القانون الذي سيمكن السودان من الانضمام للمحكمة كما أنها جاءت متزامنة مع تولي أحد قادة الكفاح المسلح مني اركو مناوي مقاليد الأمور في دارفور ما يجعلها زيارة ستحقق الكثير من المكاسب للمحكمة الجنائية وأشاروا إلى أن المحكمة تريد أن تستغل التقارب وأن تطرق على الحديد الساخن للوصول إلى أهدافها وهي تسعى لتسليمها متهمين ليمثلوا أمامها على رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير، مبينين أن الأحزاب التي تحكم الآن كانت دائمًا تطالب بالانضمام إلى المحكمة لتحقيق العدالة وبالتالي فهي لن تستطيع أن ترفض الانضمام للمحكمة بعد أن وصلت إلى سدة الحكم عبر ثورة ديسمبر المجيدة خاصة وأن الثورة نفسها وضعت تحقيق العدالة كأحد الأهداف والشعارات التي سعت لها.
سيادة
وبالمقابل قال أحد القانونيين المحسوبين على النظام البائد لـ(الصيحة) إن المحكمة لا تحقق العدالة وإن تسليم مواطن سوداني للمحكمة الجنائية الدولية يعد انتقاصاً من سيادة الدولة التي من شأنها أن تقوم بمحاكمة المتورطين في الجرائم في دارفور خاصة وأن المتهمين في تلك الجرائم أصبحوا الآن مساجين في سجون العهد الجديد، ويمكن تقديمهم لمحاكمات.
لكن المحامي والخبير في القانون الدولي ياسر عثمان يرى في حديث لـ(الصيحة)، أن أهم واجبات الحكومة الحالية هو تحقيق أهداف الثورة وتحقيق العدالة، مبيناً أن القانون السوداني لا يستطيع محاكمة جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية من واقع أن تشريع القوانين التي تجرم تلك الجرائم تمت بعد ارتكابها وأن القانون لا يسري بأثر رجعي، وهذا ما يحتم وجود محكمة لديها القوانين التي تحاكم تلك الجرائم وتنعقد لها الولاية على المتهمين لتقوم بمحاكمتهم، لافتاً إلى أن الولاية في قضية دارفور تمت بإحالة مجلس الأمن الملف للمحكمة الجنائية الدولية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى