سراج الدين مصطفى يكتب :نقر الأصابع

مشاهدات من مهرجان الإبداع العسكري

(1)

في السنوات الأخيرة بدأ يتلاشى عندي شغف حضور المنتديات والفعاليات الثقافية.. ويرجع سبب ابتعادي عنها لأنها أصبحت فعاليات مكرورة ولا جديد فيها ويخلو محتواها من الإبداع المتجدد والأفكار المتجاوزة لحال الراهن الثقافي والإبداعي.. ولعلي في ذلك أعترف (بمزاجيتي) في انتخاب واختيار ما يثير متعتي الشخصية.. وبما أنني أستمتع بعمل في الكتابة الصحفية.. فذلك يعني بالضرورة انتخابي للفعل أو الفعالية التي فيها قدر كبير من الإمتاع والمؤانسة.

(2)

تلك المفاهيم كنت حريصاً على حضور فعاليات مهرجان (الإبداع العسكري) أو ما كان يعرف سابقاً بمهرجان (الجلالات).. ولعل هذا المهرجان العريق تطور فكرياً من حيث المفاهيم وذلك يتضح أولاً من تغيير مسمى المهرجان من (الجلالات) الى (الإبداع العسكري)، حيث أصبح الماعون أكثر اتساعًا وفتح براحات وفضاءات جديدة للإبداع العسكري.. ولعلي هنا أتوقف تحديداً عند الموسيقار الشاب (محمد ضرار) والذي انضم لمؤسسة الجيش وتدرج في الرتب حتى وصل رتبة (رائد).. فهو في فترة استطاع أن يقدم إضافات مقدرة وكبيرة من حيث الشكل والتنظيم والحيوية ولعل معرفة الرائد محمد ضرار بالوسط الفني والإبداعي سهل من المهمة.. فهو شاب ديناميكي وخلاق على المستوى الذهني ومن حيث التفكير المتجاوز للأفكار التقليدية.

(3)

تابعت جزءًا كبيراً من المهرجان السابق الذي أقيم بسلاح المدرعات بالشجرة، ولكني لم أكمل بقية المهرجان بسبب ظروف مرضية قاهرة وقتها ألزمتني فراش المرض لفترة طويلة.. ولعل ذاكرتي الشخصية مع المهرجان كانت محتشدة بذكريات بعضها أليم وبعضها عظيم.. والعظمة تكمن في ما تركه من أثر إبداعي جميل.. لذلك كنت حريصاً على حضور فعاليات هذا العام والمتابعة عن كثب والاقتراب أكثر من هذه الفعالية الكبيرة.. لذلك أنا حريص على الذهاب يومياً لمسرح سلاح المهندسين بأم درمان رغم مشاق المواصلات.. ولكن الأمر يستحق هذه المعاناة والرهق اليومي.

(4)

في هذه الدورة من المهرجان.. هنالك ملاحظات يجب التوقف عندها بكامل الجدية.. وويأتي في أولها أن هذا العام شهد انحساراً كبيرًا للتنفيذ الموسيقي في المهرجان.. ومن الواضح جدا أن بعض الفرق والوحدات المشاركة لا تهتم بفرقها الموسيقية من حيث اختيار الأصوات أو اختيار أعضاء الفرقة الموسيقية.. وذلك بتقديري الخاص يعود لعدم اهتمام بعض القادة بالفرق الموسيقية.. وأقرب مثال غياب (سلاح النقل) عن الدورة الحالية للمهرجان.. فهذا السلاح كان يمنح المهرجان نكهة خاصة وطعما مميزاً، وغيابه يؤكد أن قادته الحاليين لا يضعون أدنى اهتمام بالموسيقى والغناء وربما يعتبرونها نوعاً من العبث والملهاة وإهداراً للوقت.

(5)

من خلال الليلة الافتتاحية للمهرجان لاحظت الاهتمام الكبير من قادة الجيش بالمهرجان وحضور شخصيات بقامة الفربق منور نائب رئيس هيئة الأركان للإدارة واللواء الصادق الطيب مدير هيئة التوجيه المعنوي.. فذلك يعني اهتمام القيادة العليا للجيش بالمهرجان.. وأن ثمة ميزانية ضخمة رصدت لها.. وذلك يعني ببساطة أن الكرة تحولت لملعب الوحدات العسكرية لتقدم ما عندها من إبداع يتسم بالجدة والجدية ولكن بعض الوحدات تنقصها الجدية والاهتمام اللازم بأمر الفرق الموسيقية، لذلك ظهر بعضها بشكل باهت يستحقون عليه المساءلة.

(6)

غياب جودة التنفيذ الموسيقي يعني بالضرورة تقديم أغنيات ذات كثافة لحنية جيدة.. وذلك بتقديري نوع من الاستسهال غير المبرر ويفضي لمخرجات تخلو من الإبداع الحقيقي وكذلك يعني موتها لحظة ولادتها.. ولكن حتى لا نظلم الجميع فهناك وحدات لها اهتمام كبير بفرقها الموسيقية كسلاح المدرعات.. الاستخبارات العسكرية.. المهندسين.. سلاح الأسلحة والذخائر.. فهذه الوحدات يتضح فيها اهتمام القادة بالفرق الموسيقية، أما البقية فحدث ولا حرج.. وأتمنى من لجنة التحكيم أن تدون تلك الملاحظات بكل شفافية ووضوح.. بما أن اللجنة تضم كبار المبدعين ممن أثروا الوجدان السوداني أمثال سعادة العميد عمر الشاعر والدكتور الماحي سليمان والدكتور النور حسن وشعراء كبار بقامة التجاني حاج موسى ومختار دفع الله والخير عبد الجليل المشرف والشاعر الشاب محمود الجيلي الذي كان اختياره موفقاً للحد البعيد.

(7)

الدورة الحالية للمهرجان شهدت إضافة منشط (الأغنية العاطفية) لأول مرة في تاريخ المهرجان.. ولعل تلك الإضافة لها رمزيات ودلائل عميقة وفيها تحويل لبعض المسارات المفاهيمية المرتبطة بالمؤسسة العسكرية.. وكنت حريصاً على حضور هذا اليوم كاملاً للتوقف عند مدى قدرة الوحدات العسكرية على تقديم أغنيات عاطفية فيها تجديد من حيث المضامين الشعرية والأفكار الموسيقية، وهذا النوع تحديداً يحدد مدى جودة الأصوات الفردية في الفرق العسكرية ولكني صراحة لم ألحظ أغنية واحدة تتوافر فيها مواصفات إبداعية جديدة، كلها تقريباً كانت في منتهى العادية وتخلو من الدهشة والإمتاع الكبير.. ولكن ذلك يعود لأن الفكرة ما زالت جديدة وربما تتطور في مقبل المهرجان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى