مبادرة حمدوك.. أديس “تدس المحافير” والخرطوم ترد

تقرير- عوضية سليمان

لم يجد رئيس الوزراء السوداني د. عبد الله حمدوك بُدّاً من واقع مسؤوليته كرئيس لمنظمة الإيقاد من التدخل عبر مبادرة لإيجاد مخرج لانهاء الحرب الدائرة في الجارة الشرقية إثيوبيا منذ نوفمبر الماضي بين الجيش الإثيوبي الفيدرالي وجبهة تحرير التغراي، فكان أن طرح مبادرته في خواتيم يوليو الماضي والتي وافقت عليها إثيوبيا مبدئياً قبل أن تعود وترفضها عبر مسؤولين كبار في الدولة..

وبما أن الرفض الإثيوبي جاء مصحوباً بتصريحات عدائية سببت الرفض بأن السودان دولة غير مؤهلة لطرح مبادرة لوقف إطلاق النار من واقع عدم حياده واحتلاله لأراضٍ إثيوبية.. رد فعل الخرطوم مضى في اتجاه التصعيد إذ لم تقف وزارة الخارجية في الخرطوم عن استنكار التصريحات الإثيوبية وتفنيدها بل مضت أكثر من ذلك عندما استدعت سفير السودان لدى إثيوبيا بصورة عاجلة إلى الخرطوم بغرض التشاور حول التطورات في الموقف الرسمي الإثيوبي الجديد.

“دس المحافير”

بيان وزارة الخارجية الصادر صباح أمس جاء شديد اللهجة، وختم باستدعاء السفير كتعبير عن رفض التصريحات الإثيوبية وكأن مضمونه يستشهد بالمثل السوداني “ساعدوه في دفن أبوه.. دس المحافير” فبحسب مراقبين، فإن السودان يعد أكثر الدول قدرة على رأب الصدع الإثيوبي من واقع العلاقات المتميزة بين البلدين طوال عقود، كما أنه ظل واقفًا بعيدًا عن الصراع نفسه، وقدم خدمة لحكومة اثيوبيا عندما بسط سيطرته على أراضي الفشقة منعاً لوصول أي إمداد عبرها لجبهة التغراي، فضلًا عن أنه أكثر المتضررين من الصراع نفسه، إذ أن عدد اللاجئين الإثيوبيين الذين عبروا الحدود خلال فترة الحرب يتجاوز الـ(100) ألف لاجئ تمت استضافتهم في معسكرات بولايتي كسلا والقضارف.

ويلفت المراقبون إلى أن بيان الخارجية حوى الكثير من النقاط التي تفند اتهامات إثيوبيا وأهمها أن المبادرة نتجت من واقع أن رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك رئيس لمنظمة الإيقاد، وأن المابدارة تهدف لتشجيع الأطراف الاثيوبية على حل الأزمة سلمياً، وأن الاهتمام بحل أزمة إقليم تيجراي الإثيوبي يأتي من الحرص على استقرار الإقليم.

موقف عدائي

التحول المفاجئ للموقف الإثيوبي تجاه السودان بدا غريبا بعض الشيء، كون أن أثيوبيا ورغم الموقف المتباين لها مع السودان فيما يتعلق بسد النهضة ورغم إشارات بعض مسؤوليها من الأمهرا إلى أن ما تم من استعادة لأراضي الفشقة يعد احتلالًا سودانيًا لأراضٍ إثيوبية، إلا أنها ظلت تحتفظ بكامل علاقاتها الممتازة مع السودان على المستوى الرسمي، وربما كان آخر ما تم فيما يتعلق بالقضايا المشتركة أن زار وفد اثيوبي الخرطوم عقد اتفاقات مبدئية حول استيراد السودان لألف ميغاواط من الكهرباء الإثيوبية قبل أن يغادر يوم الخميس الماضي، ما يشير إلى أن البلدين لا يتمترسان خلف أسوار العداء.

تأثير غير مباشر

احتدم الصراع في إثيوبيا خلال الشهر الماضي وحققت جبهة تحرير التغراي انتصارات على الجيش الفيدرالي خاصة في شمال إثيوبيا وأدت لموجات نزوح جديدة، غير أن تأثير السودان ربما جاء غير مباشر، إذ أن السودان ربما فضح خلال الأيام الماضية واحدة من فظائع الحرب عندما حمل نهر سيتيت الذي يتدفق إلى ولاية كسلا من شمال إثيوبيا جثثاً طافية بعضها قتل بأعيرة نارية والأخرى كانت لأشخاص قيدت أيديهم وأرجلهم وهي على ما يبدو لأشخاص فروا من الحرب في تغراي، وقد وصل تأثير هذه الجثث إلى أوروبا لتشكل بدورها إدانة جديدة لنظام ابي أحمد، فقد استنكر الباحث الإيطالي في الدراسات السياسية والدولية جيوفاني كاربوني في تقرير له بموقع المعهد أمس مشهد الصور التي اظهرت عشرات الجثث، مبيناً أنها دليل على أنه لا يوجد سلام في أثيوبياـ وقال “تواجه البلاد صراعاً يظهر المأساة التي تعيشها البلاد تحت حكم النظام الأثيوبي الذي يحمل رئيسه جائزة نوبل للسلام”. وأضاف: “هنالك أزمة إنسانية خطيرة للغاية جارية في تغراي ويعيش معظم سكانها في حالة مجاعة مشيراً إلى نزوح 2 مليون إلى السودان”، ودعا الباحث المجتمع الدولي للتدخل واتخاذ تدابير في وقف الأزمة الإنسانية.

أسباب

لكن ربما هناك آراء أخرى ترى أن لأثيوبيا أسباباً وراء التحول المفاجي منها أن مواقف السودان تجاه سد النهضة تحولت مؤخراً وأصبحت مناهضة لإثيوبيا. ويقول الدبلوماسي والمحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريس في حديث لـ(الصيحة)، إن رفع السودان قضية سد النهضة إلى مجلس الأمن الدولي فضلا ًعن كونه من الداعمين إلى خط الاتحاد الأفريقي في قضية سد النهضة القاضي بفرض مزيد من الضغط على أثيوبيا ربما حول الموقف الإثيوبي تجاهه، لافتاً إلى أن تلك المواقف جعلت السودان في موقف عدائي من وجهة نظر الحكومة الإثيوبية، فضلاً عن أن رئيس وزراء اثيوبيا أبي أحمد ربما يريد بمعاداة السودان أن يكسب بعض التأييد الداخلي بعد أن تلقى جيشه هزائم متتالية على أيدي قوات التغراي، لذا فإنه يرى أن رمي السودان بالضلوع في الصراع سيعيد له البريق.

أثيوبيا ظلمت السودان

استبعد المحلل السياسي عبده مختار اتهام أثيوبيا للسودان حول النزاع الأخير المتبادل بين الدولتين وقال لـ(الصيحة) إن السودان ليست له علاقة بما يدور في التغراي، معتبراً أن تلك مسألة داخلية تتعلق بالشأن الإثيوبي، موضحاً أن السودان تدخل من واقع رئاسته لمنظمة الإيقاد خلال هذه الفترة، مبيناً أن تلك محمدة كانت تستدعي من الحكومة الإثيوبية أن تشكر السودان عليها وليس اتهامه، وأضاف أن السودان ليست له مصلحة فيما ذكرت أثيوبيا، لكن لأن الإقليم المشتعل مجاور للسودان لذا فإن أي خلاف فيه سيكون له تأثير بالغ على السودان وتحديداً تدفق الإثيوبيين كلاجئين إلى السودان ما يشكل ضغطاً على موارد مجتمعات أصلاً ويتطلب من الحكومة الاهتمام بهم وتوفير الخدمات لهم فور دخولهم السودان مؤكدًا وجود علاقة حميمة جداً بين الدولتين أثيوبيا والسودان.

ظلم

واستبعد مختار بأن يكون السودان هو السبب وإنما المشكلة مشكلة داخلية تتعلق بقوميات إثيوبية تبحث عن العدالة والسلطة، معتبرًا أن الاتهام الإثيوبي باطل وبعيد جدًا على السودان، وقال “أعتقد أن الحكومة الأثيوبية قد ظلمت السودان”.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى